“الحزام والطريق” الاستراتيجي… والتحالف الصيني الروسي للإطاحة بالإمبراطورية الأمريكية
نور الدين اسكندر
تحت عنوان “ما هي دلالات تعاون “الحزام والطريق” في الصين؟”، كتب الباحث نور الدين اسكندر مقالا يظهر الأهداف التي تريدها الصين من إطلاق مشروع “الحزام والطريق، وجاء فيه:
محطة جديدة على طريق الصين نحو القمة الاقتصادية للعالم شهدتها بكين خلال اليومين الماضيين. دلالات كبيرة حملها منتدى “الحزام والطريق” في نسخته الثانية تحت عنوان “تعاون الحزام والطريق، وتشكيل مستقبل مشترك أكثر إشراقا”، أبرزها حجم المشاركة الواسع الذي وصل إلى 37 دولة، مضامين متناسقة للرؤى الاقتصادية للدول الكبرى المشاركة، لا سيما الصين وروسيا، بالإضافة إلى ضخامة المشروع الصيني المتنامي لإحياء طريق الحرير القديمة باتجاه الغرب.
وينقسم مشروع طريق الحرير إلى “طريق بري” (الحزام الاقتصادي)، وطريق الحرير البحري للقرن 21. وتتضمن استثمارات بقيمة 5 تريليون دولار، منها 43 بالمئة في قطاعات الطاقة، و41% في قطاع النقل السككي، و% مجمعات صناعية، 2% طرق، 3% موانئ و5% معدات.
وتشتمل على ستة ممرات برية هي:
– الممر الاقتصادي أوراسيا الجديد (500 مليار دولار).
– الصين – آسيا الوسطى – غرب آسيا (100 مليار دولار).
– ممر الصين-الهند الصينية (200 مليار دولار).
– ممر الصين – منغوليا (70 مليار دولار).
– ممر بنغلادش-الصين-الهند-ميانمار (70 مليار دولار).
وطرق سريعة أبرزها:
– طريق الصين-غرب أوروبا السريع.
– طريق الصين-باكستان السريع.
أما مشروعات النقل السككي فهي:
– مشروع سكة حديد موسكو كازان السريع.
– مشروع سكة حديد خورغوس-أكتاو.
– مشروع سكة حديد الصين-أوزبكستان-قرغيزستان.
– مشروع سكة حديد تايلاند-الصين.
– خط الشحن بوابة خورغوس.
وخطوط طاقة هي:
– خط الغاز الروسي.
– خط غاز آسيا الوسطى.
– خط الغاز (د) آسيا الوسطى.
تشير المتابعة الدقيقة لنسخة “تعاون الحزام والطريق، وتشكيل مستقبل مشترك أكثر إشراقا” من منتدى “الحزام والطريق” الذي بات يعقد سنوياً في بكين، إلى نشاطٍ مطّرد يشهده مشروع الصين الهادف إلى تصدر الهرم الاقتصادي العالمي في السنوات القليلة المقبلة وعلى مستوى التعاون الدولي متعدد الأطراف. هذا الانطباغ هو ما خرج به المشاركون في المنتدى هذا العام. والأمر لا يرتبط حصراً بضخامة الحدث وحجم المشاركين، بل إنه يرتبط أيضاً بطبيعة النقاشات التي دارت خلاله، وحجم الاتفاقيات التي تمكنت الصين من توقيعها، ما يشكل دفعاً جديداً للمشروع الصيني الضخم.
الرئيس الصيني شي جين بينغ تحدث عن توقيع اتفاقيات بقيمة 64 مليار دولار جديدة تمت خلال هذه النسخة، تضاف إلى عشرات المليارات التي ضخت كاستثمارات في شرايين هذا الحلم الصيني المتجدد.
لكن الأكثر إثارة للانتباه كان تركيز “شي” على تطبيق “مبادئ السوق” في كل مشروعات التعاون التي تتضمنها المبادرة. وحضّه الدول المشاركة على رفض الحمائية، لمواجهة السياسات التي يعتمدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته تحت عنوان “أميركا أولاً”. في مشهدٍ غير مألوف لكل من عرف الصراعات الأيديولوجية ضمن النظام الاقتصادي الدولي خلال القرن الماضي، حيث اعتادت الدول الاشتراكية على تأييد دورٍ أكبر للدولة في إدارة الاقتصاد ووضع ضوابطه وضماناته الوطنية، في حين كانت الأنظمة الليبرالية تدعو إلى اقتصاد السوق وحرية المبادرة الفردية.
