السيناريو العراقي في التحشيد الأميركي ضد ايران
سامي كليب:
لم تُثبت أي منظمة أو مؤسسة أو وكالة دولية حتى الآن أن إيران تريد تصنيع قنبلة نووية. فما أن اتهمت إسرائيل طهران في العام الماضي بتطوير “برنامج سري” للحصول على السلاح النووي، حتى سارعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الى نشر بيان يُكذّب إسرائيل وينفي وجود “أي مؤشر له مصداقية عن أنشطة إيرانية لها علاقة بتطوير قنبلة نووية منذ العالم ٢٠٠٩”.
لذلك نلاحظ منذ سنوات، أن التركيز صار على صواريخ إيران الاستراتيجية وعلى دورها في الاقليم وعلى أنشطة تنظيمات تدور في فلكها ويتهمها الغرب وبعض العرب ب “الإرهابية “.
تشبه الدعاية الأميركية الإسرائيلية بشأن القنبلة النووية الايرانية، تلك التي انتشرت كالنار في الهشيم من قِبَل أميركا وبريطانيا قبل اجتياح العراق، فآنذاك روّجت الآلة الدعائية أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل تهدد العالم، وأن الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين، يتعامل مع القاعدة. وما أن تم تدمير العراق وقتل مليون ونصف بينهم نصف مليون طفل من أبنائه، حتى اعترف مسؤولو الدولتين بالخطأ وبان معلومات الاستخبارات كانت كاذبة.
من يقرأ الكتب والوثائق الكثيرة (الغربية طبعا لأن العرب نائمون) حول خفايا اجتياح العراق، يُصاب بالذهول حيال التواطؤ العربي المخجل في تدمير بلد عريق. (انصحكم مثلا بقراءة كتاب كاتب التحقيقات الأميركي الشهير بوب ودوور بعنوان ” خطة الهجوم”). لكن هذا لا يعفي مطلقا الخطيئة القاتلة التي ارتكبها صدام حسين باحتلال بلد عربي شقيق وجار وصغير هي الكويت مهما تم تبرير أسباب فعلته.
حين اتُخذ القرار باحتلال العراق، تحركت آلة كاملة أمنية واستخباراتية ودبلوماسية وإعلامية للتمهيد لذلك منذ الهجوم الإرهابي على برجي التجارة العالميين في نيويورك في أيلول/ سبتمبر٢٠٠١ (رغم ان العراق لم تكن له أي علاقة بذلك). وهو ما حصل أيضا قبيل تقسيم السودان. فنقرأ أولا في الصحف تحقيقات بمعلومات استخبارية مسرّبة، ثم يتبنى المعلومات فريق من صقور الكونغرس، يصار في الوقت نفسه الى التحشيد العسكري، ثم يتم تهييج الرأي العام الغربي، فيُفرش السجاد أمام سيد البيت الأبيض لاتخاذ قرارات. وغالبا ما ندفع نحن العرب (فقط نحن) الثمن غاليا.
لاحظوا ماذا يحصل الآن مع إيران. ها هي صحيفة وول ستريت جورنال تقول:” إن تهديدات إيرانية كانت تستهدف القوات الأميركية في العراق وسوريا واليمن عبر جماعات مسلحة موالية، إلى جانب هجمات على مصالح أميركية في الخليج باستخدام طائرات مسيرة” وان التهديدات هذه كانت تشمل شن هجمات منسقة في باب المندب وربما مضيق هرمز. نحن إذا في مرحلة الحكم على النوايا من خلال تسريبات استخبارية.
ثم دخل على الخط وزير الدفاع الأميركي بالوكالة بات شانهان ليدعو ايران ل :” الكف عن الاستفزازات ” مهددا بأن بلاده ستحمّلها مسؤولية أي هجوم على القوات الأميركية ومصالح أميركا” . هنا يقدم إذا وزير الدفاع بلاده في موقع الضحية.
ثم ينضم الصقر، وزير الخارجية مايك بومبيو الى الجوقة، ليحكم على النوايا لا الأفعال فيقول ان واشنطن ” لاحظت أنشطة إيرانية تشير الى احتمال (احتمال) وقوع تصعيد” ويبرر مع وزير الدفاع سبب ارسال حاملات الطائرات والاساطيل وغيرها الى الخليج. وما أحجم عنه، أكمله مسؤول أميركي ل سي أن أن قال ان التهديدات الاميركية كانت موجهة ضد القوات البحرية والبرية الأميركية في المنطقة (ما يعني ان إيران الدولة العظمى ستحتل بعد قليل أميركا نفسها ههه).
فرش كل ذلك السجاد الأحمر للصقر الآخر في إدارة ترامب مستشاره للأمن القومي جون بولتن (الذي لنا من ذكراه الطيبة آلاف الضحايا في العراق)، ليقول ان ارسال حاملة الطائرات الأميركية الى المنطقة يأتي في سياق الرد على ” مؤشرات التصعيد المقلقة والتحذيرات ” (لاحظوا كلمة مؤشرات وليس معلومات).
هل كل ذلك إذا تمهيد لحرب حتمية؟
الرئيس ترامب نفسه يقول انه لا يريد الحرب وانما التفاوض. وإيران ترد عليه قائلة لا نريد التفاوض ولن تجرؤ على الحرب.
أعتقد أن الطرفين يعرفان تماما ما يفعلان. الاثنان يدركان ان تكاليف أي حرب ستكون كارثية.
أنا شخصيا أكرر أن لا احد يريد الحرب، فالموقف الروسي الصيني من القرار الدولي بشأن ادلب أمس، والرسوم التي يفرضها ترامب على منتجات الصين والتي تكاد تصل الى ٣٥٠ مليار دولار، وعودة كوريا الشمالية الى اطلاق التجارب الصاروخية مع عودة التوتر الكوري مع واشنطن رغم آمال التفاوض، وغيرها من المآزق الدولية، تشير الى أنه لن يكون في مصلحة ترامب المغامرة في حرب ضد ايران، تماما كما أن ليس لطهران أي مصلحة في المواجهة.
الحرب تتطلب ارسال مئات الآف القوات البرية، وهذا لم نشهده حتى الآن، لذلك فأقصى ما يمكن انتظاره هي احتكاكات عسكرية قابلة للضبط، بانتظار فَرَج التفاوض، أو تصعيد كلامي كبير، يسبق الانفراج كما حصل مع كوريا الشمالية.
القلق فقط يأتي من الجانب الإسرائيلي ومن بعض صقور الإدارة ونزعاتهم التبشيرية، فهؤلاء لن يضيرهم تورط الجميع في حرب، مهما كانت النتائج. ولذلك لا يمكن الاطمئنان كثيرا والقول ان الحرب حتما لن تقع.
المهم ان لا ينساق العرب كمرتزقة الحروب في مواجهة ليس لهم مصلحة لا في تصعيدها ولا في مفاوضاتها، لكي لا نكرر ما حصل معنا في سايكس بيكو بعد النخوة العربية (هه) مع الحلفاء. آنذاك وعدونا كثيرا لنقاتل الى جانبهم، ثم ضحكوا علينا بعد الحرب.
أما ايران فعليها أن تعيد قراءة دورها في المنطقة العربية، وتسعى بكل ما تستطيع الى فتح مفاوضات جدية مع جيرانها ومع الدول العربية الأخرى من مصر حتى المغرب، لصياغة مرحلة جديدة تؤدي الى قيام تعاون إقليمي بدل كل هذا الاحتقان عديم الفائدة للجميع.