درس سوري في الشؤون الخارجية الأمريكية
ترجمة: د. محمد عبده الإبراهيم
الناشر: مركز أبحاث الدبلوماسية المعاصرة الأوروبي moderndiplomacy.eu
الكاتب: مايكل جوديير
التاريخ: 11 أيار/مايو 2019
أَمَرَ الرئيس ترامب في 19 كانون الأول/ديسمبر 2018، بسحب جميع القوات الأمريكية من سورية. وفي حين أنَّ الانسحاب الكامل لم يتحقق بعد، فإنَّ هذه الخطوة تنطوي على عواقب على حلفاء الولايات المتحدة، وتؤدي إلى تحوّل في ميزان القوى في سورية.
يقدّم قرار ترامب هذا وما تلاه درساً قيِّماً للبلدان في جميع أنحاء العالم في السياسة الخارجية الأمريكية. في حين أن تداعيات السياسة الخارجية على ترك الحلفاء المحليين وحدهم سوف تلطخ سمعة الولايات المتحدة، فإنَّ إدارة ترامب مقيدة بالإطار القانوني داخل الولايات المتحدة في ما يتعلق بالشؤون الخارجية. إنَّ القانون الداخليّ ملزم للبلدين، وهو عامل ضروري للنظر في الدبلوماسية. إذا أرادت الدول أن تتنبأ بكيفية تصرف جيش الولايات المتحدة في المستقبل ، فمن الضروري فهم هذه القيود القانونية المحلية.
الوضع الراهن في سورية
دخلت القوات الأمريكية سورية في أيلول/سبتمبر 2014 بحجة إيقاف تنظيم “داعش” في العراق وسورية الذي سيطرَ في عام 2015، انطلاقاً من عاصمته في الرقة، على ما يقرب من نصفِ سورية وجزءٍ كبيرٍ من شمال العراق، بما في ذلك العاصمة الإقليمية للموصل.
أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الروسي فلاديمير بوتين النصر على “داعش” في تشرين الثان/نوفمبر 2017. وكذلك أعلن ترامب، إلى جانب إعلانه الانسحاب من سورية، عن هزيمة “داعش”.
القانون ملزم
يمنع سقوط “داعش” قانونيّاً بقاء الجيش الأمريكيّ في سورية. من بين اعتبارات أخرى، نظرت إدارة ترامب بلا شك في تفويضها المحليّ للبقاء في سورية. وبموجب قرار “سلطات الحرب” لعام 1973، فإنَّ سلطة الرئيس للدخول في القتال محدودة، وتتضمن عدداً من متطلبات إعداد تقارير الكونغرس، بالإضافة إلى حدود زمنية بشأن المدة التي يمكن أن تظل القوات الأمريكية ملتزمة بها في الخارج. يُعَدّ قرار “سلطات الحرب” عائقاً قوياً أمام قدرة الولايات المتحدة على الانخراط في عمل عسكريّ في الخارج.
أصدر الكونغرس قرار “سلطات الحرب” في عام 1973، بعد سلسلة من العمليات العسكرية الأمريكية التي لا تحظى بشعبية. كانت الولايات المتحدة تنهي مشاركتها الطويلة والمكلفة وغير المجدية في حرب فيتنام في ذلك العام، في أعقاب معارضة شعبية قوية للحرب. في الوقت نفسه، انخرطت الولايات المتحدة أيضاً في عمليات عسكرية في كمبوديا قبل سنوات قليلة فقط. كان قرار “سلطات الحرب” استجابة إلى حدٍّ كبير لإساءة استخدام السلطة من جانب إدارتي جونسون ونيكسون. رغم استخدام الرئيس ريتشارد نيكسون حقَّ النقض لقرار “سلطات الحرب”، ألغى الكونغرس الأمريكي حقّ النقض الذي أصدره نيكسون وأصدر القانون الذي ظل جزءاً أساساً من الكيفية التي تشنّ بها الولايات المتحدة الحرب بشكل قانوني.
إنَّ الاستثناء الوحيد لقرار “سلطات الحرب” هو عندما يمنح الكونغرس الإذن بالتصرف. سمح ترخيص عام 2001 لاستخدام القوة العسكرية (AUMF) للولايات المتحدة بمحاربة أي شخص كان جزءاً من الجماعات التي نفذت هجمات 11 أيلول/سبتمبر الإرهابية أو دعمها بشكل كبير، أي تنظيم القاعدة وحركة طالبان. هذا، وبحسبانه فرعاً من تنظيم القاعدة، فقد سقط “داعش” في نطاق AUMF. ومع ذلك، بحلول عام 2018، مع النصر المعلن على “داعش”، لم يعدْ لهذا التبرير أي معنى.
