شهادات وارقام من التضليل والخداع الاميركي
عادل الجبوري
واضحة الى حد كبير الرسالة التي انطوت عليها الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الى العراق قبل يومين، فهي جاءت متزامنة مع اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب عن حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية.
ولعل نائب رئيس الوزراء العراقي السابق بهاء الاعرجي، كان الاوضح حينما اعتبر “أن زيارة بومبيو إلى بغداد بمثابة إنذار للعراق لوقوفه مع إيران، والا ما معنى تصريحه، بأننا نريد عراقا مستقلا؟” .
ويضيف الاعرجي في تصريحات له بهذا الشأن “أن الاميركان يعتقدون أن القرار الإيرانيّ هو المسيطر في المشهد السياسي والحكومي العراقي، وهنا نقول إن مطلب بومبيو بأن يكون العراق مع القرارات الأميركية ضد ايران، منافيا لإستقلال العراق الذي يدعو له بومبيو”.
ويقال ان بومبيو سمع كلاما صريحا جدا من رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، عن خطأ السياسات الاميركية في المنطقة، وعدم استعداد العراق للانسياق وراء تلك السياسات، لانها تسببت وتتسبب بالمزيد من المشاكل والازمات في المنطقة، ناهيك عن كونها تتقاطع مع مصالح العراق الوطنية.
ول اشك ان مجيء بومبيو السريع والمفاجىء الى العراق، يعكس قلقا متزايدا من اتساع نطاق الرفض لما تقوم به واشنطن، الى جانب عواقبه الوخيمة، لاسيما بعد اعلان الرئيس الايراني حسن روحاني تراجع بلاده عن الالتزام ببعض بنود الاتفاق النووي بعد عام على تنصل واشنطن منه.
هذا من جانب، ومن جانب اخر، تعمل إدارة ترامب جاهدة على تفكيك عرى العلاقات الوثيقة بين العراق وايران، لانها تدرك انه بدون ذلك، سيبقى جدار الحصار الذي حاولت تطويق ايران به، هشّا ومضطربا، وايلا للسقوط والانهيار في اي وقت.
ولأن واشنطن تدرك صعوبة تغيير مسارات الموقف العراقي ـ بشقيه الرسمي وغير الرسمي ـ حيال إيران لصالحها، فأنها راحت تتسول ذلك بأدوات واساليب ووسائل بعيدة عن السياقات السياسية والدبلوماسية المعمول بها والمتعارف عليها.
ولم يقتصر الامر على ما تحدث به القائم بأعمال السفارة الاميركية في بغداد، وعلى ما نشرته السفارة من تعليقات على حسابها الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك)، خلال الاسابيع القلائل الماضية من اساءات وتجاوزات، وانما دخلت على خط الاساءات والتسقيط وخلط الاوراق وسائل اعلام ومنابر سياسية واكاديمية اميركية، فضلا عن ترامب نفسه.
ففي هذا السياق، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الاميركية مؤخرا تقريرا، ادعت فيه “ان ايران تقود حملة للاستحواذ على موقع المرجع الشيعي الأعلى في العراق، وان هناك زعماء دينيين إيرانيين يتحركون لتوسيع نفوذهم على المؤسسة الإسلامية الشيعية في العراق، بهدف الهيمنة على أكبر تجمع ديني في العراق”.
وقبل ايام قلائل، كشف عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الاميركي السيناتور “ماركو روبيو”، عن وجود خمسين الف عسكري اميركي في العراق، في ذات الوقت الذي زعم فيه بأن “هناك فصائل في العراق تجهز وتدرب بشكل مباشر من الحرس الثوري الايراني، وفي حال قيامهم بهجمات ضد الخمسين الف عسكري اميركي من جنودنا او منشآتنا في العراق، فيجب ان يعتبر ذلك هجوما مباشرا من ايران”.
وفي ذات الوقت تقريبا، تسببت طائرات تابعة لقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية بحرائق ضخمة، أتت على مساحات زراعية واسعة في محيط قاعدة سبايكر بمحافظة صلاح الدين.
