طبيب العيون.. و”فخُّ إدلب”!!!..
تحت العنوان أعلاه كتب السيد “خالد العبود” أمين سر مجلس الشعب السوري :
-طالما حدّثتكم عن “فخّ إدلب”، وطالما كنّا نركّز على أنّ المعركة ليست كما تبدو لنا في الإعلام، أو على شاشات التلفزة ووكالات الأنباء، واليوم يمكن لي أن أتحدّث لكم عن مقاربة ذاتية شخصيّة، حول هذا “الفخّ”، وهي قراءة لا تعتمد على معلومات رسميّة، أي أنّها قراءة لا تعني أيّ مؤسسة من مؤسسات الدولة السورية، ولا تمثّلها!!..
-خلال السنوات القليلة الماضيّة من عمر المواجهة التي كان يخوضها الرئيس الأسد، كان قد تراجع في أكثر من مفصل ورأس من جغرافيا الوطن، وهي استراتيجية هامة كان قد اتّبعها بغيّة الحيلولة دون مواجهة كاسرة لمؤسسة القوات المسلحة، في الآن الذي كانت تدفع إليها أطراف العدوان!!!..
-في منطقة “شرق الفرات” حيث انسحبت الدولة ومؤسساتها، كانت قد نمت رؤوس عديدة محاولة منها كي تملأ الفراغ الذي تشكّل نتيجة هذا الانسحاب، أو هذا التراجع للدولة، ومن ضمن هذه الرؤوس التي تشكّلت الرأس الذي سمّي بالوجود “الكرديّ” أو العنوان “الكرديّ”!!!..
-في المتابعة الأولى، والمعلومات البسيطة الأولية، نجد أنّ الدولة السورية، من خلال بعض مؤسساتها، هي من وقفت إلى جانب هذا الصعود “الكرديّ”، ودعمته بشكل علنيّ وواضح، محاولة منها دعم طرف موضوعيّ يحاول الوقوف في وجه “الفوضى” التي اشتغل على دعمها واستعمالها العدوان وأطرافه!!!..
-تشكّل طرف ميدانيّ كان أساسه ما سمّي بـ “قوات سورية الديمقراطية”، وهي قوات عبّرت عن حضورها في هذه الجغرافيا، ثمّ ملأت الفراغ الذي أحدثته الدولة، وصولاً إلى فرض وجودها في وجه القوى الأخرى التي حاولت أن تسيطر على هذه الجغرافيا!!!..
-بعد صعود هذا المكوّن “الكرديّ”، وسيطرته على مساحات واسعة من شرق الفرات، ظهر كمادة أساسيّة في وجه عدم وحدة الجغرافيا السوريّة، وندّاً تكيكيّاً لمواجهة الدولة المركزيّة السوريّة، وهو ما دفع “الأمريكيّ” للاستثمار فيه، خاصة وأنّ “الأمريكيّ” كان يبحث عن مكوّن يمكن أن يستثمر فيه، نتيجة فشل أدواته الذاتية الأخرى في تأمين بعض أهدافه الاستراتيحيّة!!!..
-لم يجد “أردوغان” بهذا الوجود الجديد إلا تهديداً مباشراً له، باعتبار أنّ ذلك لم يكن في حساباته، وهو الذي كان يظنّ أنّه ذاهب إلى تأمين جغرافيا معينة، ضمن الأراضي السوريّة تشكّل بالنسبة له “منطقة آمنة”، وهي منطقة كان يعوّل عليها كثيراً، بغية قيام جسم سياسيّ سوريّ معارض، يشكّل فيما بعد جسماً ندّاً للدولة السوريّة!!!..
-هنا بالضبط تحوّلت أهداف “أدروغان” من تأمين “جغرافيا آمنة”، بغية إنتاج جسم ندّ للدولة السوريّة، يستثمر فيها ضغطاً على الرئيس الأسد، إلى تأمين “جغرافيا آمنة” تضمن له نار العنوان “الكرديّ” الذي أضحى مدعوماً “أمريكيّاً”!!!..
-الرئيس الأسد أغلق على هذا المشهد، وختمه جيّداً بالمعادلة الجديدة الصاعدة، والتي تقول: بأنّ التناقض “الأمريكي – التركي” هو تناقض يمكن الاستثمار فيه، على مستويين اثنين، الأول في عنوان “المنطقة الآمنة” التي كان يدفع باتجاهها “أردوغان”، والثاني أنّ التناقض سوف يؤمّن مظلّة تباعد تجعل كلّاً من الطرفين يبحث عن أهدافه منفرداً، وهذا ما حصل فعلاً!!!..
-في مكان آخر مختلف تماماً، كان يحصل ما هو أكثر أهميّة من ذلك بكثير، دون أن تعي أطراف العدوان حقيقة هذا الحاصل، حين كانت هذه الأطراف مأخوذة بمقولة أنّ الدولة المركزية السوريّة بقيادة الرئيس الأسد قد أضحت من الماضي!!!..
