بين طبول الحرب ورنين الهاتف
رفعت إبراهيم البدوي
يبدو أن الإدارة الأميركية باتت تفتقر للدبلوماسية الموضوعية التي تبرر ممارساتها القمعية المتلطية خلف عقوبات ظالمة وخانقة تفرضها على الدول التي لا تتماهى والسياسة الأميركية الصهيونية بهدف إخضاعها فقررت استحضار سيناريو مبررات شن الحرب الأميركية على العراق مع اختلاف الأسباب والجغرافيا.
ففي شهر أيار من العام 2003 جاء الغزو الأميركي للعراق بتواطؤ وبتشجيع من دول الخليج العربي، ذلك بعد ترويج إعلامي أميركي ضخم وتمهيد دبلوماسي لإقناع العالم بامتلاك العراق لسلاح الدمار الشامل الأمر الذي يهدد الأمن والسلم في المنطقة والعالم.
وتحت هذا العنوان وبدعم عربي خليجي تم الاجتياح الأميركي للعراق بحثاً عن سلاح الدمار الشامل ليتبين لنا فيما بعد أن مبررات الإدارة الأميركية كانت عبارة عن كذبة أميركية كبرى لتغطية اجتياح العراق ثم تأتي شهادة وزير خارجية أميركا آنذاك كولن باول أمام الأمم المتحدة لتدحض كل المزاعم والدعاية الأميركية بامتلاك العراق لسلاح الدمار الشامل بعدما أقر باول بعدم العثور على أي شيء من هذا القبيل وأن كل ما سيق في هذا الصدد هو مجرد كذبة أميركية لتبرير اجتياحنا للعراق ويضيف باول: إن اجتياح العراق نقطة سوداء في تاريخ أميركا.
الحقيقة أردت الإضاءة على تلك الحقبة لمقارنتها مع ما يجري اليوم من ضخ إعلامي عربي خليجي وأميركي موجة ضد إيران وضد دورها في المنطقة مترافقاً مع حشد عسكري غير مسبوق بين إيران والولايات المتحدة في مياه الخليج ينذر بقرب وقوع مواجهة عسكرية مسرحها هذه المرة المضائق والممرات التي تؤمن مرور سفن البترول للعالم.
اللافت في هذه المقاربة هو الموقف الإسرائيلي المتطابق بالتكافل والتضامن مع موقف دول الخليج العربي تماماً كما كان المشهد العربي المؤيد إبان الغزو الأميركي للعراق وهو الموقف العربي نفسه اليوم لكن مع فارق الجغرافيا الداعم لشن حرب أميركية على إيران بهدف تقليم أظفارها في المنطقة وهو الموقف نفسه المعلن من صقور أميركا جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي ومايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي والبنتاغون المتمثل بالحكومة العميقة بأميركا.
نذر الحرب بين إيران وأميركا تروج له وسائل الإعلام الأميركية والعربية والإسرائيلية وبعض المحللين والباحثين المدفوعي الأجر المسبق بالإعلان عن قرب انفجار الوضع العسكري في المنطقة بشكل سيجعل من إيران دولة هالكة مفلسة، حينها يسهل تقليص دورها فتكون دولة طيعة.
السؤال هل تقع المواجهة بين إيران وتحالف أميركا وإسرائيل ودول الخليج العربي لتهلك إيران كما يشتهون؟
وفي استعراض متأن للمواقف يتبين لنا التالي:
الرئيس الأميركي قال إنه لا يريد الحرب وهو يمد يده للتفاوض مع الإيرانيين وأضاف لقد أرسلت لهم رقم هاتفي وأنا بانتظار اتصالهم.
الرد الإيراني جاء سريعاً على لسان مساعد وزير الخارجية الإيراني السيد عباس عرقجي رافضاً الاتصال على هاتف ترامب مضيفاً إذا رغب ترامب بذلك فهو لديه أرقامنا.
إيران ردت الصاع وتعاملت مع أميركا بشكل ندي وليس بشكل متهالك بمعنى آخر إخفاق مفاعيل كل الضغوط الاقتصادية وحتى العسكرية على إيران.
وزير الخارجية الأميركي قال سنضغط على إيران حتى نراهم على طاولة المفاوضات من جديد.
الرد الإيراني أيضاً جاء سريعاً حيث قال إن إيران لا تفاوض الأميركي تحت الضغط وإن إيران لن تكون المبادرة لشن حرب في المنطقة.
