الإثنين , ديسمبر 23 2024
شام تايمز

Notice: Trying to get property 'post_excerpt' of non-object in /home/shaamtimes/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

” جسر افتراضي” بين سورية وروسيا..الإبحار شرقاً والإياب بمصافحة حارّة في المياه الدافئة

شام تايمز

” جسر افتراضي” بين سورية وروسيا..الإبحار شرقاً والإياب بمصافحة حارّة في المياه الدافئة

شام تايمز

في مثل هذه الأيام تقريباً من العام الماضي، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، بافتتاح الجسر الجديد بين القرم وروسيا، وهو يقود بنفسه سيارة شاحنة ضخمة برتقالية اللون، عبرت ذلك الجسر الذي وصلت كلفته إلى / 2,9 / مليار يورو، أي ما يعادل / 1 / تريليون و / 870 / مليار ليرة سورية، والبالغ طوله / 19 / كم، عبرت شاحنة الرئيس بوتن في مقدمة عشر شاحنات مشابهة، وصلت إلى القرم خلال / 16 / دقيقة.

شام تايمز

التصفيق الحار الذي واجهه الرئيس بوتن عند وصوله إلى الطرف القرمي من أهالي شبه الجزيرة، عكس بشكلٍ واضح ليس فقط أهمية هذا الجسر الضخم، وإنما الرمزية العالية له، والتي تشير إلى قدرة روسيا الكبيرة على الانتصار لتطلعاتها، رغم كل العقبات والعقوبات، والإصرار على تحقيق الأحلام الجميلة. لقد كان حلماً وردياً هذا الجسر منذ سنوات طويلة، تمتد إلى أزمنة القياصرة، فلدى وصول الرئيس بوتن إلى شبه جزيرة القرم بسيارته الشاحنة البرتقالية، واستقبال الناس له، كان مُغتبطاً، وخاطبهم يقول : كان الناس في لحظات كثيرة من التاريخ، وحتى في أيام القيصر، يحلمون ببناء هذا الجسر.. قاموا بمحاولات جديدة في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات، وأخيراً بفضل عملكم وموهبتكم، تحقق هذا المشروع، هذه المعجزة .. إنه يوم استثنائي، يوم احتفال تاريخي.

ومن يومها، في أواسط أيار من العام الماضي، التصقت شبه جزيرة القرم بأمها روسيا بشكلٍ متين، لتُعطي درساً قوياً عن مدى قدرة روسيا – إن أرادت – على تحقيق أمنياتها العادلة، وعلى مدّ جسور المحبة والأحلام المنتظرة. البدءُ في أن تقتنع لا شيء يمنع روسيا من تحقيق أهدافها، فهي الدولة العظمى القادرة على تهميش من أراد بها سوءاً، والجميل بها أنها تبني أهدافها على العدالة واحترام الآخرين، لا على الظلم والاستغلال، فهكذا تحيكُ قناعتها بالهدف، وهذا ما استطاعت سورية أن تلتقطه وتتحقق منه، ففتحت الطريق أمامها لتقتنع .. واقتنعت، على الرغم من أنّ الموقف الروسي في بداية الأحداث السورية / عام 2011 / لم يكن كما هو اليوم، ولكنها لم تكن بصورة ما يجري، وما إن اتّضحت الصورة حتى اقتنعت. مصالح متبادلة على قاعدة الاحترام أدركت سورية وهي في معمعة هذا الظلم الكوني الجائر نحوها، أنها بحاجة إلى كل صديق قوي يتفهّم وضعها ويقف بجانبها، وكشفت الستار عن المشهد الدّاهم أمام روسيا، التي سرعان ما تفهّمت، فالخطر الدّاهم إلى سورية، هو أصلاً خطرٌ شديد يهدد روسيا وأمنها، وكانت حكاية هذا التوحّد في المواقف والأهداف.

الاقتصاد الروسي والسوري لسنا هنا بصدد إعلام أحد عن اقتصاديات روسيا الدولة العظمى والتي تُصنّف حالياً كثامن أكبر اقتصاد في العالم، ليس من حيث القوة والديناميكية، وإنما من حيث الإنتاج المحلي الإجمالي، فهي تنتج من القمح وحده / 73,3 / مليون طن، ما يزيد عن عشر الإنتاج العالمي الذي وصل في عام 2016 حسب إحصاءات الفاو إلى / 700 / مليون طن، وقد تصدّرت روسيا دول العالم في صادراتها من القمح، حيث أشارت وزارة الزراعة الروسية أنها صدرت في عام 2017 نحو / 41 / مليون طن، فيما أظهرت بيانات الجمارك الروسية أن صادرات روسيا من الحبوب بلغت / 52,4 / مليون طن.

