رسالة إلى الحكومة الموقرة المستمرة في «وضعية صامت»!
لم تكن أزمتا الغاز والبنزين الأخيرتين أصعب ما مرَّ على الشعب السوري في سنوات الحرب، إلاَّ أنَّ ما حصل كشف عن خلل كبير في آلية التواصل الحكومي مع الشعب الذي كابد في دمشق انهمار القذائف الإرهابية وانقطاع المياه عن البيوت 42 يوماً، وعانى في حلب من غياب كامل للكهرباء والوقود وأسطوانات الغاز التي توفرت فقط تحمل الموت من «مدافع جهنم»، وعاش أصعب الأيام وأحلك ليالي الحصار في دير الزور وكفريا والفوعا، وكذلك في حمص والسويداء وطرطوس واللاذقية التي كانت مواكب الشهداء وأخبار انفجار الحافلات المفخخة أو المجازر المتنقلة أكثر من أخبار قدوم سيارات الغاز أو الوقود.
ما حصل في الأزمتين الأخيرتين كشف أن الحكومة لم تكن سبب الأزمات .. نعم، لكنها كانت سبباً في تفاقمها .. حين اختارت أن تلوذ إلى الصمت والكتمان وغياب الشفافية والمصارحة، وعندما انتقدها المواطن و طالبها بالحديث والشرح والتوضيح، تعاملت مع ما سبق وكأنه هجوم شخصي على أركانها، وأصبح البعض يرى أن أي ظهور على الإعلام هو بمثابة مواجهة شخصية وهجوم مباشر.. لدرجة أنَّ ذلك البعض بات يتهرب علناً من الظهور الإعلامي ومن الإجابة عن أي سؤال..
ألا يستحق هذا الشعب الذي صمد كل تلك السنوات وقدّم للعالم مدرسة في الصبر، والتعالي على الموت والفقد والجوع والعطش ما هو أكثر من الصمت؟ .. ألا يستحق أن تأخذ الحكومة قسطاً من «وقتها الثمين» لتشرح له وتصارحه وتضعه في صورة الموقف الصعب الذي وجدت نفسها به .. وأن تقدّم له تفسيراً عن وعودها «البراقة» التي ذهبت أدراج الرياح والتي نسمعها من حكومتنا كل حين وآخر، وعن مليارات هنا وهناك لإعادة إعمار أو بنية تحتية لم يلحظ المواطن منها شيئاً على أرض الواقع (وهذا موضوع اخر سنكتب عنه قريباً..).
والأهم من كل ما سبق: ألا يستحق هذا الشعب ألا يبقى اعتذار حكومته بشخص رئيسها أمام مجلس الشعب عن عدم الشفافية والوضوح مع المواطن كلاماً شفهياً فقط؟ دون دروس مستفادة من هذا الخطأ؟.. والدليل على ذلك أن الاعتذار جاء عن عدم المصارحة فيما يتعلق بأزمة الغاز… وعندما حلت أزمة البنزين عادت الحكومة وكرَّرت نفس الخطأ باللجوء الى الصمت والهروب من المصارحة.. فما أهمية الاعتذار عن خطا إذاً عدنا لنكرره نفسه في مرات لاحقة؟!
لقد بات واضحاً تماماً أنه وفي المرات القليلة – بل والنادرة – التي سمع المواطن السوري كلاماً مقنعاً من وزراء في الحكومة كان متفهماً ومدافعاً عن كل خطوة اتخذتها فيها مصلحة آنية أو استراتيجية لسورية. فمصارحة الشعب ووضعه في صورة الإمكانيات الواقعية والموارد الحقيقية ليس حديثاً عن قضايا عسكرية أو أمنية – وحتى تلك رغم حساسيتها ودقتها لم يجد الرئيس الأسد ضيراً من الحديث فيها عن سقوط إدلب في أيدي التنظيمات الإرهابية عندما شعر أن معرفة المواطن والصراحة أمام الشعب أهم من بعض الانتقادات التي طالته حينها بأنه صرح بما لا يجب التصريح به… وأوضح للجميع حينها أن المعلومة الحقيقية مهما كانت مؤلمة وصادمة فهي أهم بكثير من الصمت والسكوت وأهم بكثير من رفع المعنويات الوهمي الذي تمارسه الحكومة مراراً.
لا يطلب المواطن السوري اليوم الكثير .. فهو يتابع الأخبار، وربما يعرف عن العقوبات والإجراءات القسرية وأبعاد الحرب الناعمة أكثر مما تعرف الحكومة، ويسمع ما يصّرح به أعداء سورية ليل نهار .. وآخر دلائله عندما كان قادراً على الرد على تصريحات بولتون بأبلغ الأفعال والردود حين توهّم أنه يستطيع عبر «البنزين» أن يذّل الشعب السوري. كل ما يطلبه المواطن اليوم من حكومته في هذه الظروف أمران لا ثالث لهما: أن تشاركه الحكومة ما لديها من أرقام وحقائق ومعطيات بكل شفافية وصراحة وواقعية لنتمكن جميعا من اجتياز الحرب الاقتصادية كما اجتزنا العسكرية وما نزال .. والأهم أن يشاركه مسؤولوها اقتسام الموارد أيضاً .. فالمواطن يريد أن يعرف نعم .. ويريد أيضاً أن يشعر أنه ليس وحده المعني بتحمل الظروف الصعبة التي تمر بها سورية.
المصدر: موقع سيريا توداي