الشرق الأوسط ومقدّمات الحروب الدولية
أمجد إسماعيل الآغا
الحرب على سوريا وما أنتجته من إعادة ترتيب الإصطفافات وخلق معادلات جديدة، كانت سبباً رئيساً في إدامة هذه الصراعات، والأهم أن الانتصار السوري بجانبيه السياسي والعسكري بات أمراً واقعاً لا يُمكن بأية حال من الأحوال تجاوزه أو تحجيم نتائجه.
بات الشرق الأوسط وفق قواعد النظام الإقليمي الجديد، يُعدّ من أكثر البؤر توتّراً وتفاعلاً على الصعيدين السياسي والعسكري، وعلى ما يبدو أنه سيبقى كذلك في المستقبل المنظور، ففي غمرة الاضطرابات ومشاهد الصراع في المنطقة، تبدو الحروب المفروضة على سوريا واليمن قد أخذت مساراً سياسياً مع إبقاء حال الكباش العسكري مؤثراً وضاغطاً وعاملاً فاعلاً للتأثير على أية خارطة طريق سياسية، بينما تأخذ الصراعات في ليبيا والعراق ولبنان شكلاً آخر من التنافس الإقليمي والدولي، ليظهر بشكل أوسع الشرخ الحاصل في بنية النظام الإقليمي، وربطه مباشرة بديناميكيات سياسية تُفضي إلى إطالة أمد هذه التوتّرات والصراعات، بل وجعلها أكثر عُمقاً، حيث أن هناك العديد من العوامل التي أثّرت في تراتبية المشهد الدموي في الشرق الأوسط، فالحرب على سوريا وما أنتجته من إعادة ترتيب الإصطفافات وخلق معادلات جديدة، كانت سبباً رئيساً في إدامة هذه الصراعات، والأهم أن الانتصار السوري بجانبيه السياسي والعسكري بات أمراً واقعاً لا يُمكن بأية حال من الأحوال تجاوزه أو تحجيم نتائجه، إضافة إلى أن الغزو الأميركي للعراق كان في جزئيّاته مُحرِّضاً على تفعيل التوجهات الإقليمية الجديدة ذات التأثيرات بعيدة المدى، والتي ساهمت في بروز النزاعات المحلية والتي بدورها كانت ركيزة أساسية لبدء المنافسات الإقليمية وارتباطها بالتدخّلات الدولية، ليُصبح المشهد في الشرق الأوسط كارثياً ويُنذر بحربٍ دولية، وفق المساعي الصهيو – أميركية الرامية إلى إنشاء تصدّعات بالجملة في المنطقة.
ضمن هذه المعطيات، كانت سوريا نقطة الارتكاز في العلاقة الروسية الإيرانية، وهنا لا تُقاس العلاقة الروسية الإسرائيلية وتأثيراتها على العلاقة الاستراتيجية التي تجمع روسيا بسوريا وإيران، لكن العمل الأميركي المرتكز على التناقضات الداخلية التي تتواجد في أيّ محور لم يُقوّض السعي الروسي والإيراني على استمرار مواجهة الهيمنة الأميركية في المنطقة، والأمر الذي أزعج واشنطن وإسرائيل على السواء، عدم القدرة على خفض قدرة إيران العسكرية، وكذلك جذب روسيا وإغرائها بالعديد من المكتسبات التي ستجنيها في حال انقلبت وابتعدت عن سوريا وإيران، هذا الأمر دفع واشنطن للتحشيد ضد إيران، هو تحشيد عسكري لكن بمظهر سياسي اقتصادي، فالتلاقح المتبادل بين الرياض وأبو ظبي وتل أبيب وحَّد هاجسهم ورعبهم من إيران، وعليه قد تقفز العلاقة بين هذه العواصم “تل أبيب – الرياض – أبو ظبي” إلى ما هو أبعد من علاقات دبلوماسية، وبالتالي هناك سعي أميركي لبناء حلف عسكري قد يُوجّه ضرباته إلى إيران في توقيتٍ لا يبدو أنه بعيد، فالتأزّم الأميركي الواضح جرّاء السقوط في الكثير من الملفات الإقليمية، قد يُترجم بطريقة هوليوودية، لذلك فإن التعويل الأميركي المستمر على داعش والكرد في سوريا، يحمل رسائل إلى روسيا وإيران وكذلك إلى سوريا، وفي جانب آخر يحتوي على تطمينات أميركية لكل من إسرائيل والسعودية، هذا الأمر يندرج ضمناً في الخطة الأميركية الرامية إلى إحداث مشهد دموي في الشرق الأوسط.