وهنا يبرز السؤال ألم يكن الموقف الأميركي مع كوريا الديمقراطية قريب من نشوب حرب بين الدولتين لنفاجأ صبيحة يوم آخر باتصال هاتفي من ترامب بالزعيم الكوري ثم الاتفاق على قمة بين كيم جونغ أون والرئيس الأميركي دونالد ترامب؟
وما الذي يمنع تكرار السيناريو الكوري نفسه لينسحب أيضاً بين الإيراني والأميركي؟
لا ندعي المعرفة بيد أن معلومات تفيد أن اتصالات غير مباشره بين أميركا وإيران تديرها بسرية تامة دولة قطر بدل سلطنة عمان التي سبق لها أن استضافت محادثات سرية بين إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وبين إيران أسفرت عن الاتفاق النووي المعروف باتفاق 5+1.
إذاً القنوات الخلفية بين إيران وبين ترامب مسرحها دولة قطر التي تدير نقل الرسائل بين الطرفين بعناية فائقة وهذا ما يفسر سرعة إعلان إيران عن استنكارها ورفضها لإدراج تنظيم الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب.
طبول الحرب يعلو صوتها فوق مياه الخليج لكن تأثير ضجيج الطبول يتردد صداه في غرف القنوات الخلفية حيث المفاوضات لتحسين أوراق كل طرف.
وفي استعراض لأوراق القوة لكل طرف وإمكانات المواجهة يتبين لنا التالي:
شخصياً كتبت سابقاً أن لا حرب أميركية إيرانية لأن لا أحد يريد الحرب، فأميركا أصيبت بانتكاسة في فنزويلا بعد إخفاق انقلاب قاده بولتون، أصاب الإدارة الأميركية بانفصام عمودي وربما نشهد استقالة أو إقالة بولتون قريباً بعد توريط الرئيس ترامب بهذا الفشل إضافة إلى الموقف الروسي الصيني من القرار الدولي بشأن إدلب والرسوم التي يفرضها ترامب على منتجات الصين، التي تكاد تصل إلى 350 مليار دولار، وعودة كوريا الديمقراطية إلى إطلاق التجارب الصاروخية إضافة إلى زيارة بومبيو الأخيرة للعراق نظراً لإدراك أميركا أنه وفي حال نشوب حرب على إيران فإن 5000 جندي أميركي موجودين بقاعدة عين الأسد في العراق سيكونون هدفاً سهلاً لإيران وأذرعها في محور المقاومة إضافة للعديد من المآزق الداخلية والدولية، ما يشير إلى أنه لن يكون في مصلحة ترامب المغامرة في حرب على إيران، في مقابل عدم وجود رغبة إيرانية باندلاع حرب أيضاً، لذلك أرجح شخصياً كفة التفاوض على كفة الحرب، لكن التفاوض على ماذا؟
1- أميركا تريد إعادة صياغة الاتفاق النووي الإيراني بشروط أميركية جديدة تؤمن لترامب وشركاته الحصة الوازنة الأولى من الاتفاق.
2- أميركا تريد مساومة إيران بغض الطرف عن صفقة القرن والامتناع عن دعم المقاومة في غزة ولبنان وسورية وذلك لإضعاف محور المقاومة ضماناً لأمن العدو الإسرائيلي.
في المقابل:
1- إيران تدرك أن سيناريو الحرب على العراق لا يمكن تطبيقه على إيران لأن المناخ الدولي اختلف مع بروز موقف روسي صيني داعم.
2- إيران وبعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي باتت تتعامل مع الاتفاق وكأنه أصبح لزوم ما لا يلزم وخلف ظهرها، وبدورها أعطت أوروبا فرصة 60 يوماً للبدء بالتخفيف من التزامها بالاتفاق ولو لم يعجب أوروبا.
3- إيران لو خيرت بين عودة أميركا للاتفاق النووي وإزالة العقوبات وبين صفقة القرن وعدم دعم قوى محور المقاومة في غزه ولبنان وسورية فإن إيران ستختار الاستمرار بدعم محور المقاومة مع استمرار العقوبات لأن صفقة القرن لا تستهدف القضاء على القضية الفلسطينية فحسب إنما صفقة القرن تستهدف إعادة رسم جغرافيا المنطقة برمتها وتوزيع شعوبها من جديد وذلك في مشهد مماثل لما حصل مع فلسطين 1948، وبالتالي فإن إيران لن تكون استثناء في صفقة القرن.
تبقى الإشارة إلى ماهية الموقف العربي الخليجي المتخاذل في حال قرر ترامب تكرار السيناريو الكوري والاتصال بالشيخ حسن روحاني وهذا متوقع.
إن ما بدر من الطرفين بعد ممارسة دبلوماسية أرقام الهاتف لهو دليل واضح على رغبة الطرفين بالتفاوض، وإلى حين خروج التفاوض من القنوات الخلفية تستمر طهران بصمودها وثباتها بانتظار سماع رنين اتصال هاتفي من المكتب البيضاوي في البيت الأبيض.
الوطن