ضرورات صيف «إدلب»
سامر ضاحي
منذ سلسلة الانتصارات العام الماضي التي انتهت بتحرير الجنوب السوري في الصيف الماضي، بدأ العمل الغربي على إدخال الأزمة السورية في مرحلة من العطالة والسكونية، فشهدنا «اتفاق إدلب» في ظل إصرار أميركي تركي على حماية التنظيمات الإرهابية في «المنطقة المنزوعة السلاح» التي حددها الاتفاق، مستغلين الحرص السوري والروسي على المدنيين هناك، ولكن لم يتم إنهاء وجود الإرهابيين في «المنطقة المنزوعة السلاح» التي حددها الاتفاق، ومن ثم تم تعطيل فتح الطرق الدولية من حلب باتجاه دمشق واللاذقية، ما منح الإرهابيين الفرص المتتالية لتصعيد الوضع العسكري باستهداف المدنيين ولا سيما في ريف حماة وفي حلب، وبحماية تركية باعتبار أن الدوريات التركية نشطت بشكل لافت في مناطق سيطرة تنظيم جبهة النصرة في إدلب.
كما أنهت «قوات سورية الديمقراطية- قسد» تنظيم داعش الإرهابي في شرق الفرات، ولو بشكله التنظيمي التقليدي فقط، وتفرغ التنظيم لمحاربة الجيش السوري في البادية الشرقية، بينما تصاعدت أطماع رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان في شرق الفرات مستغلاً الإعلان الأميركي عن رغبة في إنشاء «منطقة آمنة» هناك وبدأ التحضيرات التركية لعملية عسكرية وازت حملة أردوغان في الانتخابات البلدية وما زالت الميليشيات المدعومة منه تتحضر للعملية حتى اليوم.
في شرقي البلاد بدأت المساعي الثلاثية السورية والروسية والأردنية لتفكيك مخيم الركبان، مقابل تعنت أميركي واضح في الحفاظ على الوضع هناك وزيادة مأساة قاطني المخيم، بينما لا يزال فتح معبر البوكمال القائم بين سورية والعراق دون طموح بغداد ودمشق اللتين تطمحان أيضاً إلى فتح معبر التنف لولا الاحتلال الأميركي وقاعدته هناك، من دون نسيان أن أميركا عرقلت الحوار بين الحكومة السورية و«مجلس سورية الديمقراطية -مسد»
في الجنوب، تراجعت الاندفاعة الاقتصادية بين سورية والأردن بعدما جاهر الملحق التجاري في السفارة الأميركية بفرض عقوبات على المتعاملين اقتصادياً في سورية، وكان لبلاده موقف حاسم بلجم الاندفاعة العربية باتجاه دمشق بعدما شهدت بدورها انفراجات نهاية العام المنصرم.
ووازى عرقلة فتح المعابر زيادة الولايات المتحدة العقوبات على سورية، عبر سلسلة تشريعات لم يسلم منها المواطن السوري لكنها لم تستطع ثنيه عن التمسك بحكومته.
مع كل المشهد السابق لجأ الغرب إلى محاولة تعطيل المسار السياسي أيضاً وهو ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن القوى الغربية عطلت مسار اللجنة الدستورية الذي كان من الممكن أن يشهد إعلان اللجنة في نهاية حقبة المبعوث الأممي السابق ستيفان دي ميستورا، واستمر التعطيل حتى في اجتماعات «أستانا 12» وبحضور المبعوث الأممي الجديد غير بيدرسون لأن الأميركي لا يرغب في انفراجة في هذا الملف، وهو ما أكده الرئيس بوتين مؤخراً أيضاً بأن المعارضة و«ضغطاً خارجياً» هما من يعطلان تشكيل اللجنة.
في ظل ما سبق، تبدو الحاجة الأكثر إلحاحاً اليوم في إدلب الضغط على الغرب عبر ضرب وكلائه المحليين، وتبدو أي عملية عسكرية فيها ذات أهداف إستراتيجية أهمها:
اقتصادياً: استعادة منطقة مهمة من الجغرافية السورية بما يسهم في خفض الأسعار لما تتمتع به من زراعة نشطة، وإمكانية موازية لفتح الطريق الدولي حلب دمشق، ما يتيح الاستفادة من تجارة الترانزيت بعد الأنباء عن فتح طريق غازي عنتاب حلب برعاية روسية، إضافة إلى طلب الشاحنات التركية المرور عبر سورية، ومن ثم تعود الأراضي السورية كشريان ترانزيت بري بين تركيا باقتصادها الضخم من خلفها أوروبا وروسيا وبين بقية الدول العربية.
عسكرياً: يمكن لعملية إدلب أن تقطع الطريق على العملية التركية في شرق الفرات وتلقن الكرد درساً في المصير فتزيد من جذبهم إلى دمشق، وبالتالي توفير عملية أخرى على الجيش في شرق الفرات، كما أنها تعود بالفائدة على سوق الطاقة السورية باستثمار حقول النفط والغاز في شرق الفرات، في ظل الطعنات المتتالية التي توجهها أميركا لحلفائها في «قسد» أولاً باستبعادهم من مشروع «المنطقة الآمنة» وثانياً بطردهم من حقل كونيكو للغاز مؤخراً.
سياسياً: أي انتصار للجيش العربي السوري يدفع القوى الغربية إلى التراجع عن محاولات التعطيل والجلوس على طاولة التفاوض حول ملفات اللجنة الدستورية وإعادة الإعمار ووقف تمويل الإرهابيين وملف عودة اللاجئين.
لا يمكن لأحد اليوم أن ينكر وجود تنظيم القاعدة المتمثل بجبهة النصرة الإرهابية في إدلب، وعدم وجود ما يمكن التشدق بأنه «معارضة معتدلة» هناك، وهو ما أشار إليه الحليف الروسي بوضوح، ومن ثم تبدو كل الخيارات متاحة لفتح معركة في إدلب قد يكون من أهم نتائجها وقف التعطيل في الأزمة السورية وتحريك الملفات الراكدة في الصيف المقبل.
الوطن