قام مكتب المستشار القانوني لإدارة أوباما(OLC) بتطوير إطار قانوني في عام 2011، للمشاركة في العمليات العسكرية خارج الولايات المتحدة دون موافقة الكونغرس إذا كان ذلك من أجل “مصلحة وطنية” أمريكية، وإذا لم تشكل العمليّة حرباً، ما يعني أن العملية كانت محدودةً في الطبيعة والنطاق والمدّة. تم دعم الحلفاء الداعمين كمصلحة وطنية في رأي OLC لعام 2014 الذي بررت فيه إدارة أوباما الأنشطة الأمريكية ضد “داعش” لدعم العراق، حليف الولايات المتحدة. ومع ذلك، كان خطر الارتفاع المتوقع إلى مستوى الحرب في ذلك الوقت منخفضاً. واليوم، فإنَّ أيَّ دعم عسكريّ إضافيّ لقسد “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية في سورية، من شأنه أن يخاطر بحرب أوسع في المنطقة، يحتمل أن يكون مع القوى العسكريّة الخطيرة، روسيا وإيران وتركيا. وفي حين أن دعم الحليف قد يكون مصلحة وطنية لواشنطن، فإنَّ حرباً أوسع في المنطقة لن تكون بالتأكيد.
حتى إذا شعرت إدارة ترامب أنها يمكن أن تبرر المزيد من العمليات في سورية، بموجب إطار عمل OLC لعام 2011، إلا أنها ستظل خاضعة لقيود قرار صلاحيات الحرب، بما في ذلك مدة الـ 60 يوماً المسموحة زمنيّاً للقيام بذلك. قام المستشار القانوني لإدارة أوباما، هارولد كوه، بوضع إطار عمل يفترض أنه إذا كانت العملية محدودة وفيها مخاطر منخفضة على القوات المسلحة فهي ليست خاضعة لقرار “سلطات الحرب” في عام 1973 .
هذا، ونظراً إلى الوضع المعقد في سورية واشتراك العديد من القوى الأجنبية القوية بما يجري على الأرض، سيكون من الصّعب على الإدارة الأمريكية القول: إنَّ البقاء في سورية في العام 2019 لا ينطوي على اشتباكات محتملة يمكن أن تتطور إلى حرب كبرى.
كما أنَّه بسبب هذه المخاطر، لم تتمكن إدارة ترامب من استخدام أطر عمل OLC لعام 2011 لتخويل بقاء القوات الأمريكية المتبقية في سورية. سبق أن انتقد علماء القانون ووسائل الإعلام تورط الولايات المتحدة في سورية لانتهاكها قرار “سلطات الحرب”، يمنع قرار “سلطات الحرب” إدارة ترامب من الانخراط في عمليات عسكرية في سورية؛ ذلك باشتراط تقديم تبريرات للكونغرس، وتحديد أي عمليات أخرى في 60 يوماً. إلى ذلك، رغم أن قانون الشؤون الخارجية الأمريكي غامض، فإن إدارة ترامب، جرّاء اعترافها بهزيمة “داعش”، تُركت دون إذن قانوني لمواصلة العملية في سورية.
درس للشؤون الخارجية
في حين أنَّ الانسحاب الأمريكي من سورية كارثة على الحلفاء الأمريكيين في البلاد، إلا أنّه لحظة قابلة للتعليم. صورة الجيش الأمريكي الذي يتدخل باستمرار هي صورة قوية في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن قرار “سلطات الحرب” يشكل قيداً جدِّيّاً على العمل العسكريّ السريع الأحاديّ الجانب من جانب الرئيس.
في نهاية المطاف، فإنَّ فهم قرار “سلطات الحرب” والحلول التي أوجدتها إدارة أوباما سيوفران أداة قوية للتنبؤ بما إذا كان الجيش الأمريكي قد يتصرف وأين وكيف. في حين أن التحالفات الرسمية ستعدّ مصلحة وطنيّة، فإن خطر التصعيد والأذى للقوات الأمريكية يجب أن يكون منخفضاً بالنسبة للرئيس للتصرف من جانب واحد.
تحتاج الولايات المتحدة الآن إلى الانسحاب من سورية. ربما كان من المصالح الاستراتيجية للاعبين الأجانب الرئيسين في سورية، وبالتحديد تركيا وروسيا وإيران، الجمع بين القوات لسحق “داعش”، وإزالة السبب الذي تتخذه الولايات المتحدة ذريعة للوجود هناك.
إنَّ هذه المجموعة من القيود ليست جديدة، ولكنها اعتبارات يتم تجاهلها مراراً وتكراراً في تقييم كيفية تصرف الولايات المتحدة في مجال الشؤون الخارجية. إنه درس قيّم من الانسحاب الأمريكي في سورية.
مداد – مركز دمشق للابحاث والدراسات