هل بدأت عملية تحرير ادلب؟
لا شك أن ما يجري حاليا في شمال حماه وفي جنوب ادلب من عمليات عسكرية، يوحي وكأن المنطقة تنتظر تغييرا ميدانيا مختلفا عن الوضع السابق، وحيث كانت تلك المنطقة تعتبر منطقة “خفض تصعيد”، استنادا للاتفاق الروسي التركي في سوتشي، يبدو انها مرشحة اليوم لخسارة هذا الوصف، والذي لم يكن محترماً من إرهابيي الشمال السوري طيلة الفترة السابقة.
الوقائع الميدانية التي نتجت حتى الان عن تحرك الجيش العربي السوري الهجومي، تبين نجاح وحداته بالتقدم على اتجاهين، فمن جهة اولى تم تحرير منطقتي الباني والجنابرة في المنطقة الجنوبية الغربية لبلدة كفرنبودة مباشرة، ومن الجهة الثانية تم تحرير تلتي عثمان والصخر شرق قلعة المضيق، وحيث تشهد الجبهة الاولى جنوب غرب كفرنبودة مواجهات شرسة، بالاضافة لكون الاشتباكات شرق قلعة المضيق مرجحة للتوسع، من غير الواضح كيف ستكون مناورة وحدات الجيش اللاحقة.
من خلال دراسة جغرافية وعسكرية لمنطقة الاشتباكات المذكورة، يمكن اعتبارها نقطة ارتكاز واسعة، تعطي الامكانية الميدانية لوحدات الجيش العربي السوري للانطلاق باكثر من مناورة هجومية مختلفة، وذلك على الشكل التالي:
1ـ متابعة الضغط على كفرنبودة وبعد تحريرها استكمال العمليات شرقا حتى خان شيخون، حيث يعتبر محور التقدم المذكور ممكنا، خاصة بعد تحرير كفرنبودة، يستطيع الجيش من خلال ذلك محاصرة بلدات كفرزيتا واللطامنة ومورك تمهيدا لتحريرها، ويكون بذلك قد انتزع من الارهابيين المنطقة الاكثر تحشدا لعناصرهم بين ريفي ادلب الجنوبي وحماه الشرقي، والتي كانت مؤخرا نقطة انطلاق اكثر عمليات الاعتداء على بلدات حماه وخاصة على محردة وحلفايا والسقيلبية.
2ـ توسيع العمليات العسكرية الهجومية شمال غرب، وإنطلاقا من قلعة المضيق، التقدم شمالا في سهل الغاب وتحرير اغلب بلداته التي كانت مُنطَلَقاً للصواريخ وللطائرات المسيرة، والتي طالما استهدفت مناطق الساحل السوري وخاصة قاعدة حميميم، وايضا يفقد الارهابيون بعد نجاح الجيش في هذه العملية قاعدة انطلاق اساسية، كانت تستعمل للاعتداء الخطر على محافظ اللاذقية وعلى ساحلها.
3ـ بعد تحرير كفرنبودة، يمكن لوحدات الجيش متابعة التقدم شمالا والضغط على بلدة كفرنبل وتحريرها، وامتلاك قاعدة انطلاق واسعة للضغط على معرة النعمان ومواصلة التقدم حتى مدينة اريحا، وفي حال نجاح الوحدات في تحقيق هذه الاهداف، يمتلك الجيش في ذلك نقطة ارتكاز متقدمة في عمق محافظة ادلب، تعطيه الامكانية الميدانية لتوسيع عملياته في كل الاتجاهات التي يراها مناسبة من الناحية العملانية.
في الحقيقة، واستنادا للجهود والامكانيات الضخمة التي حشدها الجيش العربي السوري في تلك المنطقة، يمكن لوحداته، وبعد استكمال تحرير كفرنبودة، تنفيذ واحدة من المناورات الثلاث المذكورة، واستغلال الاهداف المحددة منها بشكل مستقل ومنعزل، كما ويمكن لوحداته تنفيذ المناورات الثلاث مجتمعة من خلال عملية واسعة، ويبقى القرار الذي يحدد الاختيار بين هذه المناورات مرتبطا بالعوامل التالية:
اولا: هل هناك قرار سوري نهائي مدعوم من الروس، بتنفيذ عمل عسكري واسع في الشمال وانهاء مفاعيل اتفاقات استانة وسوتشي، بعد عجز تركيا وفشلها، او بعد تراجعها عن تنفيذ التزاماتها في الاتفاقات المذكورة؟ ومع وجود هذا القرار، من الطبيعي ان يكون للمناورة الواسعة المركبة من المناورات الثلاث المذكورة الامكانية الواسعة للتنفيذ.
ثانياً: في حال كانت الدولة السورية ما زالت تفضل السير بخيار اتفاقات استانة وسوتشي، وبرعاية روسية، مع اعطاء مهلة اضافية لتركيا لتنفيذ التزاماتها في الاتفاقات المذكورة، من المرجح السير حاليا فقط بمناورة تحرير بلدات كفرنبودة مع مثلث (مورك ـ اللطامنة ـ كفرزيتا)، وذلك بهدف ابعاد الاعتداءات عن بلدات حماه، خاصة انه لا يوجد في منطقة العمليات الخاصة بهذه المناورة اي نقطة مراقبة تركية، الامر الذي يبعد الاحتكاك والمواجهة المباشرة مع الوحدات العسكرية التركية.
ثالثاً: انطلاقا من اهمية مثلث (اللطامنة ـ مورك ـ كفرزيتا) بالنسبة للارهابيين، والذي يشكل لهم نقطة الارتكاز الاقوى في ادلب ومحيطها، وما يمكن ان تؤثر عملية مهاجمته وتحريره على الوضع الميداني للارهابيين بالكامل في ادلب ومحيطها، ربما لا يذهب الروس حاليا باتجاه دعم مناورة تحرير جنوب ادلب وشمال حماه في المثلث المذكور، والاكتفاء حاليا فقط بتنفيذ مناورة تحرير شرق سهل الغاب بهدف تأمين حماية قواعدهم في الساحل السوري، بانتظار ما قد ينتج عن التواصل الروسي التركي حول الملف السوري.
في مطلق الاحوال، ومهما كان الوضع الاستراتيجي الذي يرعى المواجهة في الشمال السوري وتحديدا في محافظة ادلب ومحيطها، من المرجح ان تشهد مناطق الاشتباكات الحالية تغييرا ميدانيا معينا، لن ننتظر طويلا لمعرفة حدوده وأبعاده.
اقرأ المزيد في قسم الأخبار