قمامة أوروبا تُصدّر للخارج.. هل تحوّلت دول عربية إلى “مكب نفايات”؟
تخلّف أوروبا كميات هائلة من القمامة، نسبة كبيرة منها توجه للخارج. فهل تتحوّل دول عربية إلى “مكب أزبال” لأوروبا؟ وما أسباب التخلّص من هذه القمامة؟ وهل تستفيد منها حقاً دول الاستقبال؟
“لا أحد يستطيع أن يفسّر للمواطنين في إفريقيا وآسيا السبب وراء تراكم قمامة الرفاهية الأوروبية لديهم” هكذا تحدث وزير التنمية الاتحادي في ألمانيا غيرد مولر، منطلقاً من أرقام تؤكد أن آلاف الأطنان من مخلّفات الأوربيين تتجه إلى الدول النامية، مع ما يخلقه ذلك من جدل حول حقيقة الاستفادة من هذه القمامة، والدول النامية تعاني في جلّها مع نفاياتها الخاصة.
ومن أكبر معالم الخطر في هذه القمامة المُصدَّرة احتواؤها على البلاستيك غير المعالج، وقد سبق لوزيرة البيئة الاتحادية الألمانية سفينيا شولتسه أن صرحت لوكالة الأنباء الألمانية قبل أسابيع أن بلادها تهدف لحظر تصدير النفايات البلاستيكية التي لم يتم فرزها. وفي ظل المخاطر البيئية المعروفة عن حرق وطمر هذا النوع من النفايات، تكون دول الاستقبال قد استوردت بضاعةَ بأضرار كبيرة على حاضرها أو مستقبلها البيئي.
قمامة “الفردوس” الأوروبي!
بلغت كمية ما تنتجه دول الاتحاد الأوربي من النفايات 2.53 مليار طن عام 2016، حسب أرقام مكتب الإحصاءات الأوروبي “يوروستات”. وبلغت قيمة القمامة التي تُصدرها دول الاتحاد الأوروبي إلى الخارج 16.6 مليار يورو عام 2018 بمجموع 41.1 مليون طن. وتعدّ تركيا والصين الوجهتين الرئيسيتين لاستقبال القمامة الأوروبية، متبوعتين بالهند، وفيما تُبرّر تجارة النفايات بأغراض اقتصادية وأخرى متعلقة بالطاقة، تقول زينة الحاج، مديرة مكتب غرين بيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لـDW عربية إن الدول الأوروبية لم تكن لتصدّر بعض أنواع النفايات، لولا أن تكلفة تدويرها عالية جدا، أو نتيجة التخوّف من أضرار على البيئة في محيطها.
وارتفع حجم استقبال مصر للقمامة الأوروبية بنسبة ضخمة وصلت إلى +225 في المئة عن عام 2004، إذ استوردت مصر عام 2018 حوالي 1.7 مليون طن، حسب المصدر السابق، وسبق للبرلمانية المصرية شيرين فراج أن كشفت عن استيراد بلادها عام 2017 حوالي 15 مليار جنيه مصري من القمامة، بينها نفايات خطرة، كما صحيفة “التحرير”.
كما يوجد المغرب ضمن المستوردين، وحسب ما نقله موقع “لكم” عن “يوروستات”، فقد استقبل المغرب أكثر من نصف مليون طن العام الماضي. ويتذكر المغاربة الضجة التي وقعت عام 2016 عندما استوردت الرباط شحنة نفايات إيطالية لأجل حرقها في معامل الإسمنت، وكيف وصل الأمر حدّ إعلان الحكومة عن تعليق الشحنة مؤقتاً، وقد أشار تقرير للجنة تقصي الحقائق في الغرفة الثانية من البرلمان المغربي، إلى أن الشحنة لا تزال معلقة، وأن التحقيق الذي أعلنته الحكومة لم يتم الكشف عن نتائجه، وقد أكد التقرير كذلك أن المغرب يستورد عدة أنواع من النفايات بينها البلاستيكية، وبقايا العجلات المطاطية.
ضرر أم استفادة؟
ترى المصانع التي تستورد النفايات الأوروبية أن هذه الأخيرة “مشبعة بوقود بديل ومعدة للحرق للاستفادة من الطاقة التي تنتجها”، يقول بلاغ صادر عن الجمعية المهنية لشركات الإسمنت، عام 2016 إثر الضجة. تحتوي هذه النفايات التي تتيح استخراج الوقود (تعرف اختصاراً بـ RDF) على البلاستيك. ووفق المصدر السابق، “تتنقل هذه النفايات بشكل عادي بين البلدان”، خاصة وأن بعض الدول المستقبلة، كالمغرب، لا تشهد حالياً عملية إنتاج مثل هذه النفايات، فضلاً عن أن أفران الإسمنت، “تتيح تدميراً نهائياً لأيّ مكون ملوث في النفايات”، يقول البلاغ.