في دراسة نُشِرَت في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط، كتب كل من “الرائد نداف بين حور” هو زميل عسكري زائِر في معهد واشنطن، و”مايكل آيزنشتات” مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن، عن إمكانية وقوع حرب على نطاق لم يسبق لها مثيل من حيث التعقيد والتشابك، واعتمد الكاتبان في دراستهما على نتائج الانتصار السوري وتعاظم قوّة محور المقاومة ككل، هذا الأمر سيؤدّي إلى إحداث توتّرات عبر جهات فاعلة ومن خلال جبهات ونطاقات متعدّدة، فقد قالا “بين حور و آيزنشتات”، ما جاء على لسان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، وربما مع بعض المبالغة، عندما حذّر في حزيران/يونيو 2017 من أنه “إذا شنّت إسرائيل حرباً ضد سوريا أو لبنان، فلا أحد يدري إن كان القتال سيبقى لبنانياً-إسرائيلياً، أو سورياً-إسرائيلياً”، وقد يفسح ذلك الطريق أمام الآلاف، وحتى مئات الآلاف من المقاتلين من جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي للمشاركة”. وبالمثل، صرّح قائد الحرس الثوري الإسلامي الإيراني السابق محمّد علي جعفري في تشرين الثاني/نوفمبر 2017 إن “مصير جبهة المقاومة مترابط والجميع يقفون متّحدين، وإذا هاجمت إسرائيل أي طرف منها، سيهبّ الطرف الآخر من الجبهة لمساعدته”.
وتابع الكاتبان “من المرجّح أن تحدث مثل هذه الحرب نتيجة لتصعيد غير مقصود، في أعقاب إجراء إيراني آخر ضد إسرائيل من سوريا، أو في أعقاب ضربة إسرائيلية في لبنان أو سوريا (على سبيل المثال، ضد منشآت إنتاج الصواريخ). ويمكن أن تبدأ نتيجة لضربة أميركية و/ أو إسرائيلية على برنامج إيران النووي. وقد تحدث حتى نتيجة لصراع يبدأ في الخليج لكنه يصل إلى حدود إسرائيل – ربما نتيجة لتحرّكات إيرانية تحريضية (مثلما حاول صدّام حسين عرقلة الحملة العسكرية الأميركية لطرد القوات العراقية من الكويت عام 1991 بإطلاقه الصواريخ على إسرائيل)”.
وأضاف الكاتبان في سياق متّصل ، أنه يمكن لحرب شمالية جديدة أن تأتي على شكل أحد السيناريوهات التالية:
– حرب لبنان وما يزيد على ذلك. هي حرب بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان، لكن يشارك فيها أيضاً الإيرانيون وآلاف المقاتلين الشيعة الأجانب، وحتى «حماس» (التي أقامت وجوداً عسكرياً محدوداً في جنوب لبنان). وتبقى الجبهة السورية هادئة نسبياً، حيث تقوم إسرائيل هناك بأنشطة محدودة لاعتراض حركة المقاتلين والقدرات إلى داخل لبنان.
– حرب في سوريا. وهي حرب تقع على الأراضي السورية بين القوات الإسرائيلية والقوات الإيرانية، والميليشيات الشيعية (بما فيها مقاتلو «حزب الله») وربما عناصر من الجيش السوري. وتبقى الجبهة اللبنانية هادئةً نسبياً. ولكن، إذا تم انجراف القوات البرية السورية إلى القتال، فقد تتدخّل روسيا لحماية موكّلتها.
– حرب على جبهتين. وهي حرب في لبنان وسوريا بين القوات الإسرائيلية والقوات الإيرانية، و«حزب الله» والميليشيات الشيعية وربما حتى عناصر من الجيش السوري، حيث يعامل كلا الجانبين لبنان وسوريا كمسرح واحد، وموحّد للعمليات.
