على ضفاف الحرب
محمد عبيد
كثرت التسريبات الأميركية الاستخباراتية المقصودة في الآونة الأخيرة حول جنوح الرئيس الأميركي دونالد ترامب باتجاه القيام بعمل عسكري ما ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.. بالطبع هو أمر تتمناه وتحرض عليه وتعمل لحصوله أطراف عديدة في فريق الإدارة الأميركية وفي مقدمهم صهر ترامب ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط جاريد كوشنر ومستشاره للأمن القومي جون بولتون، إضافة إلى حليفهما رئيس حكومة كيان العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأصدقائه الجدد في النظامين الإماراتي والسعودي.
وهي أيضاً فرصة يعتقد هؤلاء أنه لا يجب تفويتها لأنه قد يستحيل تكرارها. إذ يندر أن يجتمع مثل هذا الثلاثي الأميركي-الإسرائيلي- العربي في وقت واحد وحول قضية واحدة هي التخلص من إيران وتباعاً دول وقوى محور المقاومة تمهيداً للتخلص من موضوع الصراع المركزي في المنطقة وهو فلسطين، بحيث يسود بعدها الأميركي راعياً والإسرائيلي حامياً وبعض ملوك وأمراء العرب أسياداً على الأمة وعبيداً عند الراعي والحامي.
كذلك يعتقدون أن المدة الزمنية المقبلة التي تفصلنا عن موعد انتخابات الرئاسة الأميركية في شهر تشرين الثاني من العام 2020 والتي من المفترض أن تزخر بالمتغيرات السياسية والعسكرية النوعية، يجب أن ترسم خريطة جديدة للتوازنات الدولية انطلاقاً من المنطقة بعد إنهاء كل الوقائع التي رسخها محور المقاومة في لبنان وسورية واليمن والعراق وفلسطين، ولا إمكانية لتحقيق ذلك كله من دون تطويع إيران من خلال توجيه ضربة ساحقة وسريعة لها.
لاشك أن واقع البلدان العربية وخصوصاً منها المواجِهة التي دمرها «الربيع» المزعوم، سمح للأنظمة الرجعية في الخليج أن تقدم نفسها على أنها تمتلك حق التصرف بالقضية العربية المركزية: فلسطين، وبالتالي تهيئة المناخات اللازمة للانتقال من حالة العداء مع الكيان الإسرائيلي إلى تطبيعٍ تدريجي علني يؤدي إلى الأهداف التي اصطُنِعَ من أجلها ذلك الربيع: خلط أوراق المنطقة بعد تعميم الفوضى، وبموازاة ذلك إعادة تحريك العداء الكامن لديها ضد إيران.
الآن بدأت تقترب مواعيد الاستحقاقات وتكثر معها الأسئلة، هل يملك الأميركي القدرة على تطويع أعدائه وأخصامه ومعارضيه في المنطقة؟ وهل سيتمكن الإسرائيلي من التسلل خلف الأميركي لينال من محور المقاومة وبالأخص منه إيران؟ وهل ستستطيع أنظمة الخليج تحمل تبعات مواجهة ولو جزئية قد تكون أراضي بلدانها بعض مسرحها؟
قد تصعب الإجابة عن هذه الأسئلة بدقة، ولكن الصراخ الأميركي يعلو على ألسنة بولتون وبوق الإدارة الأميركية وزير خارجيتها مايك بومبيو حول الاستفزازات الإيرانية المزعومة والتهديدات التي تمثلها طهران والتي لا تستند إلى أي وقائع أو حتى معلومات استخباراتية لا تسمح في المدى المنظور ببدء حربٍ أو مواجهةٍ، كما أنها لم تفلح حتى الآن في استدراج إيران. فالتوقيت أساس واختيار ساحة المواجهة أهم، كذلك فإن تحديد نوع هذه المواجهة وتبعاتها لجهة حسابات الربح والربح فقط بالنسبة لمحور المقاومة يتقدم على كل ما عداه.
تعلم مواقع القرار في وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA أن التورط بحرب ضد إيران وحلفائها أو حتى بضربة خاطفة لن تنجو منه القوات الأميركية المحتلة للكثير من الموانئ والأراضي في غير بلد عربي، وهو أمر قد لا يرغب بحصوله الرئيس الأميركي كي لا يكون مضطراً إلى استقبال النعوش المحمولة على أرض مطار واشنطن، لأنه يأمل أن تؤتي العقوبات الاقتصادية والمالية ثمارها سريعاً، وفي حال فشلها سيبحث ربما عن وسيط أو وسطاء وهم كُثُر يعيدون وصل ما انقطع مع طهران بعد إلغائه من جانب واحد التزام بلاده بالاتفاق النووي.
في الماضي كان قرع الطبول في المقدمة يعتبر إيذاناً ببدء المواجهة بين الجيوش المتقابلة في ساحات القتال، اليوم باتت التصريحات السياسية والإعلامية بديلاً، لكن لم تعد هناك من حاجة لتَقَابُل الجيوش في المواجهات والحروب، بل هناك حتماً بدائل عنها يمكن أن تؤدي الغرض ذاته. فالرد على التحدي بتحدٍ أقسى وأقوى ورفع حالة الاستنفار لإسقاط مفاعيل الاستعراضات العسكرية إضافة إلى ضبط إيقاع الحركة العسكرية تبعاً للحراك السياسي، كل ذلك يشكل رادعاً استباقياً يمكن أن يجنب الأميركي وأتباعه الخوض في تجربة قد يصح له رسم بداياتها ولكن من المؤكد أنه لن يتمكن من ضبط نهايتها ولا حتى حدود ساحاتها، وقد يكون ربط النزاع بين طهران وواشنطن أحد الاحتمالات التي تُبقي كل منهما على سلاحه من دون أن يستعمله.
الوطن