معركة ادلب الكبرى.. تفاصيل لم تروى من قبل ج1
راقبتهم يدخلون القرى والمدن, من أريحا لمرتفعات الأربعين إلى جسر الشغور وسهل الغاب، هم وحوشٌ بلحى, قطيع بضفائرَ وحراب, ليسوا تتاراً أو مغول, هم خليط كل ذلك .
لا حصرا دقيقا لأعدادهم ، حيث يتحدر بعضهم لدول تنتج السلاح المصوب نحونا , من أوروبا وآسيا الوسطى.. أتحدث عن صواريخ و قذائف انتجتها منشأة “فازوفسكي” البلغارية على سبيل المثال.
شاهدنا بعضاً مما لم يطلق منها في صناديق مخلفاتهم في معارك سابقة.
نعم ، كان السلاح الأكثر تداولا بيد الميليشيات هو البندقية الروسية الأشهر عالميا “كلاشنكوف” والمصنعة في أكثر من دولة، و لكنها تظل سلاحاً فردياً لا يمس موازين الصراع في شيء.
السنوات الماضية شهدت عقد صفقة “قطرية ،أمريكية وتركية” لإدخال سلاح أمريكي للفصائل المسلحة بالشمال السوري , تضمنت صواريخ حرارية مضادة للدروع من نوع “TOW B2” .
وكانت أبرز الفصائل المسلحة التي تسلمت صواريخ “التاو” هي (حركة حزم ، وتجمع كتائب شهداء سهل الغاب، وفصيل ثوار جبهة الساحل، وكتائب نور الدين زنكي في حلب، والفرقة الأولى الساحلية، والفرقة 13) ، و لم يدخل اسم تنظيم “جبهة النصرة” ضمن لائحة الهبة العسكرية المقدمة ولكن التاو وصل بسرعة أكثر مما كنا نتوقع إلى أيدي عناصر التنظيم المصنف إرهابياً بالرغم من اشتراط الولايات المتحدة على “الكتائب المعارضة” التي تسلمت الصواريخ “تصوير عمليات الإطلاق و إعادة فوارغها”.
كان ذلك عام 2015 وقتها تحالفت معظم الفصائل في الشمال ضمن جسم عسكري موحد تحت مسمى “جيش الفتح” للسيطرة على إدلب وريفها و هو الجيش الذي كان بمثابة رأس حربة المشروع القطري التركي في سورية. قبل أن أذهب إلى أبعد من ذلك ,في الحديث عما مضى فالسرد يطول عن معركة كنا فيها لوحدنا بمواجهة سياسية عسكرية غير متكافئة..
كتلة بشرية مسلحة متفرعة عن تنظيمات عالمية ومجهزة من أجهزة استخبارات و دول , ضد جيش الدولة السورية وتعاقب على ذلك أربع سنوات بات الشمال فيها خزاناً للسلاح وللنخبة القيادية المؤدلجة المتبقية لفصائل السلاح الخارجي .
كان الفجر يسيرُ بنا نحوَ الشمال مرة أخرى , فالشمسُ باتت تشرقُ من هناك “هذه مشيئة العسكر”..
في الطريق الصيفي إلى حماة لا شيء يذكر عن المسير بآلة مكنيكية تشق طريق التسويات المختصر نحو المعركة بريف حماة الشمالي حيث “لا تصح هذه المقاربة هنا”..
هي لحظة يحاكي فيها العقل العين المجردة التي ترمي الوجه ذات اليمين وذات الشمال , نحو “تلبيسة والرستن” بريف حمص, اللتان دخلتا تسوية بطعم الهزيمة..
فالوضع مختلف عن إدلب دار الفصائل الإرهابية , لعلها لعنة الجغرافية من حاصرتهم للتسوية فمن حمل الهزيمة هنا نقلها للشمال لخوض جولة جديدة.
هو الشمال إذا قطعة أرض تحتك اليوم فوقها رايات و أعلام “معتدلة” كانت أم “متطرفة” لفصائل كلها من لون واحد ومنبت واحد ولا تزال فيها للدماء الكلمة الفصل في رسم خرائط النهار والمساء..
في طريقك الشاق يقتلك بفوهة الوقت مجرد النقاش الداخلي لعقلك, حين يعيد تقليب المعلومات والمعطيات التي وجهت إلينا أثناء تكليفنا بمهمة الذهاب إلى ريف حماة وإذا ما استعجلت السرد هنا “كل ما سمعناه وما كان ضمن المعلومات والتوقعات قبيل الذهاب شمالا حصل خلال مجريات الحدث العسكري” تابعنا المسير ..
