صورة الإعلام في الدراما… “فضيحة”
تحفل المسلسلات التلفزيونية السورية واللبنانية قيد العرض في الموسم الحالي حسبما أشار الناقد أمين حمادة في مقال له بكثير من النماذج الإعلامية في خطوطها الرئيسة والجانبية على حد سواء، ورأى أنها تكاد تجمع على رسم صور تتشابه كثيراً في ما بينها، ويغلب عليها الطابع السلبي بقسوة، خاصة أن معظم الشخصيات في هذه الفئة، تتميز بصفات الدناءة والوصولية والجشع، بعيداً من معايير وأخلاقيات مفترضة في العمل الصحافي والإعلامي.
وتساءل حمادة في مقاله على “الحياة” هل تتشكل هذه الصورة بناءً على مبالغة درامية متخيلة بحيزها الأكبر، أم أنها تستمد بشاعتها من واقع مخزٍ، وتكشف الكثير من كواليسه؟ خاصة أن العلاقة بين أهل الدراما والإعلام تكاد تكون عضوية، مستقيمة حيناً وملتوية أحياناً.
ووفقاً للمقال: “تعكس شخصية “رائد” في مسلسل “الكاتب” (من انتاج “إيغل فيلمز) أداء لافتاً وجديراً بالاحترام للممثل اللبناني إيلي نجيم، النموذج الأبرز والأكثر معاصرة، لكيان هجين خلقته شبكات التواصل الإجتماعي: “المدوّن الذي يدعي الصحافة”. يخترق “رائد” خصوصيات العائلات ويتلاعب بها من دون أي وزاع أو قيم، معرّفاً عن نفسه بأنه “صحافي”، بحثاً عن “سكوب” ينشره من دون أي مسؤولية إعلامية أو إجتماعية. يطلب تصريحات من أصحاب العلاقة، ويبتزهم إذا رفضوا إعطاءها بأخبار كاذبة. ويكشف نص ريم حنّا الحقيقة المتواضعة لهذا النموذج، حين يتجه “رائد” الى صاحب دار النشر “أبو سعيد” (غبريال يمّين)، ليسأله عن كتابه الذي يريد طباعته والمؤلف من “بوستات” “فيسبوك” تحت عنوان: “تل سكوب”. وتتدنى مرتبة “رائد” أمام أسئلة الأخير: “انت تعمل في جريدة؟” ليأتي الجواب نفياً، فتتابع التساؤلات: “إذن في مجلة؟”، ليرد: “أنا مدوّن أكثر من كوني صحافياً، عندي صفحة فيسبوك”ـ وذلك أمام ردود أفعال استخفافية من “أبو سعيد”. وتفضح عدسة المخرج رامي حنّا دناءة “رائد” حين ينظر بشهوة الجشع إلى أموال يقذفها اليه “أبو سعيد”، شارياً خدماته ومحولاً إياه صبياً من صبيانه الذين يسخّرهم لمراقبة الآخرين، قبل أن ترسّخ مشاهدة تناوله الطعام وخوفه على كل لقمة منه، حقارته.
ويركز مسلسل “هوا أصفر” من إنتاج “شركة كات”، على النموذج الأخطر في الصحافة: “القلم المأجور” عبر أداء الممثل السوري رامز الأسود شخصية “الصحافي أدهم عزيز” الذي وفق نص علي وجيه ويامن الحجلي، يفتح ذمة كتاباته واسعاً لفئة من رجال السلطة ورجال الأعمال، وفق علاقة “كلب المير”، فيصبح اليد الهاتفة لمصالحهم وتلميع صور أزلامهم، و”البوق المهاجم” لكل مشروع تجاري أو إنمائي لا حصة له ولهم فيه، بعد أن يحاول دخوله كفرد من فريق العمل كمدير علاقات عامة، في اعتراف ضمني بحقيقة كفاءاته، لكنه يفشل بسبب سمعته السيئة. وتتوضح قذارته العملية أكثر عبر حياته الشخصية والمهنية، إذ يحاول استغلال وظيفته كأستاذ في الإعلام لتحقيق مآربه. كما يسعى لإقامة علاقة مع المذيعة يارا عفيف، مقابل ترقية وظيفية، عبر علاقاته مع أسياده من رجال السلطة، والتي لا تشبه بأي حال العلاقة المفترضة مع المصدر. وتترسخ رمزية تعاطي “أدهم عزيز” بأدواته الصحافية بأسلوب يشوهها أكثر أمام عدسة المخرج أحمد إبراهيم أحمد، حين يختبئ خلف ستار منزله ليلاً، ليراقب بالمنظار جارته، مغتصباً حرمة خصوصيتها. نموذج يجعل من “السلطة الرابعة” ذنباً وسوطاً بيد من يشتريه إلى درجة تسليم المسؤول المادة الصحافية قبل نشرها. ولا بد هنا من الإشارة إلى نقطة مهمة في تاريخ الشخصية، إذ كانت نظيفة قبل أن تدفعها الأبواب المقفلة إلى المقلب الآخر. وتضمن المقال رأي الكاتب علي وجيه الذي قال: “للأسف، النموذج الواقعي لـ”أدهم عزيز” أكثر قذارة من الدرامي”.