من جهتها قالت وزارة الزراعة الأمريكية في تقرير لها، إن صادرات دول الاتحاد الأوروبي، والبالغة عددها 28 دولة، من القمح وصلت في السنة الزراعية الماضية ( 2017 ) 23.3 مليون طن، أما صادرات الولايات المتحدة من هذه المادة فبلغت 23.2 مليون طن، فيما صدرت كندا حبوبا بواقع 22.6 مليون طن. أما إنتاج روسيا من النفط فكانت ثاني أكبر منتج في العالم – بعد السعودية – حيث يزيد إنتاجها عن / 10 / ملايين برميل يومياً، غير أنه وصل في عام 2018 إلى أعلى مستوياته عندما بلغ أكثر من / 11 / مليون طن، لتصير أعلى بلد منتج للنفط في العالم. أما الغاز الطبيعي فإن روسيا حققت مستوى قياسيا في إنتاجه عام 2018، حيث بلغ 733 مليار متر مكعب، وهي بذلك تتصدّر الإنتاج العالمي. ومن السيارات تصنع روسيا سنوياً بحدود مليون سيارة من مختلف الأصناف السياحية والشاحنة، فضلاً عن الصناعات الثقيلة الأخرى، والصناعات العسكرية الهائلة، ولذلك لم يكن غريباً على الاقتصاد الروسي أن يجذب نحو / 83 / مليار دولار من الاستثمارات الخارجية في عام 2017 .

أما الاقتصاد السوري الذي أنهكته الحرب، بقي متميزاً بتنوّعه الزراعي والصناعي والنفطي، والكثير من الثروات المعدنية، وقد وصّفه اتحاد غرف التجارة السوري مؤخراً عبر تقريره السنوي بأنه – أي الاقتصاد السوري – وبفعل امتلاكه لمكامن قوة وأرضية متنوعة ومتعددة المصادر كونه اقتصادا حقيقيا فقد استطاع تفعيل قوة حركة التصنيع في أغلب المدن الصناعية الرئيسية واستعادة الزراعة مكانتها إضافة لاستمرار التجارتين الداخلية والخارجية وتسهيل استيراد وتصدير السلع وتأمين انسيابها في الأسواق المحلية كل ذلك ادى لحدوث تماسك واضح لبيئة الاقتصاد السوري حماه من الانهيار. فضلاً عن الموقع الاستراتيجي الذي تمتاز به سورية، والذي يمكن أن يكون منصةً واسعة الطّيف للمنتجات الروسية، التي يمكن أن تجد طريقها من سورية إلى مختلف أنحاء العالم، وبما يحقق مصالح مشتركة للدولتين الصديقتين.
عجلة الحرب والسياسة لم تعد القواعد المتينة التي أرستها الدولتان من خلال المفاهيم الاقتصادية والمصالح المتبادلة هي القواعد والأسس التي تحكم متانة العلاقة السورية الروسية فقط، فضرورة التوجه السوري شرقاً، واختيار روسيا كواحدة من أهم الوجهات، وكذلك ضرورة وأهمية التوجه الروسي نحو المياه الدافئة، واختيار سورية في قلب العالم وعلى شاطئ المتوسط مركزاً قوياً وممتازاً يحقق الطموحات الروسية الغابرة في أن يكون لها هنا موطئاً ونقطة انطلاق.

اقرأ المزيد في قسم اقتصاد

هاتان الضرورتان – وعلى أهميتهما – يشكلان قواعد متينة لأفضل العلاقات فعلاً، ولكنهما ليسا في الحقيقة إلا الصورة الشكلية لروح وجوهر العلاقة السورية الروسية، المتمثلة بهذا التحالف الرفيع المستوى الذي استطاع مع القوى الحليفة أن يدحر أعتى هجمة إرهابية في الكون ( أمريكية خليجية إسرائيلية ) استهدفت سورية لتحطيمها، ومن ثم الانتقال إلى باقي القوى التي لا تروق لأمريكا، ولاسيما روسيا وإيران، فاجتمعت على الأرض السورية كل هذه الإرادات من أجل دحر هذا الإرهاب.. ودُحر بالفعل، وما تبقى ليس أكثر من تحصيل حاصل، ومسألة وقتٍ وترتيبات، غير أنّ هذه الإرادات تزامن تطبيقها على الأرض السورية، باختلاط الدماء الروسية والسورية على هذه الأرض المقدسة، وهذا ما أعطى زخماً قوياً لهذه العلاقة، وأكسبها تلك الجوهرية التي صارت سابقة بأشواطٍ كبيرة لمسيرة التنسيق والتعاون الاقتصادي بين البلدين الصديقين، على أهمية ما حصل، ولاسيما بعد الإعلان عن استثمار مرفأ طرطوس من قبل إحدى الشركات الروسية الصديقة. ما يزال المجال واسعاً وفسيحاً أمام القوى الاقتصادية بين البلدين لأن يفعلوا الكثير الكثير، وهذا ما ننتظره ونرتقبه، فالآفاق مليئة بحبال التعاون التي ما علينا أكثر من الإمساك بأطرافها، لينساب العمل بعدها مكثّفاً، وبما يليقُ بتلك الدماء الزكية التي ستبقى رابطاً لا يعرف الانفصام بين هاتين الدولتين الأكثر من صديقتين، وحتى من شقيقتين. في مثل هذه الأيام من العام الماضي افتُتِح الجسر إلى شبه جزيرة القرم، واليوم باتت الجسور مفتوحة وبكل احترام بين سورية وروسيا، وما علينا من كلا الطرفين سوى العبور بأمانٍ ومحبة.. ونحن على أهبّة الاستعداد لمزيد من التصفيق.

سيرياستيبس – علي محمود جديد

شام تايمز
شام تايمز