خطأٌ عفويُّ يشِعلُ الشرقَ الأوسط ومُعجزةٌ تُجَنِّبهُ الحربَ
تكاد أن تتساوى أسباب اندلاع الحرب وعدم اشتعالها بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، في ظلّ مشهدٍ خطيرٍ للغاية يشبه توتّر الحد الأقصى بين أميركا وكوريا الشمالية عشيّة التفاوض بين ترامب وكيم جونغ أوون، أو التوتّر بين بغداد وواشنطن عشيّة الإجتياح الأميركي للعراق عام 2003 ويمكن حَصْر أسباب أو دوافِع الحرب في النقاط التالية:
أولاً: تُراهن واشنطن على تغيير الحُكم في إيران بالقوّة عبر حرب صاعِقة تؤدّي إلى نشؤ تيارٍ يطلب الصلح ويَعِدُ بسياسةٍ خارجيةٍ مختلفةٍ تتناسب مع ما تريده واشنطن وتل أبيب والمملكة العربية السعودية.
ثانياً: لا يمكن للإجراءات العقابية الأميركية إلّا أن تؤدّي إلى الحرب. بل يُسمِّي الإيرانيون هذه الإجراءات ب ” الحرب الإقتصادية”. معروفٌ في عِلم الحرب أن الإقتصاد كان على الدوام خلف فوهات المدافع.
ثالثاً: يريد ترامب الفوز برئاسة جديدة العام المقبل ويحتاجُ إلى التظاهر بالقوّة وإقناع الناخِب الأميركي أنه “روبن هود” عصره ، ينتزع الأموال من النفطيين، ويأتي بها إلى خزينة بلاده. إن تعيين جون بولتون على رأس الأمن القومي وبومبيو في وزارة الخارجية وتغيير وزير الدفاع، لا معنى له غير الإستعداد للحرب على إيران.
رابعاً: صرَّح ترامب ِمِراراً أنه كان على بلاده أن تُصادِر النفط العراقي الذي لا يتمتَّع بحماية كافية ومن غير المُستبعَد أن يحلم بالنفط الخليجي والغاز القَطري ، وهذا لا يتمّ إلا عبر قَهْر إيران، قوّة الإعتراض الأهم لمثل هذه الأحلام الكولونيالية في المنطقة.
خامساً: لقد “أعطى” ترامب الجولان والقدس لإسرائيل ويريد إعطاءها صفقة القرن، ولا يرى خطراً عليها إلا من طرف إيران التي تدعم حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية . وفي السياق نفسه عجزب المملكة العربية السعودية عن حَسْم الحرب لصالحها في اليمن وهي تحتاج إلى قَهْرِ إيران لإضعاف حزب الله وأنصار الله. إن فوز ترامب في ولايةٍ جديدةٍ يَمرُّ بالضرورة بتأييد أنصار نتنياهو في الولايات المتحدة وبالتمويل الخليجي.
سادساً: إن إرسال حاملة طائرات إلى المنطقة، ونَصْب صواريخ باتريوت وقاذفات ب 52 واستنفار القواعد الأميركية وسحب القسم الأكبر من الدبلوماسيين من العراق، وكَشْف” نيويورك تايمز” عن مُخطّط الحرب، يُعزِّزُ الإعتقاد بنشوبها ويكشفُ عن قَدْرٍ من التشابُه مع استعدادات حرب العراق عام 2003.
سابعاً: الملفت أن البريطانيين هم الأكثر تضامناً مع ترامب ويكرّرون كلامه عن تهديدٍ إيراني للمصالح الأميركية، وتُراهن لندن على إتفاقٍ اقتصادي مع واشنطن بُعَيْدَ البريكسيت .
ثامناً: تجميد إيران العمل ببعض بنود الإتفاق النووي يُمهِّدُ للعودة إلى التخصيب وهذا ما لا تريده واشنطن وحلفاؤها، لاعتقادهم أنه يفتح الطريق أمام تصنيع القنبلة النووية الإيرانية، ويُثير رغبة دول أخرى بالسَيْر على خُطى الجمهورية الإسلامية. بالمقابل أدّى تصنيف الحرَس الثوري الإيراني في لائحة الإرهاب إلى الاقتراب أكثر من احتمال الحرب.
تاسعاً: ليس من باب الصدفة أن يزور نائب وزير الخارجية الأميركي دايفيد ساترفيلد لبنان في هذا الوقت، ويُلوِّحُ للبنانيين، باتفاقٍ مع إسرائيل حول الحدود البحرية والبرية بالشروط اللبنانية ، وفي هذه الحال يُشكِّلُ ضغطاً كبيراً على الوضع الداخلي اللبناني المعني مباشرة في أية حربٍ قادمةٍ بين إيران والولايات المتحدة.
