مأزق ترامب إلى أين؟
عادل الجبوري
ليست الحقائق والمعطيات وحدها، ولا المعلومات والتحليلات فقط، ولا الازمات والضغوط الداخية فحسب، تثبت وتؤكد ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب يواجه مأزقا كبيرا، ربما لم يواجهه رئيس اميركي سابق، بل ان سلوكاته وخطواته المرتبكة المتناقضة تعكس ذلك الامر الى حد كبير.
وحينما تتداخل الحقائق والمعطيات والمعلومات والتحليلات والازمات والضغوطات مع سلوكات وخطوات ترامب المرتبكة المتناقضة، فإنها ترسم صورة قاتمة وسوداوية امام صناع القرار في واشنطن، والماسكين بزمام الامور في عدد من العواصم العربية، الذين يعوّلون على ترامب وهو يعوّل عليهم في تغيير مسارات الامور في المنطقة، وقلب معادلاتها رأسا على عقب.
ولعل ما وصفته الخارجية الاماراتية بـ”الاعمال التخريبية” التي طالت عدة سفن تجارية في ميناء الفجيرة الحيوي الاستراتيجي، صباح الثالث عشر من شهر ايار/ مايو الجاري، يمثل نذير شؤم على ابو ظبي وواشنطن وعواصم اخرى، لانه من الصعب ـ ان لم يكن من غير الممكن ـ اعتباره عملا عابرا، وانما هو فعل ينطوي على رسائل بالغة الاهمية، من حيث طبيعة الطرف المستهدِف والموقع المستهدَف وتوقيت الاستهداف.
فطيلة اعوام، بينما لم يترك الارهاب بلدا الا واستهدفه، بقيت الامارات ومعها الكيان الصهيوني وربما دولة او دولتان، بمنأى عن اي اعمال ارهابية، فكيف بها الان وهي تتعرض لضربة في مفصل حيوي من مفاصلها الاقتصادية، مع اهمية الاشارة الى ان التنظيمات الارهابية التي بقيت بعيدة عن الامارات، لم تغير توجهاتها واجنداتها، ما يعني ان هناك اطرافا اخرى وراء ما حصل في ميناء الفجيرة، وربما لا تكون تلك الاطراف مختلفة في مجمل مواقفها عن الاطراف التي شنت هجمات على مطار دبي في اواخر شهري آب/ أغسطس، وأيلول/ سبتمبر من العام الماضي.
واغلب الظن، ان فحوى الرسالة من وراء استهداف الفجيرة هو “ان من يستطيع ان يصل الى الامارات ويضربها في العمق قادر على ان يصل الى الكيان الصهيوني، وحيثما وجدت المصالح الحيوية للولايات المتحدة الاميركية ولحلفائها.
واذا اخذنا بفرضية ان القصة كلها مفتعلة، ويراد من ورائها تشديد الضغط على ايران واصدقائها وحلفائها، فهذا يعني ان من يخططون بهذا الشكل، يفكرون بطريقة ساذجة وسطحية للغاية، لسبب بسيط، هو انه كلما زادت وتيرة التصعيد ضد ايران، تنامت فرص وظروف اقحام عموم دول المنطقة في صراع عبثي اخر، هذا في الوقت الذي اكدت فيه القيادة الايرانية، ان منع ايران من تصدير نفطها سيدفعها الى منع الجميع من ذلك، في اشارة الى امكانية اغلاق مضيق هرمز اذا اقتضت الضرورة.
وبعد يوم واحد من احداث الفجيرة، ضربت حركة انصار الله اليمنية (الحوثيون) عبر سبع طائرات مسيّرة، منشآت حيوية سعودية، والحقت بها اضرارا بالغة، وتسببت بانخفاض معدلات الصادرات النفطية السعودية.
ويأتي ذلك متزامنا مع قلق اميركي كبير من معلومات وصلت الى واشنطن، عن نية جماعات عراقية مسلحة قريبة من ايران توجيه ضربات لمقر السفارة الاميركية في بغداد، وربما القنصليات الاميركية في اربيل والبصرة، ويقال ان الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الى بغداد قبل ايام قلائل ارتبطت بهذه المعلومات.