وتنطوي هذه السيناريوهات الثلاثة على إمكانية التصعيد أو الامتداد إلى جبهات أو مسارح ثانوية، ومشاركة عناصر إضافية على الشكل التالي:
– جبهات/مسارح إضافية. قد تدفع الحرب في لبنان و/أو سوريا إلى قيام: هجمات على إسرائيل من غزّة، أو اضطرابات في الضفة الغربية، أو هجمات إرهابية في إسرائيل؛ أو هجمات من قِبَل الحوثيين على المصالح الإسرائيلية (مثل النقل البحري الإسرائيلي في مضيق باب المندب)، أو ضربات إسرائيلية على أهداف الحوثيين في اليمن؛ أو هجمات صاروخية على إسرائيل من قِبَل المليشيات الشيعية في العراق، وضربات إسرائيلية مضادة. وبالفعل، حذّرت بعض هذه الميليشيات، من أن الضربات الإسرائيلية المضادة يمكن أن تسبّب هجمات على أفراد أميركيين في العراق.
– إسرائيل ضدّ إيران. خلال القتال في سوريا أو لبنان، تهاجم إسرائيل إيران من أجل توجيه ضربة ضد الركيزة الأساسية لائتلاف العدو، وبالتالي التأثير على مسار الحرب. وفي المقابل، تزيد إيران من هجماتها على إسرائيل من سوريا أو لبنان، مصحوبةً بهجمات من أراضيها، وقد يكون ذلك بعد تكبّدها خسائر فادحة في سوريا. كما بإمكان هذه التدابير اتخاذ شكل غارات جوية أو ضربات صاروخية و/أو هجمات إلكترونية مدمّرة ضد الأهداف العسكرية والبنية التحتية الحيوية.
– حربٌ إقليمية؟ إنّه سيناريو مع احتمال ضعيف/ذو تأثير قوي يتحوّل فيه الصراع في المشرق إلى حرب إقليمية تشمل المملكة العربية السعودية وربما الإمارات العربية المتحدة أيضاً. وترد إسرائيل على الهجمات على بنيتها التحتية الحيوية بالضربات الجوية أو الهجمات الإلكترونية على قطاع النفط الإيراني أو حتى منشآتها النووية – مع تشجيع من دول الخليج العربية وربما دعمها اللوجستي. وتقوم إيران بالرد على إسرائيل، لكنها تشنّ أيضاً هجمات صاروخية أو تقوم بعمليات تخريبية أو تشنّ هجمات إلكترونية على منشآت النفط العربية في جميع أنحاء الخليج، ما يؤدي إلى حدوث تصعيد هناك، وربما حتى إلى تدخل عسكري من قِبَل الولايات المتحدة.
ضمن تعقيدات المشهد السابق، هناك ثنائيات متنافسة تلعب دوراً بارزاً في تشكيل بوابة قد تُدخل الشرق الأوسط في حروب دولية، حيث أن ثنائيات السعودية إيران، وإسرائيل إيران، والولايات المتحدة إيران، والولايات المتحدة روسيا، تزيد من احتماليات التوتّر، وبالتالي من الصعب حل أيّ صراع إقليمي أو دولي، الأمر الذي ستكون له تداعيات تُصيب التوازن الإقليمي وكذلك الدولي بالتصدّع، وعليه فإن المصالحة بين هذه الثنائيات المتنافسة لا تبدو ممكنة في القادم من الأيام، لكن المنافسة الحتمية قد تأخذ شكلاً أقل فتكاً لمعرفة القوى العظمى أن أي تدحرج عسكري قد لا يمكن احتواؤه، خاصة أن الزخم الهجومي الذي أنتجه انتصار سوريا ومحورها أسّس لما هو أبعد من قدرة واشنطن وإسرائيل والسعودية على الإحاطة به، فضلاً عن حال الردع التي أنتجها محور المقاومة والحليف الروسي، لكن هذا لا ينفي السعي الأميركي لإحداث دمار في أقصى صورة ممكنة، وبناء على التوجّه الأميركي سيستمر التوتّر في الشرق الأوسط، لكن الهدف الحالي والأقرب إلى التحقيق، هو دعم الفاعليين الإقليميين والدوليين لتقليص احتمالات أية مواجهة أو صراع على المستوى الإقليمي”.
الميادين