فادي صبيح… مخيفٌ “يا إنسان”!
يُضيء فادي صبيح، في “دقيقة صمت”، مشهد ظلمة الحياة. معجبون بالرجل في الكوميديا والدراما، ممثلٌ لا يمثّل. أمام نصّ سامر رضوان وكاميرا شوقي الماجري، يُخرج الطبقة الإنسانية السحيقة إلى العلن، مُختزلاً ويلات وطن مُعذَّب. هذه الجحيم على هيئة رجل، بنارها وحطبها ورائحة الشواء المُتطايرة. يتسلّق بشخصية أبو العزم الجبال نحو العُلا.
قد يُحكى عنه كلّ شيء، كالقول بأنّه كاذب مثلاً أو مفبرِك حكايات، وقد يُتّهم بكلّ شيء، إلا الطعن والخيانة. فادي صبيح في دور أبو العزم، ميكانيكي يُصلح حديداً، فيما كلّ ما حوله خراب وشظايا. مقنِع من الدرجة الأولى، حقيقيّ، متلبّس الشخصية حدّ التماهي الكلّي. هذا المسلسل (“الجديد”، “أبو ظبي دراما”) الأكثر تماسكاً حتى الآن، متين، مُتفوّق على المشهد السائد. في حيّ مُتهالِك، يعيش “من قلّة الموت”. رجل على الهامش، لا يكترث لمقارعة الحياة، يُكمل دروبه بخطى عابرة. كان ذلك قبل أن يقتحم أمير حياته (عابد فهد بدور مُوفَّق يضيف إلى مسيرته). صديق قديم يطلّ من الماضي، أنقذ يوماً حياته وترك في رقبته ديناً آن تسديده. العيش على إيقاعات الأيام الباردة، ليس كصخب العيش. هنا مأزق الوفاء المُطلق وما يترتّب عليه من تضحيات. تورُّط أمير مع الشرطة، يحمله إلى أبواب صديق العمر. هنا تُخرج الشخصية كامل عدّتها. تُقاتل بأنيابها لردّ الجميل بأداء سينمائي صارم. يمكن الروح أن تفدي مَن تحبّ من دون أن تطلب شيئاً في المقابل. يمكنها أن تتحمّل الألم وقسوة الخارج. يُعلّم أبو العزم معاني الوفاء في زمن المعايير المزدوجة. درسٌ للإنسانية، يضعه بين يديك من دون وعظ. هذه دراما الحياة، لا الأكذوبة، تُقدّم على طبق ساخن، بلديّ، طازج، قابل للالتهام حتى الفتات. نكهته تبقى طويلاً.
أدوار تتبخّر مع نهاية الشهر، تزول كلياً، كأنّها لم تكن. البصمات قليلة. كثر يلمعون، إلى أن تنكشف المعادن، فيتراءى الزيف فاضحاً. هكذا هي دراما #رمضان، الناجون من معاركها قلّة. فادي صبيح مُنتصر. ممن سيرفعون النخب في النهاية ويضحكون للنتيجة. حتى الآن، لم يسقط أمام مشهد. لم يقع أمام موقف. لم يخذله شعور أو لحظة خاصة، في علاقته بحسناء (هيا مرعشلي بدور لافت)، وبتفاصيل يومياته، طعامه وهو “يمزمزه”، كأس العرق، مفرداته، لغته المتجذّرة بالظرف والبيئة والخلفية الاجتماعية. والأهم عبارته الشهيرة: “يا إنسان”. مخيفٌ في الدور، من دون قناع “البعبع” الذي يرتديه البعض من دون جدوى. مخيفٌ لأنّه صادق، يتشرّب الشخصية حتى النقطة الأخيرة. هذه الأدوار مثل عكّاز يعين على التحمُّل. الخواء، تقريباً، لم يترك مجالاً لتصديق أحد.
فاطمة العبدالله