الأربعاء , ديسمبر 4 2024
شام تايمز

Notice: Trying to get property 'post_excerpt' of non-object in /home/shaamtimes/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

ترامب ومصيدة «الضفدع»

شام تايمز

ترامب ومصيدة «الضفدع»

شام تايمز

علي نزار الآغا

شام تايمز

إذا وضعت ضفدعاً أخضر صغيراً في وعاء ماء، ثم رفعته إلى النار ليسخن بالتدريج، فإن الضفدع يسبح في الماء بشكل اعتيادي، ومع ارتفاع درجة الحرارة تدريجياً، يتكيف الضفدع على مهل مع الماء الساخن، وعندما يغلي الماء، يموت الضفدع، أما إذا وضعت الماء على النار أولاً، وبعد وصوله إلى درجة الغليان رميت الضفدع في الوعاء، فإنه سيقفز مباشرة محاولاً النجاة، وغالباً ما ينجح بذلك.
ذلك هو مبدأ الضفدع الأخضر الصغير في الاقتصاد السياسي الدولي الذي استخدمه الكاتب الأميركي جيروم كورسي في كتابه ذائع الصيت (أميركا للبيع) لشرح كيف حوّلت الأزمات الاقتصادية الولايات المتحدة الأميركية بسلاسة من كيان ذي سيادة، إلى اقتصاد دولي النطاق ونظام حوكمة عالمي، بمعنى أن أميركا دفعت في نظام العولمة كما الضفدع في الماء البارد، لتلقى النهاية نفسها مع الازدياد التدريجي لدرجات الحرارة بفعل الأزمات الاقتصادية.
يبدو أن كورسي، الذي يعدّ من أشد المنظّرين الأميركيين تطرفاً في نظرية المؤامرة، قد وجد ضالته في الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى درجة أنه قال في أحد لقاءاته إن «يد اللـه فوق ترامب»، فاتحاً بذلك باب الهجوم عليه، على مصراعيه، خاصة بعد نشر كتابه الأخير في آذار العام الماضي (2018)، الذي كرّسه للدفاع عن ترامب، في وقت تنخفض فيه شعبيته لدرجات كبيرة، إذ اختار عنواناً لا يقل استفزازاً للشارع الأميركي من عناوينه السابقة: (قتل الدولة العميقة: الكفاح لإنقاذ الرئيس ترامب).
بحسب كورسي، أن ترامب هو المخلص الذي سوف يسحب أميركا (الضفدع الأخضر الصغير) من وعاء الماء الذي بدأ يغلي، ومعالم ذلك تبدو واضحة من خلال إجراءات ترامب الاقتصادية على الساحة الدولية (Trumponomics) التي وصفت بالعدائية، إلى درجة اتخاذها طابع الإعلان لحرب تجارية، على ساحة الاقتصاد السياسي الدولي، خاصة مع اتساع نطاق السياسة الحمائية، بعد إلغاء اتفاقية التعاون عبر الأطلسي (TPP)، واحتدام مناقشات الانسحاب من اتفاق (NAFTA) مع كندا والمكسيك، علماً بأن تلك الإجراءات توافقت حرفياً، مع بعض خطط كورسي، الهادفة لإنقاذ أميركا.
لكن، في حال كان ترامب يسير بالولايات المتحدة في الطريق الذي يكشفه كورسي أمامه، تماماً، فهذا يعني أننا لم نر شيئاً بعد، إذ إن القادم أعظم على ساحة الاقتصاد السياسي الدولي، المتوترة، وذلك على مبدأ المثل الشعبي المعروف «أول الرقص حنجلة»، مما يعني زيادة الضغوط داخل أميركا وخارجها على ترامب، وهو ما يفتح سيناريوهات لكبح جماحه، وترويضه، أو ربما التخلص منه؛ على أقصى درجات الخيال، وربما يعيد التاريخ نفسه، بتدبير فضيحة جنسية، مثل الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وهي ورقة يتم التلويح فيها حالياً، أو قد يلقى ترامب نصيب الرئيس الأسبق جون كينيدي، بالاغتيال، خاصةً وأن القاسم المشترك بين الرئيسين هو الميل لنظريات المؤامرة، ودعم أتباعها، أو قد نكون أمام سيناريو جديد مختلف كلياً، عما سبق، بإخضاع ترامب كلياً لإرادة الدولة العميقة.. إذاً، ما الخطوات التي لم يخطها ترامب بعد، وفقاً لدليل إرشادات جيروم كورسي لإنقاذ البلاد، كما وردت بالتفصيل في كتاب أميركا للبيع؟
صمّم كورسي خطة من خمسة بنود لإنقاذ أميركا، بعنوان «خطة النقاط الخمس للقول لا للاتفاق العالمي الجديد» تضمنت إغلاق الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي)، والانسحاب من اتفاقيات التجارة الحرة لشمال أميركا (NAFTA)، ولوسط أميركا (CAFTA) والانسحاب من منظمة التجارة العالمية، وإغلاق الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وخفض الضرائب، واعتماد الدولار الأميركي المغطى بالذهب في التجارة الدولية.
بالترافق مع ذلك، حدّد كورسي سبع إستراتيجيات للإنقاذ الاقتصادي، تضمنت لمّ شمل الأسر، والاعتماد على المدن والمجتمعات الصغيرة لتنمية الاقتصاد المحلي، ووضع خطة لوظائف الدرجة الثانية والثالثة، وتفادي الاستثمار في الأسهم والسندات، والاستثمار في العقارات، وتقليص الدين، وشراء الذهب.
في ضوء تلك الخطط الجريئة جداً، هل سيمضي ترامب في «حربه» ضد الدولة العميقة، بمساندة أتباع نظرية المؤامرة، لينتقل بعد الحرب التجارية إلى حرب العملات، بإنهاء واقع الدولار بكونه العملة العالمية الأولى، والعمل على ربطه بالذهب، بالترافق مع خطوات لإنهاء دور مؤسسات بريتون وودز (صندوق النقد الدولي- البنك الدولي) وصولاً إلى تهميش دور الأمم المتحدة كما حدث قبل فترة قصيرة بعد قراره المشين بالاعتراف بـ«سيادة إسرائيل» على الجولان السوري المحتل، خلافاً لقرار الأمم المتحدة عام 1981 الذي أقرّ بأن الجولان أرض محتلة؟ أم سيخضع للضغوط المتزايدة عائداً إلى حضن الدولة العميقة؟ وخاصة أن الفضائح الجنسية كانت الأكثر تهديداً له.
من الواضح أن مبدأ الضفدع الصغير الأخضر في الاقتصاد السياسي الدولي تحوّل إلى مصيدة، علق فيها ترامب، ولو عن غير وعي بها، فلا هو قادر على انتشال الضفدع (أميركا) من مياه الأحداث العالمية الساخنة، ولا هو قادر على إبقاء الحال كما كان عليه قبل دخوله البيت الأبيض، بل قام برفع درجات الحرارة تحت وعاء الماء ليسرّع في إيذاء الضفدع.
الوطن

شام تايمز
شام تايمز