ولم يبق القلق الاماراتي والسعودي منحصرا في حدود هاتين الدولتين، بل انه امتد الى تل ابيب، حتى ان اوساطا سياسية واستخباراتية مختلفة، تحدثت عن ارتباك كبير جدا تعيشه دوائر القرار العليا في الكيان الصهيوني، فضلا عن حالة الفزع والرعب والتوجس لدى الرأي العام الاسرائيلي، لا سيما ان حزب الله اللبناني، وحركات المقاومة الفلسطينية، كحماس والجهاد، يمكن ان تدخل على الخط في اي لحظة، ولا شك ان اهدافها الرئيسية ستكون في العمق الاسرائيلي.
واللافت ان القلق في ابو ظبي والرياض وتل ابيب، وربما في عواصم اخرى، يتجمع في واشنطن، لانه بقدر وجودها المتشعب ومصالحها الواسعة في المنطقة، تتعدد وتتنوع وتتسع جبهات خصومها، فهناك حزب الله اللبناني، وهناك حركة انصار الله اليمنية، وهناك الحشد الشعبي العراقي، وهناك الحرس الثوري الايراني، بامتداده وحضوره الميداني المؤثر، برا وبحرا وجوا، والى جانب كل ذلك الرأي العام الواسع في المنطقة، المعبأ ضد الولايات المتحدة وحلفائها واصدقائها واتباعها لما تسببوا به من مآسٍ وكوارث وويلات، لبعض او معظم او كل شعوب المنطقة.
مظاهر القلق الاميركي الكبير جدا تتجلى بعدة امور، من بينها التبدل الواضح في لهجة ترامب، فبينما كان منذ ترشحه للانتخابات الرئاسية قبل اكثر من عامين وحتى وقت قريب يلوح بكل الخيارات ضد ايران، يشجعه ويدفعه في ذلك اصحاب القرار في تل ابيب والرياض وعواصم اخرى، راح يتحدث اليوم عن رغبته في التفاوض والحوار مع الايرانيين بطريقة مذلة ومهينة، وصلت الى الحد الذي يعلن فيه عن تخصيص رقم هاتف للتواصل معه من قبل القيادة الايرانية في حال رغبت بذلك.
والامر الاخر، التصريحات الاخيرة لوزير الخارجية الاميركي بومبيو، التي قال فيها ان بلاده لا ترغب في الدخول بحرب مع ايران، ناهيك عن إلحاحه على كبار المسؤولين العراقيين ـ وتحديدا رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ـ للتدخل واقناع الايرانيين بعدم استهداف المصالح الاميركية في العراق.
الى جانب ذلك، فانه فضلا عن الاجراءات الامنية المتخذة في محيط السفارة الاميركية بالمنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، وقبل ذلك تحذير واشنطن رعاياها من السفر الى العراق، وتجنب التجوال والتنقل في داخله بالنسبة للمواطنين الاميركيين الموجودين فيه حاليا، طلبت الخارجية الاميركية من موظفيها غير الضروريين مغادرة العراق.
أضف الى ذلك، أن هناك شرخا دخليا اخذ بالاتساع في المشهد السياسي الاميركي، تسببت السياسات الارتجالية المتهورة لترامب بجزء غير قليل منه، بحيث وصل الامر الى الشروع بإجراءات وخطوات عملية لعزله، وهو ما زاد من مستويات قلقه وارتباكه.
ولعل حجم القلق الاميركي وطبيعة ردود الافعال المتخذة، يؤكد ان طهران، ادارت الازمة مع واشنطن بطريقة ناجحة وذكية للغاية، من شأنها ان تفضي الى تزايد الضغوط على الاخيرة، من مختلف الاطراف، لا سيما الاطراف الدولية التي تشعر انها قد تتعرض لخسائر اقتصادية كبيرة، والاطراف الاقليمية التي تشعر انها مهددة امنيا، كما حصل خلال الايام القلائل الماضية حيال ابو ظبي والرياض، وطبيعي ان القلق والارتباك والضغوط، لا بد ان تفرض على واشنطن تعديل المسارات، وتغيير التوجهات، ومراجعة الاجراءات، واكثر من ذلك ربما تطيح بترامب سياسيا، وتطيح بحليفه نتنياهو انتخابيا، وتطيح بأنظمة وحكومات في المنطقة شعبيا.
العهد