ويشارك الإعلام في البطولة من خلال شخصية “الإعلامية نور رحمة” من أداء الممثلة والمغنية اللبنانية سيرين عبد النور، في مسلسل “الهيبة – الحصاد” من انتاج شركة “الصبّاح إخوان” وكتابة باسم السلكا وإخراج سامر البرقاوي. تعتمد “رحمة” في حياتها ومهنتها على “ثروت” (جوزيف بو نصّار) أحد كبار المسؤولين، إذ يشّكل لها “عامل الحظ” الذي تحتاجه في عملها على حد قول معدة البرنامج الخاص بها “كشف المستور”. وبالمقابل تتخذ معه منحى وصولياً، فتصبح “الإعلامية المشهورة” عشيقة سريّة لـ”عرابها” رب الأسرة النافذ، قبل انتقالها سريعاً الى فراش “جبل شيخ الجبل” (تيم حسن). وتضع العلاقة غير الشرعية من كل وجوهها، “نور” في خطايا مهنية كثيرة، كأن تتراجع عن طرح موضوع معين بسبب ضغوط “ثروت” وتعنيفه جسدياً لها، ولا أخلاق تشفع لها في انسحابها أمام الضرب، فهي على رغم الاستبداد بها، ترضى بهدية سيارة فخمة، بعد خاتم من الألماس لا تخلعه حتى خلال وجودها مع رجل آخر. تتجلى النظرة إلى الإعلام أكثر، على لسان “ناهد عمران/ أم جبل”، فتقول عند معرفتها بقدوم فريق إعلامي لمقابلة ابنها: “جايين يترزقوا على حسابنا”. وفي مشهد آخر، يصفع “جبل” “نور” بجملة عن عدم جدوى عملها الإعلامي الذي لا يغير من الواقع شيئاً، قبل أن يغمز من قناة حبها للشهرة: “الشهرة مثل رأس الأركيلة، تاج عالراس، ومن جوا قطع أنفاس”.
ويفرد مسلسل “خمسة ونص” من إنتاج “الصبّاح إخوان” وتأليف وسيناريو وحوار إيمان سعيد وإخراج فيليب أسمر، مساحة واسعة للإعلام، من ناحية لا تقف عند حد الممارسات الفردية أو السائدة، بل تصل الى حد السلوك الإعلامي في البث المباشر، مثل مشهد تغطية محاولة الإغتيال وإصابة “جاد” (معتصم النهار)، فتظهر الفاجعة على وجه والدته المتلقية للصورة بنصف خبر. وفي مشاهد أخرى، يظهر المصور الصحافي منتهكاً خصوصية الناس ويبيعها من دون استبيان الحقيقة التي لا يعتبرها من “شغله”، بينما يقتصر دور المذيعة على ممانعة خجولة لا تمنعها من الإستعانة به في مهمة لاحقة.
وتضمن المقال رأياً للكاتبة السورية إيمان سعيد فتشير إلى أن حضور الإعلام ليس مجانياً في “خمسة ونص”، لافتة إلى ان “الإعلام مقصود وهو خط مواز للخطوط الأخرى، يظهر ارتباطه بصناعة مصير الشخصيات، فالدكتورة “بيان نجم الدين” (نادين نسيب نجيم) تدخل حياة “غمار” (قصي خولي) بناء على إشاعة إعلامية، كما أن للإعلام دوراً في الترويج لـ”البيك”، إضافة الى الفارق بين وجهين مختلفين، ما نظهره وما نعيشه”. وتشير إلى دور أكبر للإعلام في الحلقات المقبلة.
اقرأ أيضا: قناة الجزيرة “منزعجة” من عودة الدراما السورية للواجهة هذا العام
وختم حمادة مقاله بأنه لا شك في أن كل النماذج التي تقدمت، خاضعة لمبدأ الإستلهام والإلتقاط، الذي يقوم عليه عمل الفنان، الى جانب التجارب الخاصة التي اختارها أهله لتناولها في أعمالهم، فكم من “رائد” و”أدهم عزيز” و”نور رحمة” في الوسط الصحافي؟ وكم من “بيك” و”ست” في الوسط الفني؟…
الاصلاحية