ويبدو أن تبادل المواقع بين النظام الأميركي الحر والشيوعية الصينية في طبيعة مطالبهما الاقتصادية من النظام الاقتصادي الدولي، يعود إلى أسباب ترتبط بالقفزات التجارية الكبرى التي حققتها الصين من خلال إدارتها المنظمة والناجحة للكتلة البشرية الهائلة التي تمتلكها، وفشل النموذج الأميركي في إدارة النمظام الاقتصادي الدولي بالصورة التي كان يتوقعها.
وسعى شي من خلال المنتدى إلى “تبديد المخاوف بشأن خطته الضخمة لإنشاء بنية تحتية تربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا”، حيث تثير هذه الخطة مخاوف من وقوع الدول المشاركة في الاستثمار ضمنها تحت عبء الديون الكبرى التي تعرضها الصين ضمن إطار المشروعات المنضوية في الحزام والطريق، بالإضافة إلى ريبة الغربيين من فكرة ربط كل هذه المشروعات بالشركات الصينية.
ويحاول الرئيس الصيني طمأنة الدول المشاركة إلى شفافية الخطة الصينية وعدم تسامحها مع الفساد، وحشد توافق مع هؤلاء المشاركين على رفض الحمائية وتحقيق المزيد من الانفتاح الاقتصادي.
وقد حقق مبتغاه هذا حين لاقاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتشديده على أهمية تعزيز التواصل والترابط بين مبادرة (الحزام والطريق) والمبادرات التنموية في منطقة أوراسيا، بما يخدم شعوب المنطقة. وتأكيده ان المبادرة الصينية تتماشى مع الاستراتيجيات التنموية الروسية، وخصوصاً إقامة ظروف تتسم بالشفافية وتكون مواتية من أجل دفع التواصل الشامل في المنطقة الأوراسية.
وفي ما يتعلق بالحمائية، كان لافتاً جداً تشديد بوتين على ضرورة التصدي للحمائية التجارية والأحادية، واعتباره أن أحد مخاطرها هو الالتفاف على مجلس الأمن لفرض قيود على دول أخرى. وربطه لمشروع الحزام والطريق بمعالجة المخاطر المكرتبطة بالإرهاب والهجرة غير الشرعية.
وتعد المبادرة الصينية بتوسيع آفق الاقتصاد العالمي وتوفير منصات جديدة، في ظل مخاوف حقيقية من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وتأثير ذلك على تأمين فرص العمل الضرورية للشعوب التي تعاني من مستويات تنمية منخفضة. خصوصاً تلك الواقعة ضمن مجال المبادرة الصينية، حيث ترتفع المراهنات بأن تشكل هذه المشروعات دفعاً جديداً لاقتصادات الدول المتعطشة إلى استعادة قدرتها على النمو.
ويمكن إعادة أسباب نجاح المبادرة الصينية على الأقل في مراحل انطلاقتها الأولى إلى حكمة السياسة التي تديرها، والتي تركز في أولوياتها على إدارة التواصل والترابط، بدلاً من سياسات النصح والإملاء والتوجيه الذي بقي يمارس من قبل القوى الكبرى في الاقتصاد الدولي على الدول التي ترغب بالتعاون معها. وهو نهجٌ جديد غير مألوف في إدارة التعاون الدولي من قبل قوة كبرى متجهة لأن تكون الأقوى اقتصادياً.
لكن أسئلةً كثيرة باتت تطرح في الآونة الأخيرة حول آليات الدفاع التي تعتمدها الولايات المتحدة الأميركية بوجه الطموحات الصينية والمتعاونين معها. أسئلة ليس آخرها الربط بين زعزة الأمن في بحر الصين الجنوبي، المفاوضات مع كوريا الشمالية (تضطلع كل من روسيا والصين بدور نشط لإنهاء الأزمة بين واشنطن وبيونغ يانغ)، تفجيرات في الدول الواقعة ضمن إطار المبادرة (آخرها سريلانكا)، واهتزاز الاستقرار السياسي في دول أخرى خارج الهيمنة الأميركية، وكانت لتشكل دفعاً للطموحات الصينية والروسية وللدول التي تبحث عن بدائل في الاقتصاد الدولي (الجزائر، السودان، كوبا، فنزويلا وغيرهم). وهي أسئلة تتراكم الاحداث المستجيبة لها كل يوم، إلى أن تتضح الصورة أكثر.