لكن عبد الرحيم كسيري، المنسق الوطني للائتلاف المغربي من أجل المناخ والبيئة المستدامة، يرى أن هذا الخيار الذي تتبناه مصانع الإسمنت ليس خياراً مستداماً حتى في الجانب الاقتصادي: “المصانع تستفيد من خفض تكلفة الإنتاج عبر استبدال البترول بوقود النفايات، لكنها تصير في حاجة دائمة لهذه النفايات المستوردة ما يركز عدم الاستقلالية، فضلاً عن أن ارتفاع أسعار هذه النفايات يمكن أن يرفع كذلك أسعار الإسمنت”، يقول لـDW عربية.
ويتابع كسيري أن المشكل الأكبر في النفايات المستوردة هو ضعف قدرة الدول النامية على المراقبة، إذ يبقى من الصعب التحكم في نسبة مرور المواد السامة، خاصةً عندما تكون كميات النفايات كبيرة، مشيراً إلى أن هذه المواد تمرّ كذلك حتى بين الدول الأوروبية.
وهناك من يرفض إطلاق كلمة النفايات على ما يتم استيراده من أوروبا، بل “أنواع معينة من البلاستيك المعاد تدويره”، والتصريح هنا لوزيرة البيئة المصرية ياسمين فؤاد، خلال حضورها إحدى جلسات مجلس النواب، متحدثة عن أن هذا النوع من البلاستيك لا يدخل مصر إلّا تحت إشراف جهات رسمية.
إلّا أن زينة الحاج، تقول إن حرق النفايات المحتوية على البلاستيك يؤدي إلى انبعاثات سامة، منها الزيادة في ثاني أكسيد الكربون. وتؤكد المتحدثة عدم وجود إمكانية لتدوير النفايات البلاستيكية بشكل يخدم البيئة، فتكون النتيجة إما حرقها، مع ما يحتويه ذلك من خطر الانبعاثات السامة، أو طمرها، رغم عدم إمكانية تحلل هذه النفايات في الأرض.
كما توجد أخطار أخرى وفق رأي المتحدثة، منها أن المعامل الخاصة بإعادة تدوير النفايات في جلّ المناطق العربية غير مجهزة لتأمين سلامة العمال، ما يشكّل خطراً على حياتهم. ويؤكد تقرير لجنة تقصي الحقائق المغربية السالفة الذكر، أن المغرب يستورد متلاشيات الحديد قصد تدويرها في معامل الحديد، دون تنسيق أو مراقبة مع وزارة البيئة، رغم إمكانية حمل هذه المادة لمكونات مشعة وسامة.
أيّ حلول؟
قرّرت الصين، أكبر مستورد للنفايات الأوروبية، أن تمنع منذ بداية 2018 استيراد عدد من النفايات غير المدورة، بينها أنواع من البلاستيك، ما سيجعل الغرب في تحدٍ صعب لإيجاد أسواق جديدة للتخلص من نفاياته.
وتظهر ضرورة تعديل بنود اتفاقية بازل التي تنظم مجال نقل النفايات عبر الحدود، فرغم أن الاتفاقية تمنع تصدير النفايات الخطرة، إلّا أنها لا “تعتبر النفايات البلاستيكية سامة، ولا تواكب التطوّر الذي حصل في المجال الصناعي” تقول زينة الحاج، مبرزةً أن الحل الرئيسي هو أن “يغيّر المجتمع عاداته الاستهلاكية، ويخفّف من إنتاج النفايات البلاستيكية”.
“يجب ألّا تدخل النفايات ضمن منطق السوق، ويجب العمل على التقليل من حركية مرور النفايات عبر العالم”، يقول عبد الرحيم كسيري، مؤكداً كذلك أن الحل يمرّ عبر “تثمين النفايات محليا، أّي أن تعالج كل دولة نفاياتها الخاصة، وكذلك عبر عدم الاستمرار في تشجيع اقتصاد ينتج كميات ضخمة من النفايات”.
كما أن الحظر الذي تبنته الصين من شأنه أن يدفع إلى استخدام أفضل للبلاستيك وفق ما ينقله تقرير على موقع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، مستشهداً باستراتيجية البلاستيك التابعة للمفوضية الأوروبية، حيث يسعى الاتحاد إلى جعل “جميع العبوات البلاستيكية قابلة لإعادة التدوير أو يمكن إعادة استخدامها بحلول عام 2030″، مع ما يخلقه ذلك من إمكانيات لخلق آلاف الوظائف. فهل تبدأ ألمانيا، التي ستترأس مجلس الاتحاد الأوروبي العام القادم، خطوة إعادة النظر في علاقة أوروبا مع النفايات؟
الكاتب: إسماعيل عزام