كمال خلف: “ايران والاخوان المسلمون.. هل يصلح الدهر ما أفسده العطار “؟
كمال خلف
رفضت إيران نوايا واشنطن تصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية . الموقف الإيراني ينطلق من عدة اعتبارات تختلط فيها المصالح الايرانية العليا مع الجانب التاريخي في العلاقة مع حركة الإخوان . قد يبدو الموقف الإيراني اليوم مستغربا ومستنكرا من قبل الكثيرين أعتمادا على العداء بل والمواجهة العسكرية المباشرة بين ايران والجماعات المسلحة التابعة للإخوان في سوريا .
لم تنظر إيران يوما إلى حركة الإخوان المسلمين العالمية بعين العداء ، بل على العكس تماما ، نظر قادة الثورة الاسلامية في إيران منذ انتصارها إلى حركة الإخوان على أنهم حامل للفكر الإسلامي ، وحركة تتلاقى فكريا مع الثورة الايرانية . أما الإخوان فعدوا انتصار الثورة الاسلامية انتصارا لهم ، وعملوا على نشر أفكارها في العالم العربي ، وتقاطروا إلى إيران للقاء الإمام الموسوي الخميني ومباركة الثورة ، وحتى يقال ان القيادة العالمية لحركة الإخوان عرضت على الخميني مبايعته كخلفية للمسلمين ، لكنه رفض ذلك .
تأثر قادة الثورة الاسلامية في إيران بفكر مؤسس حركة الإخوان حسن البنا ، وتشير وثيقة تاريخية بقيام السيد الموسوي الخميني عام 1938، بزيارة المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين. حيث التقى حسن البنا قبل حتى أن يفكر بقيادة الثورة الاسلامية .
الثابت أن رجل الدين الإيراني البارز “محمد تقي القمي” زار مصر، والتقى حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان، حيث وجد القمي ترحيبا حارا من البنا وتبنيا كاملا لمشروع القمي للتقريب بين المذاهب . وهذا المشروع لم يكن نظريا ، فقد عملت حركة الإخوان جاهدة لكي يبصر النور ، وبالفعل نجح القمي بعد لقائه البنا بسنوات بإنشاء دار التقريب بين المذاهب مع شيخ الأزهر والقيادي في حركة الإخوان الشيخ محمود شلتوت عام 1948 . واصدر الشيخ شلتوت فتواه الشهيره والتي قال فيها إن “مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنّة”.
ربما كثير من جيل حركة الإخوان المسلمين الراهن لا يعرفون هذه الحقائق وتاريخية العلاقة . وهي علاقة استمرت الى اليوم رغم كل الاحداث ولم تطويها كتب التأريخ .
المرشد الإيراني السيد علي خامنئي، كان قد ترجم عام 1966 كتاب “المستقبل لهذا الدين” الذي ألفه سيد قطب، أبرز منظري جماعة الإخوان المسلمين. حمل الكتاب المترجم للفارسية عنوان “بيان ضد الحضارة الغربية” . تم إعدام سيد قطب قبل أن ينتهي الخامنئي ترجمة الكتاب إلى الفارسية . وبعده بسنوات ترجم الخامنئي كتاب قطب ” في ظلال القرآن ” . ظهر من خلال المقدمات التي كتبها الخامنئي للكتب المترجمة مدى تأثره بفكر سيد قطب .
واعتمادا على هذه العلاقة العقائدية وهذا التأثير المتبادل لا يمكن أن نأخذ الجانب السياسي فقط في فهم رفض إيران لتصنيف واشنطن للحركة بأنها إرهابية . صحيح أن هناك اليوم علاقة تعاضد بين تركيا وإيران ، ففي حين ترفض تركيا الألتزام بالعقوبات الأمريكية على إيران ، تتبنى إيران موقفها في رفض إستهداف إدارة ترامب للجماعة . كما تلحظ إيران تجريم الجماعة من قبل أعدائها في السعودية والإمارات والبحرين ، ولهذا من الطبيعي ان تتخذ موقف النقيض منهم .
وبهذا تختلط الدوافع السياسية بالعقائدية التأريخية في بلورة الموقف الإيراني لصالح حركة الإخوان .
