الخميس , نوفمبر 21 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

بقرة “داعش” وسالخوها

بقرة “داعش” وسالخوها

محمد محمود مرتضى
في الظهور الاخير له منذ ما يقل عن الشهر، ظهر أبو بكر البغدادي وفي يده ملف اسمه “ولاية تركيا”، ولم يكد ينتهي التسجيل حتى بدأت حملة تركية تستهدف “داعش”، فمن كان حليفا سريا منذ شهور، تحول لعدو علني بعد التسجيل، فيما بدا أنه انتهاء شهر عسل المصالح المتبادلة، بعد انتهاء سيطرة داعش على الجغرافيا، وخسارته لمناطق وجود ابار النفط السورية والعراقية.

لقد وجدت تركيا في كلام البغدادي فرصة سانحة لشن هجوم مزدوج: الاول: على “داعش” لتبرئة ساحتها من تعاون سابق مع التنظيم تسعى للتبرؤ منه، والثاني على قوات سوريا الديمقراطية التي وجدت تركيا انها مسؤولة عن الاخفاق في القضاء على خلايا “داعش”.
وفي هذا السياق جاء عرض الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على الرئيس الاميركي دونالد ترامب في ايجاد حل لمشكلة مسلحي “داعش” الأوروبيين، حيث أعرب له عن قلقه من هروب هؤلاء من قبضة قوات سوريا الديمقراطية، مع أن القاصي والداني يعرف تماما ان بوابة عناصر داعش في القدوم الى سوريا واليوم في مغادرتها هي “ولاية” تركيا!.

لم تكن تركيا حليفا لـ”داعش” بالمعنى الدقيق للكلمة، بقدر ما كان داعش، بالنسبة لها، بوابة للاستفادة في ثلاثة ملفات كبيرة: الملف الاول هو الملف الكردي، اذ لم تخف تركيا مرارا ان مهمتها الرئيسية فيما يجري في سوريا هي القضاء على أي امكانية لقيام دولة كردية، سواء في سوريا، او وصل كرد سوريا مع العراق. والملف الثاني هو سوريا، اذ عززت الاحداث وتراجع سيطرة الحكومة السورية على بقعة كبيرة من جغرافيتها، عززت المطامع التركية في الجغرافيا السورية، لا سيما الشمال. اما الملف الثالث فهو ملف الاقتصاد، فقد وجدت تركيا في سيطرة داعش على مناطق نفطية في سوريا والعراق فرصة لتحقيق المكاسب الاقتصادية، فتحولت تركيا الى بوابة رئيسية لبيع النفط السوري “الداعشي” فضلا عن مكاسب اقتصادية اخرى حققتها، سواء من خلال “نهب” المدن الصناعية في حلب، او عن طريق محاولة استقطاب رؤوس الاموال السورية التي فضلت “الهرب” من الساحة السورية وتبحث عن بيئة استثمارية بديلة.

لهذه الاسباب جميعها كانت أنقرة تماطل في التعاون في محاربة “داعش” بذريعة أن ضرب التنظيم سيكون في مصلحة “النظام السوري”، فيما بدا ان محاربة الارهاب في القاموس التركي لم تكن يعني محاربة “داعش” وجبهة النصرة بقدر ما كانت تعني محاربة الكرد. وعلى هذا الاساس، فان مسار الاشتباك التركي ـ الداعشي كانت تتحكم به محورية محاربة الكرد، ولذا كان استحضار”داعش” بوصفه تنظيما ارهابيا تنبغي محاربته، يرتبط بمسار محاربة الكرد وتفكيك منظومتهم الجغرافية. ومن هذا المنطلق نستطيع ان نفهم سهولة المعركة التي حسمتها تركيا مع “داعش” في كل من جرابلس ودابق، من دون أن ننسى ما حصل في بداية معركة كوباني الكردية المحاذية للحدود التركية عام 2014.

على أن عمليات الاستثمار التركي في الازمة السورية لم تقتصر على ما مر، فالتركي استطاع ان يبتز الاوروبي في ملف النازحين، وتبدو مبادرة اردوغان حول “الجهاديين” الغربيين في سجون “قسد” لن تخرج عن اطار هذا الاستثمار والفوبيا الاوروبية من عودتهم، وهو ليس استثماراً حديث العهد، ففي كانون الاول ديسمبر من العام 2017، حذر الرئيس التركي من أن مقاتلي التنظيم سينتقلون إلى سيناء في مصر، ويتسللون إلى دول أوروبية، وذلك بعد نحو شهرين من تسجيل صوتي لزعيم “داعش” أبو بكر البغدادي، أشار فيه إلى أن مرحلة السيطرة على المدن انتهت بالنسبة للتنظيم، داعيًا أتباعه إلى شنِّ هجمات بالسكاكين (الذئاب المنفردة)، حيث كان من الواضح أن هذا التحذير هو تهديد لأوروبا، بعدما رسّخت تركيا وجودها العسكري شمال إدلب، وفي عفرين، وعدد من البلدات الكردية المحاذية لحدودها.

ورغم غياب داعش عن القاموس التركي بشكل عام، الا في حالات خاصة اشرنا اليها، فقد كان الظهور الأخير للبغدادي وإشارته الى ما سمي “ولاية تركيا”، فرصة لإطلاق جملة من التصريحات التركية التي استهدفت التنظيم، من دون ان تنسى ربطه بمجموعة أخرى تعتبرها ارهابية كجماعة فتح الله غولن، والانقلاب العسكري، في عملية ربط واضحة بين ارهاب “داعش” المتفق عليه، مع اخرين مختلف على ارهابيتهم.

على أن غياب داعش عن القاموس التركي، قابله غياب تركيا عن القاموس الداعشي ايضا، اذ لم تشهد ادبيات التنظيم أي هجوم على تركيا ودورها، إلا وقع المحذور، والمحذور هنا مناورة تركية مع واشنطن عرضت فيها انقرة عليهم انتقال قادة التنظيم المسجونين إلى الشريط الذي سيطرت عليه، عرض اخرج البغدادي عن صمته ودفعه لوصف تركيا في حديث مسجل أنها “خاسئة خانسة تطل بقرن وتستخفي بقرن، تسعى لتحقيق مصالحها وأطماعها في شمال العراق وأطراف الشام ثم ترتد خشية أن يصلها المجاهدون في عقر دارها بجحيم عملياتهم ولهيب معركتهم”، واضاف: “فكّرت وقدّرت ونظرت (أي الدولة التركية) ثم عبست وبسرت واستكبرت، ودخلت في حربنا كما تدخل الضباع المبتورة مستندة مستظلة بطائرات تحالف الصليب مستغلة انشغال المجاهدين”.

ولم يكد البغدادي ينهي تسجيله الصوتي آنذاك، حتى دعا أبو الحسن المهاجر المتحدث الإعلامي الى غزو تركيا “وجعل أمنها فزعًا ورخاءها هلعًا وإدراجها في مناطق صراع التنظيم الملتهب”.

ومهما يكن من أمر، فمن الواضح ان التوظيف التركي للملف الداعشي لم يستنفد بعد، وفي نفس الوقت فان تهديدات “داعش” رغم امكانية وضعها في اطار التهديد لنقل المعركة الى الداخل السوري، فانه بالإمكان فهمها على انها رسالة داعشية الى القيادة التركية ان “المصالح المشتركة” لا تزال كثيرة، وأن باب العودة بالعلاقات الى ما كانت عليه سابقا ما زالت متاحة، الا انه من الواضح ان “بقرة داعش” قد سقطت، وعندما تسقط البقرة يكثر سالخوها.
العهد