العالم بين حروب إقليمية أو حرب عالمية
تحسين الحلبي
في 17 شباط من العام الماضي نشر الموقع الإلكتروني الرسمي لمدير المخابرات القومية الأميركي (DNI) دانيال. ر. كوتس، تقريراً لوضع الأخطار في العالم ووضع له الموقع تصنيف «unclassified» أي «غير سري» ويسمح بنشره.
حدد كوتس في تقريره عشرين خطراً شمل كل أنحاء العالم وكل أشكال الأخطار التقليدية وغير التقليدية.
وتحت عنوان «الخطر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» يرى هذا التقرير أن سورية وإيران تزداد بينهما أشكال التدعيم العسكري والتكنولوجي لقدراتهما في المنطقة خصوصاً قدرتهما على جذب العراق نحو مواقفهما وأن إيران تشكل أكبر الأخطار على المصالح الأميركية العسكرية وغير العسكرية في الخليج بعد تزايد قدراتها التكنولوجية الصاروخية والعسكرية وأن الخلافات داخل القيادة السياسية الإيرانية لا يمكن التعويل عليها في إضعاف الجبهة الداخلية.
أما حول سورية بالذات فجاء أن «الحرب تحولت في سورية بشكل حاسم لمصلحة الرئيس (بشار) الأسد وأتاح لكل من روسيا وإيران تعزيز وجودهما فيها» وتوقع التقرير «احتمال أن تشهد سورية خلال عام 2018 نزاعاً متقطعاً رغم أن الجيش السوري استعاد معظم أراضي سورية وانخفض مستوى أعمال العنف ضده».
حول المجموعات المسلحة والمعارضة المدعومة من الغرب جاء في التقرير أن «معارضة المتمردين التي دامت سبع سنوات لم يعد في مقدورها قلب حكومة الرئيس الأسد أو التغلب على ضعفها العسكري، وربما يمكن للمتمردين استعادة مصادرهم لتحقيق ديمومة في النزاع في السنة المقبلة 2019».
رأى التقرير أن «داعش أصبحت في أغلب الاحتمالات في حالة تدهور وسقوط في سورية لكنه على الرغم من خسارتها لمناطق كثيرة فإنه من المحتمل أن يكون لديها مصادر كافية وشبكة سرية للاستمرار في عملياتها خلال عام 2018» وتوقع التقرير أن «يستمر تدعيم التحالف الروسي السوري الإيراني والمشاريع الروسية والإيرانية في النفط والغاز مع سورية» أما الأكراد في سورية فرأى أنه «من المحتمل أن يحاول قادتهم تشكيل نوع من الحكم الذاتي لكنهم سيواجهون معارضة من روسيا وإيران وتركيا وسورية».
وإذا قمنا بعد مرور عام على هذه التوقعات أو الاستنتاجات الاستخباراتية الأميركية بمقارنتها بالواقع على الميدان السوري والإقليمي نجد أن ما حققته سورية وحلفاؤها من إنجازات وانتصارات على الحرب الإرهابية الكونية هو نقل سورية إلى مرحلة أكثر قوة مما كانت عليه عام 2018 الذي نشر فيه هذا التقرير.
استنتج التقرير بشكل إجمالي شمل كل الأخطار والوضع الدولي أن «التنافس بين مختلف الدول سيزداد في عام 2019 لأن بعض الدول الكبرى والدول الإقليمية المعادية لأميركا ستقوم باستغلال هذا الوضع وهو ما سيفرض أولويات على السياسة الخارجية الأميركية» والمقصود هو روسيا والصين وإيران وسورية بشكل رئيس. وحذّر بأن «خطر النزاع بين الدول بما في ذلك النزاع بين دول كبرى أصبح أعلى درجة من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية» وحدد أن الأخطار الإقليمية التي يمكن أن تولد حرباً عالمية هي «الموضوع النووي الكوري الشمالي» وموضوع «النزاع السعودي الإيراني».
بنظرة شاملة وموضوعية يستنتج من يقرأ هذا التقرير أن الولايات المتحدة تحولت إلى ثور هائج وغاضب وتسعى إلى منع تغيير قواعد النظام العالمي الذي فرضته منذ حرب الخليج 1991 الأولى والثانية 2003 للهيمنة على كل منطقة الشرق الأوسط وهي ما تزال تصر على منع أي تغيرات إقليمية ودولية تلحق الضرر بمصالحها ودورها وتاريخ هيمنتها، ولذلك يصف معظم المحللين للشؤون الإستراتيجية الدولية أن واشنطن مقبلة بعد تأزم علاقاتها التحالفية مع دول أوروبية وتزايد القدرات العسكرية المتفوقة لروسيا وتزايد قدرة الصين الاقتصادية وتهديدها للمصالح الأميركية الاقتصادية على الاختيار بين واحد من الحلول الآتية: إما التسليم بمشاركة موسكو وبكين في إعادة صياغة نظام عالمي متوازن وإما البقاء في حالة الصراع والتنافس الراهنة وطريقها المسدود وما يولده ذلك من تآكل تدريجي لقدراتها وهيمنتها وإما إعداد نفسها لحروب أميركية في مناطق مختلفة قد تؤدي لحرب عالمية مع القوى الكبرى. وهذا ما يشير إليه التقرير حين يحدد درجة الخطر من صدام عسكري مباشر بين القوى الكبرى «بأعلى مستوى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية» أي إن أزمة الصواريخ النووية السوفييتية مع الرئيس كيندي عام 1962 وظهور خطر حرب نووية في ذلك الوقت لم تكن بدرجة الخطر الراهن في هذا القرن.
لكنه من الملاحظ أن تزايد عدد وقدرة القوى المناهضة للهيمنة الأميركية أصبح يشكل إلى حد واضح قوة قادرة في أغلب الاحتمالات على منع واشنطن من اللجوء إلى زيادة التصعيد نحو صدام مباشر بينها وبين موسكو وبكين وحلفائهما.
أما إسرائيل فإن أفضل من يعبر عن واقعها هو نائب رئيس الأركان الإسرائيلي سابقاً الجنرال يائير غولان الذي أعلن في ندوة سياسية في واشنطن نشرتها مجلة «ديفينس نيوز» في 8 أيلول 2017 حين قال: «لا، ليس بمقدورنا مقاتلة إيران وحلفائها في المنطقة وحدنا لكننا نستطيع استنزافها وهي تستطيع استنزافنا وهذه حقيقة تتطلب من واشنطن أن تقاتل معنا».
فإسرائيل هي الخاسر الأكبر من الأمر الواقع الراهن ولذلك أصبحت المحرض الأكبر على حرب مباشرة أميركية شاملة ضد شعوب هذه المنطقة.
الوطن