عاشراً: تتذرَّعُ أميركا بأن إيران أعدَّت خططاً لضرب المصالح الأميركية في العراق وسوريا والخليج.
حادي عشر: وضَعَ ترامب ــــــــــ قَصْداً أم مُزايدة ـــــــــــ إدارته في خط الحرب المباشر وكل تراجع عنها يُفقده ماء الوجه.
إن مجمل هذه الأسباب وغيرها يعزِّز من احتمال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة الأميركية
لكن أسباباً أخرى تذهب في الإتجاه المُعاكس للحرب ويمكن إيجازها في الخطوط العريضة الآتية
1 ــــــ إن اللغة والحشد الذي يعتمده ترامب بمواجهة إيران يشبه ما وقع بمواجهة كوريا الشمالية، وبالتالي ستكون النتيجة واحدة وهي التفاوض وتثبيت حال لا حرب ولا سلم إلى أن يفوز بولاية جديدة. أضف إلى ذلك انكشاف لغته “الحربجيّة” في فنزويللا.
2 ـــــ خاضت أميركا حربين طاحنتين في أفغانستان والعراق، أُصيبتْ خلالهما بهزيمةٍ شنيعةٍ وبخسائر مالية خُرافية بلغت 7 تريليون دولار. وتواجه اليوم إيران وهي قوّة إقليمية مهمة، تحتفظ بجيشٍ يتجاوز ال 700 ألف جندي من النوع الذي يقاتل حتى الموت ، وهو غير الجيش العراقي المُنْهَك جرّاء حروب ثلاث طاحنة وهو غير جيش طالبان الذي يشبه الميلشيا أكثر من الجيوش النظامية .
3 ـــــــ تحتفظ إيران بحلفاء وأنصار في المنطقة لن يكونوا بعيدين عن حرب تُشَنُّ ضدّها وهذا ما يعرفه الأميركي وأنصاره.
4 ــــــــ لا يريد الرأي العام الأميركي الحرب ولا يريد الجيش الأميركي حرباً أخرى في الشرق الأوسط، فضلاً عن ترامب نفسه الذي انتُخِبَ من أجل سحب جنود بلاده من الشرق الأوسط.
5 ـــــــــ يمكن لترامب أن يبدأ حرباً ضد إيران لكن يصعب عليه تحديد وقت الخروج منها.
6 ــــــ إن حرباً جديده ستؤدّي بالضرورة إلى ارتفاعات همايونية في أسعار النفط وستلحق أذى كبيراً بالأسواق العالمية .
7 ــــــــ يعاني ترامب من عزلة دولية لا تساعده كثيراً على تحمّل نتائج حرب تنطوي على مخاطر جمّة في الشرق الأوسط والعالم.
8 ـــــــ أكَّد المُرشد الإيراني للثورة الإسلامية السيّد علي خامنئي إن الحرب لن تقع “لأننا لا نريدها والأميركي لا يريدها أيضاً لأنه يعرف أنها لن تكون لصالحه” ويؤكّد وزير الخارجية محمّد جواد ظريف أن بلاده تمارس أقصى درجات ضبط النفس .
9 ــــــــ تدور مناقشات جديدة تحت الطاولة وفي الكواليس من أجل تفادي الحرب وتعمل روسيا بحسب وزير الخارجية سيرغي لافروف في هذا الإتجاه على الرغم من عدم حصولها على “تطمينات” أميركية بعدم اندلاع الحرب .
تفيد هذه الأسباب وغيرها بأن الحرب مُستَبعَدة على الرغم من لغتها المُهيمِنة على وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي.
وبين الأسباب الموجِبة والأسباب النافية للحرب تبقى احتمالات يصعب ضبطها كأن يضغط المُتطرِّفون في الإدارة الأميركية على إيران لحملها على ارتكاب خطأ كبيرٍ يُبرِّر إشعال المنطقة، أو أن تعمل إسرائيل والمملكة العربية السعودية، على توفير “الخطأ المطلوب” تماماً كما وفَّرتْ كيماوي الغوطة لضرب القوات السورية أو لنزع السلاح الكيماوي السوري. وأخيراً قد ترغب أطرافٌ ثورية إيرانية باغتنام الفرصة لتلقين الشيطان الأكبر الدرس الأكبر.
في المُحصِّلة تعيش منطقتنا لحظات خطيرة على حافَّة الهاوية، قد نحتاج إلى معجزةٍ لنبتعد عنها خطوات إلى الوراء.
الكاتب فيصل جلول
المصدر : الميادين نت