-إنّ طبيب العيون السوريّ، الذي كان يقود معركته على إيقاع ثقة عارمة بالنصر، عمل خلال السنوات الأخيرة من العدوان – بعد أن فكّكت مؤسسته الأمنية كتلاً واسعة من مجاميع الفوضى التي كانت أداة العدوان الرئيسيّة عليه – عمل على ترحيل كثيرٍ من عناصر هذه المجاميع، ودفع بها من أكثر من منطقة سورية، وذلك بعد دخول الدولة إلى هذه المناطق التي كانت تسيطر عليها هذه المجاميع، حيث جمّع هؤلاء العناصر في محافظة “إدلب”!!!..
-كان يدرك الرئيس الأسد أنّه بفضل هذا الترحيل لهذه العناصر سيعطي آمالاً لأجهزة استخبارات “إسرائيليّة وسعودية وقطرية وإماراتية” وغيرها بأنّ المعركة لم تنتهِ، وهم بذلك سيذهبون لمواجهته ثانية في محافظة “ادلب”!!!..
-نعم سارعت هذه الأجهزة الاستخباراتية كي تواجهه في “ادلب” وملحقاتها، لكنّ هذه اللحظة كانت فيها المعركة قد وصلت إلى مواقع ومراحل مختلفة تماماً عمّا كانت عليه في مطلع العدوان على سوريّة!!!..
-لم يعد التحالف تحالفاً، وإنّما أضحى تحالفاتٍ متناقضةً حدّ المواجهة، فالاستخبارات “السعوديّة والإماراتيّة” تزحف إلى مصالحها المتناقضة تماماً مع مصالح الاستخبارات “التركية والقطريّة”، نتيجة التناقض والخلاف الصاعد الجديد بين “الوهابيّة والأخوان”!!!..
-أمّا بالنسبة للـ “إسرائيليّ” فقد غادر التحالف إلى أهداف مختلفة مع كلّ من الفريقين الآخرين، إنّه يعاني معاناة كبيرة نتيجة خارطة ميدان قوى صاعدة، نجح الرئيس الأسد في تشكيلها، فأضحى “الإسرائيليّ” يبحث عن تكتيك يؤمّن له العودة إلى “قواعد اشتباك قديمة” مع الرئيس الأسد، إنّه يطمح للعودة إلى اتفاق فضّ اشتباك 1974م!!!..
-فائض العنف الذي جمّعه الرئيس الأسد في “ادلب” حمّله على كتفيّ “أردوغان”، وقع الأخير في هذا “الفخّ”، ظنّاً منه أنّه سوف يقوم بالمقايضة بين دخول الأسد إلى “ادلب” وبين السماح له بالقضاء على العنوان “الكرديّ” في شرق الفرات!!..
-تقدّم الحليف “الروسي والإيرانيّ” ليقوما بدورهما في محاولة منهما العمل على استكمال تبريد واستقرار المنطقة، خاصة وأنّ “الأمريكيّ” تراجع في عناوين وأهداف هامة كان قد اشتغل عليها طويلاً، فأمّنا مع “أردوغان” اتفاقاً هاماً، كان فيه “أردوغان” ضامناً لهذا الأمن والاستقرار!!!..
معركة إدلب: أيّ سيناريو محتمل؟
-استفاقت الاستخبارات “التركية” على هزيمة كبيرة، مفادها أنّها لم تستطع أن تقدّم هذه الضمانة، نتيجة أنّ فائض العنف الذي تشكّل في “إدلب” لم يكن بكامله تحت سيطرة “أردوغان”، وبالتالي فقد سقطت فكرة إمكانية المقايضة بين “إدلب” وبين العنوان “الكرديّ” في شرق الفرات عند “أردوغان”، كذلك فقد سقطت إمكانية الضغط والتأثير على الرئيس الأسد من خلال هذه الجغرافيا!!!..
-نعم إنّه “فخّ إدلب” الذي منع “أردوغان” من القدرة على الاستثمار فيما اقترفت يداه في سوريّة وتحديداً في “إدلب”، ومنعه من التغوّل في شرق الفرات نتيجة خلافه وتناقضه مع سيّده “الأمريكيّ”، ومنعه من الدفاع عن “إدلب” نتيجة ضياع أهداف استخباراته في مواجهة أهداف استخبارات “سعوديّة وإماراتية”، وانسحاب “إسرائيليّ” لأهدافه الخاصة، إضافة إلى “الأوروبيّ” الذي أضحى، مرغماً، بحاجة إلى طلب ودّ الاستخبارات السوريّة للمساهمة في البحث عن مخارج ضامنة لـ “أوروبا” من فائض العنف في “إدلب” وملحقاتها!!!..
-“فخّ إدلب” يجعل من الرئيس الأسد، ومن سورية، فاعلاً إقليميّاً رئيسيّاً، ويضمن بيئة سقوطٍ مريعٍ لقوى متناحرةٍ من فائض العنف الذي لم يعد قادراً على خدمة أحدٍ من أسياده الذين استعملوه “ثورة” في وجه الرئيس الأسد، وهنا يبدو طبيبُ العيون أكثر قدرة على البصيرة والتبصّر، حتّى ولو اجتمعت عليه أركان الأرض كلّها!!!…