انعطافة مستحيلة على مفرق ‘سوريا – الأسد’
على مدى 8 سنوات من عمر الازمة السورية كان الموقف الامريكي متصلبا رافضا لأي حل سياسي لايشمل رحيل الرئيس السوري بشار الاسد (ولو بعد حين)، إلا أن انعطافة تقترب زاويتها من 180 درجة طرأت على هذا الموقف بالامس عندما أعلنت الولايات المتحدة ان مصير رئيس سوريا، بشار الأسد، يجب أن يقرره شعب البلاد.
الصحافة تكلمت خلال الايام القليلة الماضية عن صفقات أمريكية ــ روسية منها ما يتعلق بالرئيس الأسد ومنها ما يتعلق بـ”النفوذ الايراني” في سوريا، النفي حول الصفقات المتعلقة بالاسد جاء على لسان المبعوث الأمريكي الخاص المعني بشؤون سوريا، جيمس جيفري، الذي أكد امس الثلاثاء أن هذه التقارير غير صحيحة، واما النفي حول الصفقات المتعلقة بايران فجاء على لسان المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف الذي طلب “توخي الحذر الشديد في عملية التدقيق بالأخبار المزيفة”، مستبعدا نقاش “النفوذ الإيراني” في أي صفقة أمريكية ــ روسية مفترضة.
الحقيقة هي ان امريكا بعد ان فشلت في اسقاط الدولة السورية والرئيس الاسد عمدت الى تدمير سوريا وعرقلة اي حلول سياسية بغرض تأمين “اسرائيل” والانتقام لحرب تموز 2006، لكنها اليوم بعد صمود محور المقاومة والانتصارات التي حققها الجيش السوري والحلفاء، رضخت الى حقيقة انها غير قادرة على اسقاط سوريا كخط أمامي في محور المقاومة، وهنا لابد من حفظ أمن “اسرائيل” عبر ابعاد ايران.
وأما النفي الامريكي ومعه الروسي فله معنىً واحد فقط، وهو ان امريكا تفاوض روسيا فعلا على وجود ايران في سوريا، و روسيا من جانبها ترفض إدخال هذا الموضوع في أي اتفاق مفترض بين الطرفين، وهنا يبرز الرعب الاسرائيلي من التواجد الايراني في سوريا، وخير دليل على هذا هو اعتداءات الطيران الاسرائيلي المتكررة على سوريا والتي تظهر ارتباكا صهيونيا كبيرا في الملف السوري وما قد يحدث بعد انتهاء الازمة والانسحاب الامريكي من هناك.
وحول الانعطافة الامريكية التي تحدثنا عنها، والتي جاءت على عجل، فهي نتيجة مباشرة لدخول الجيش السوري حدود محافظة إدلب الجنوبية بعد سيطرته على بلدة “القصابية” التي كانت تشكل موقعا متقدما للجماعات المسلحة، استخدمته في إطلاق القذائف الصاروخية نحو بلدات ريف حماة الشمالي، كما ان هذه البلدة كانت المنطلق الرئيس للهجمات المضادة التي استهدفت بلدة كفرنبودة التي حررها الجيش السوري قبل أيام، أضف الى هذا ان ما يجري حاليا في الميدان يحدث وسط غياب لافت لحصيلة المشاورات الروسية ــ التركية بشأن “التهدئة” المفترضة في محيط ادلب، وبالتالي كان لابد لامريكا من الارتجال ومحاولة التفاوض من موقف قوي قبل ان يصبح موقفها ضعيفا.
وهذا ما يفسر تغريدات الرئيس الامريكي دونالد ترامب حول تطورات إدلب وانتقاده اللاذع لسوريا وروسيا وايران، وهو مارد عليه الحلفاء بحزم، مؤكدين ان القصف الذي يقوم به الارهابيون من إدلب غير مقبول، وان ما يجري هو إجراء ضروري لتحييد مواقع إطلاق الصواريخ الخاصة بالارهابيين.
نهاية القول هي انه مهما تلونت امريكا وغيرت من مصطلحاتها فإن السوريين يعلمون تماما ان امريكا لاتريد “سوريا قوية” مهما كان الثمن، لان ذلك خطير ويهدد امن الكيان الاسرائيلي، كما انها لن ترضى يوما عن الرئيس الاسد الذي يضع يده في يد المقاومة. ما تريده امريكا في سوريا هو اما جوقة من الخونة يحكمون سوريا من الخارج يملؤون حساباتهم بالنقود ويتنازلون لاسرائيل عن بلدهم (الاثتلاف السوري والحكومة المؤقتة)، وإما جماعات مسلحة (النصرة – داعش وأخواتهم) تعيد سوريا الى حقبة العصور الوسطى، يزورهم نتنياهو في المستشفيات ليطمئن على صحتهم، ويغتالون رموز المقاومة كما فعلوا بالشهيد القنطار.
علاء الحلبي – العالم