من المهم معرفة ان الخلاف الإيراني الحالي مع حركة الإخوان تموضع في سوريا فقط ، فطهران أيدت الغنوشي وحركة النهضة بعد الإطاحة بزين العابدين بن علي في تونس ، وأيدت الإطاحة بحسني مبارك وصعود حركة الإخوان في المشهد المصري ، وكذلك في ليبيا ، وأطلقت و بوقت مبكر على عموم هذه التغييرات في العالم العربي وصف ” الصحوة الإسلامية ” ، في إشارة دعم واضحة لصعود حركة الإخوان المسلمين في هذه البلدان .
لكن المشهد السوري اربك هذا التوافق ، فايران كانت ترى سوريا في موقع المقاومة و الصمود في وجه السياسيات الأمريكية والإسرائيلية .
دعمت دمشق بكل ما اوتيت من قوة المقاومة الفلسطينية وبالأخص الفرع الفلسطيني من الإخوان ” حركة حماس ” وبهذا تجاوزت دمشق الحساسية والعداء التاريخي مع حركة الإخوان من أجل المصلحة الفلسطينية والعربية . وأعطت هذا الاستثناء للفلسطينيين دونا عن غيرهم . وكانت دمشق الشريان الحيوي للمقاومة اللبنانية في وجه إسرائيل .
لكن التنظيم الدولي للإخوان أخذ قرارا بإكمال التقدم إلى سوريا رغم الاعتراض الإيراني ، وزار قادة الفرع السوري للتنظيم طهران لإقناع القيادة الايرانية بأن سوريا لن تكون استثناء بالحملة . سمع قادة الفرع السوري كلاما واضحا من إيران مفاده لا تقتربوا من سوريا ،
لكن الحركة كانت منتشية بانجازاتها في البلدان العربية ، وكان المشروع يمضي بمساندة قطر وتركيا ماليا وعسكريا ولوجستيا وإعلاميا ولا يبدو أن شيئا يمكن أن يوقفه .
ذهبت حركة الإخوان باتجاه العمل لإسقاط النظام ، لكن إيران فوجئت بالخطاب الإعلامي الذي سبق قرارها دخول الحرب إلى جانب دمشق ، إذ استخدمت حركة الإخوان الخطاب الطائفي ، كأحد أسلحة المعركة لنزع الشرعية عن النظام السوري ، ولحض الأكثرية السنية في سوريا على الإلتحاق بركب مشروع حسم المعركة .
أخذت إيران القرار بدخول الحرب لصالح حليفها السوري على حساب صديقها الإخواني رسميا عام 2013 .
منذ هذه اللحظة ارتفع سقف الخطاب الإخواني تجاه طهران ، وتعرضت إيران لأكبر حملة تشوية في تاريخها. وسوقت حركة الإخوان عبر وسائل إعلامها للرأي العام العربي مصطلحات ضد إيران مثل” الصفوية ، والمجوسية، والرافضية، ” والفاظ مثل” حزب اللات و حزب الشيطان ، وأبناء المتعة ” . ووقفت إيران وجماعة الإخوان وجها لوجه في ميدان القتال لأول مرة في التاريخ ، لكن كفة إيران وحليفها السوري رجحت، وانهزم المشروع .
من الملاحظ اليوم ان حركة الإخوان خففت نسبيا من حدة وانحدار الخطاب تجاه إيران ، كان للخلاف الخليجي بين قطر والسعودية تاثيره في هذا ، وقفت إيران مع قطر ضد حصار جيرانها العرب في الخليج وقدمت المساعدة . ثم برز الخلاف والخصومة السعودية التركية ، ما أدى إلى تحويل المعركة الإعلامية وهي كل ما تبقى من مشروع الحركة وحلفائها إلى المستجدات الراهنة .
يبدو التقارب بين ايران وقطر وتركيا يزداد، وبالتالي قد يعيد هذا ما انقطع بين ايران وحركة الإخوان المسلمين . خاصة أن مشروعهم قد سقط في سوريا ويتهاوى في باقي البلدان العربية . فهل يصلح الدهر ما افسده العطار ؟ .
رأي اليوم