ومثلما يقول النائب في البرلمان العراقي عن تحالف “سائرون”، “ما قامت به الطائرات الاميركية من رمي اقراص حرارية على معسكر سبايكر بمحافظة صلاح الدين ليس هو الاعتداء الأول، فقد سبقته عدة اعتداءات على الحشد الشعبي والشرطة الاتحادية وغيرها من مواقع قواتنا الامنية”.
والانكى والاسوأ من كل ذلك، هو المقطع الفيديوي الذي نشره الرئيس الاميركي دونالد ترامب على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، والذي يظهر فيه احد رجال الدين الشيعة ـ او المحسوبين على الشيعة ـ مع الارهابي حارث الضاري، ويستند ترامب الى ذلك المقطع لاتهام الطائفة الشيعية بنشر الفكر الارهابي، مثلها مثل تنظيمي القاعدة و”داعش”.
وكتب وزير الداخلية العراقي الاسبق باقر جبر الزبيدي، معلقا على ما نشره وقاله ترامب، “أستغرب من رئيس دولة عظمى لايعرف من هو أحمد البغدادي وما هو موقفه من (المقاومة) وعلاقته الوثيقة جدا مع حارث الضاري، وكيف شكل البغدادي والضاري وآخرون جبهة ضد الشعب العراقي بعد عام 2003 وقاموا بجولات وزيارات الى السعودية ولبنان ومصر، واستقروا في وسوريا والأردن، وحصلوا على دعم خليجي غير محدود، وأصدروا بيانات تهاجم العملية السياسية بعد 2003، ودور حارث الضاري وكتائب ثورة العشرين في إشعال الحرب الطائفية التي ما زال الشعب العراقي يعاني من آثارها الى يومنا هذا’.
ودعا الزبيدي، ترامب الى أن يطلب من أجهزته الإستخباراتية ان يوضحوا له ان أحمد البغدادي وجبهة الضاري، لا يمثلون الشيعة والسنة، وان يستفسر أيضاً عن تواجد الشيعة على أراضي تحتضن 60% من احتياطي النفط واليورانيوم والزئبق والغاز في العالم، ويشرفون على أهم مضيقين للتجارة العالمية هما هرمز وباب المندب.
والخطوة الاخرى التي قام بها ترامب، تمثلت بالعفو عن جندي اميركي حكم عليه بالسجن لمدة خمسة وعشرين عاما، بسبب قتله مواطنا عراقيا بدم بارد بعد تعريضه للكثير من التعذيب والاذلال.
وقالت رئيسة “حركة ارادة” حنان الفتلاوي، بهذا الشأن، “ان ترامب يدعي محاربة الإرهاب ويعفو عن إرهابي!!، ترامب يصدر عفو خاص عن الجندي الأميركي، مايكل بيهنيا، المحكوم 25 سنة بسبب قتله سجين عراقي عارياً بعد ان جرده من ثيابه عام 2008 في بيجي”.
ولأول وهلة ربما تبدو بعض الوقائع والاحداث المشار اليها انفا، لا تلتقي عند نقطة او نقاط معينة، الا ان التعمق والتدقيق فيها قليلا، يثبت ان واشنطن تتحرك بمسارات متعددة للوصول الى هدف واحد، وهذا الاسلوب بات واضحا، ولم يعد صعب التشخيص على أي متابع.
ومن دون ادنى شك، تقوم الرؤية الاميركية على حقيقة ان ارباك الوضع العراقي، وخلط اوراقه، وايجاد الفتن والخلافات بين أطرافه، يمكن ان يساهم بشكل او باخر بابعاد ـ او ابتعاد ـ العراق عن ايران، لكن مجمل النتائج والمعطيات المتحصلة، تقول ان مراهنات واشنطن على ذلك انتهت الى الخيبة والخسران، ومجيء بومبيو المفاجىء لبغداد يوحي بذلك، والنبرة “التوسلية الاستجدائية” الجديدة في خطاب ترامب حيال ايران، هي الاخرى، لا توحي بذلك فحسب، وانما تؤكده وتثبته.