الاتحاد الأوروبي والصراع حول المال.. الشمال ضد الجنوب؟
فجوات عميقة يعيشها الاتحاد الأوروبي منذ سنوات. فجوات تمتد بين دول الشمال والجنوب وأخرى بين الغرب والشرق. وفي حقيقة الأمر يشكل المال والتضامن محوري الخلاف. فكيف سيتمكن البرلمان الجديد من المصادقة على ميزانية الاتحاد؟
المال يلعب دورا ثانويا في الحملة الانتخابية الأوروبية، لكن البرلمان الجديد سيكون مجبرا سريعا على الاهتمام بالإطار الجديد لميزانية الاتحاد الأوروبي لـ 2021 و2027. ومشروع ميزانية المفوض الأوروبي غونتر أوتنغر موجود منذ مدة على الطاولة. وفشلت الموافقة عليه قبل الانتخابات الأوروبية. فمواقف دول الاتحاد الأوروبي متباينة جدا بين الدول المانحة والأخرى المتلقية. وبصفة عامة يمكن القول بأن الدول المانحة تقع في الشمال والغرب من الاتحاد الأوروبي. والبلدان الضعيفة اقتصاديا والتي تحتاج إلى المساعدة تقع في الشرق والجنوب من الاتحاد.
الشمال ضد الجنوب؟
وعليه يتم في الغالب الحديث عن نزاع بين “الشمال والجنوب” داخل الاتحاد الأوروبي أو تقسيم بين أغنياء في الغرب وفقراء في الشرق. ومن السهل أحيانا إصدار هذا الوصف، كما يعتبر خبير الاتحاد الأوروبي، يانيس إيمانويليديس. “لدينا نزاعات تشمل الدول الشمالية والدول الجنوبية. ولدينا اختلافات حادة وتباينات بين الدول الأعضاء. يجب توخي الحذر لكي لا نعرض الأمور بهذه البساطة”. والمعركة من أجل الميزانية ستبدأ بعد الانتخابات والحدود ترتسم بشكل عام، كما تنبأ مندوب المالية غونتر أونتغر خلال عرض مخططه في السنة الماضية:” هناك بعض البلدان التي تقول بأن المبلغ العام مرتفع جدا. وهناك بلدان أخرى تعارض بقوة أي تقليص في الميزانية الزراعية”.
غونتر أوتنغر وجب عليه تمويل مهام أكثر مثل حماية الحدود والدفاع، وفي آن واحد تنقص بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي ربما في 2021 كمانح وتترك سنويا ثغرة في الواردات بعشرة مليارات يورو. ونصف هذا المبلغ يعتزم أوتنغر تغطيته من خلال إجراءات التقشف والنصف المتبقي من خلال مساهمات أكبر للدول المانحة المتبقية مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا والسويد. إلا أن رئيس الوزراء الهولندي مارك روته يرفض زيادة في مساهمات الدول الأعضاء. ويدعمه في هذا الموقف مستشار النمسا سيبستيان كورتس. وكلاهما يراعي الأحزاب الشعبوية في البلاد التي تحرض ضد الاتحاد الأوروبي.
الفقير ضد الغني؟
وفي الجانب الآخر من الخندق توجد الدول المتلقية مثل بولندا والمجر أو اليونان التي ترفض تقليصات وتطالب بمزيد من الأموال ومزيد من التضامن. وهذا يغضب الهولندي مارك روته. ففي الأزمة المالية لجأ الاتحاد الأوروبي إلى دعم اليونان وقبرص وإيرلندا والبرتغال وإسبانيا بمليارات القروض. ويطالب روته بربط هذه المخاطر بشروط صارمة. وقال رئيس الوزراء الهولندي بأنه “غير عادل دعوة دافعي الضرائب في البلدان الأخرى لتسديد الفاتورة عندما لا يكون المستثمرون الخواص محظوظين”.
وتسلك الحكومة الشعبوية في إيطاليا نهجا مختلفا. فعجز الميزانية يزداد والديون تكبر. ولاسيما حزب “خمس نجوم” يعتبر أن إيطاليا بمليارين يورو سنويا تدفع الكثير في الصندوق المشترك في بروكسل. وبما أنه في إيطاليا وبعض الدول الأعضاء الأخرى يسود شعار ” دولتي أولا…” فإنه من غير السهل وجود حلول وسط في توزيع الأموال ووعود التضامن المالية.
“ليس هناك إجماع في القضايا المركزية”
القدرة على التوفيق في المصالح تأثرت في الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة بسبب أزمة الديون وأزمة الهجرة، كما يعتبر خبير الاتحاد الأوروبي، يانيس إيمانويليديس الذي قال لدويتشه فيله:” عندما نبحث في عمق، فسنرى بأن الوحدة تنهار بسرعة ولم يعد يوجد إجماع للتوصل إلى حلول وسط”. والباحث في شؤون الاتحاد الأوروبي، كاريل لينو يعتبر أن انتعاش الأحزاب الشعبوية اليمينية في البلدان الضعيفة اقتصاديا لا يجعل الوضع يتحسن. وأضاف بأن “جاذبية الشعبويين اليمينيين مرتبطة في بعض الحالات بالفرق الكبير بين الفقير والغني. وهذا ما نراه بالتأكيد في إيطاليا. ونراه في اليونان وقبرص وأقل في إسبانيا. فالشعبويون اليمينيون ناجحون بالتأكيد في الدول الجنوبية”.
ورئيس الوزراء الهولندي، مارك روته وثق ملاحظة أخرى. فالبرتغال وإسبانيا تعافيتا بعد إجراءات الإنقاذ المالية للاتحاد الأوروبي. وهذا يكشف أن الأمر لا يرتبط كثيرا بالموقع الجغرافي، بل بالموقف السياسي. ويعتزم مفوض الميزانية الأوروبي أوتنغر خلال المفاوضات المرتقبة حول الميزانية توفير بليون يورو في سبع سنوات ومراعاة معيار إضافي. فالتحويلات يجب ربطها بسيادة دولة القانون والتعاون في سياسة الهجرة. وبولندا والمجر ترفض هذه الشروط، ويجب عليهما توقع تقليصات في المعونة.
بيرند ريغرت/ م.أ.م