هي أميال قليلة تفصل عن خط المواجهة, دخان المعارك أعمدة تنصب سحاباً أسوداً يغلف الأفق ، يخرق هدير الطائرات النفاثَة الرّيح والوجوم ، تقترب أكثر فيخدش أزيزُ الرصاص سمّعك.
لامس بقدميك اليابسة واستعد ، فها هي القذائف تبرِقُ للسماء ومراسم الاستقبال ماراثونية , تسابق ترحيب القذائف بالزائرين ..
وضع وصورة مشابهة كفيلة لأن تستحضرُ جرعةَ شبقٍ توقظ الذاكرة , بصورة إدلب 2015 أمامي..
لا اختلاف بوجهة الزناد أو ما يصيب من بنية البشرية نعم العدو أمامنا في المعركة , ولكن الحرب لنا وليست علينا ..”عاد العسكر لفعل المطلوب منهم ” .
كنا فريقا إعلاميا مصغرا , قادما من العاصمة ,عدة شبان جعلت الحرب منهم رحالة يلاحقون خواتيمها كالسراب, أثارهم مرافقة الجند و بارود المادة الإعلامية إذاً هو خيارك المعقود في فراش آمن وسط العاصمة, أنت الآن هنا في مسير وجودي إلى مركز عاصفة السلاح, البقعة المشتعلة بالشمال بتعاقب التنظيمات المسلحة التي خلفتها الأطماع السياسة, والأيديولوجيا الإرهابية التي غزت المنطقة.
كنت أدون على هامش ورقة بدفتر ملاحظاتي , أن بعض الطرق المؤدية للمعركة أخطر من ساحة المعركة وخطوط اشتباكها ،هذا واقع معظم المسارات الهندسية التي تربط بين “حماة ,محردة,سقيلبية”.
العدو ينظر إليها من نقاط تتفاوت مسافاتها عنك , يجب أن تستمر بالتنقل أمام نقاطه العمرانية منها بلدات (الزكاة , كفر نبودة , قلعة المضيق ) حيث “جيش العزة وهيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير” لهم النفوذ الأكبر بهذه المنطقة على حساب باقي الفصائل ..
لكن أي مبادرة للهجوم على نقاط الجيش السوري تتخذ هذا المحور قاعدة لها , وتتكفل الفصائل المتمركزة بالتمهيد الناري , باعتبارها تمتلك خبرة كافية عن إحداثيات المنطقة المقابلة ..
لأكثر من مرة تردد اسم (لواء صقور الجبل) كمتّهم أول بإطلاق القذائف الصاروخية على المناطق والبلدات السكنية الآمنة منها “محردة وسقيلبية”.
أدخلتنا ظروف التغطية الإعلامية ببعض التفاصيل المعقدة,”يصعب الحديث عنها.. لا عليكم ، ما يهم في الأمر أن المعركة قائمة, والجيش السوري يخرق بقوة أسوار الشمال المحصنة في ريف حماة لعل الجيش السوري سلك المحاور الأعقد في جغرافية المواجهة التي بدأت من قلعة المضيق الى كفرنبودة والهبيط , هذه القرى تشكل خط دفاع متقدم عن الريف الجنوبي الغربي لإدلب وجبل الزاوية.
شريط قرى مصغر , تتقاسم جميع التنظيمات المسلحة بالشمال الدفاع عنه .. لكن بالمفهوم العسكري الاقتراب من الجبل هو تطويق لعنق الرأس المسلح .. و هو خيار عسكري شجاع بأن يكون محور تقدم الجنود ..
إن ركب عناصر الجيش السوري على ظهر الجبل, فهم بالقمة والعدو بالأسفل.
في سياق العمل العسكري يظهر أن الكتلة الجنوبية لجبل الزاوية هي المستهدفة, من جبل شحشبو جنوبا الى قرى تمتد نحو الشمال وصولا الى اريحا “وإن كانت بعيدة المنال حاليا عن الجيش السوري”.
لكن سلسلة التلال لجبل الزاوية توصلك إلى هناك, حيث تشرف التلال على مدينة ادلب والطريق الدولي اللاذقية حلب “M4” وسهل الغاب.
يتغنى الإرهابيون بطبيعة هذه المنطقة وتلالها الصخرية, التي أوقفت بعض الجيش في حقبة تاريخية سابقة عن دخولها ، “الأمر مختلف الآن”..
ما عجزت عنه جيوش في السابق , نجح الجيش السوري فيه اليوم , وقتاله هنا هو “عين الحق والصواب”.. معارك الأيام العشر الأولى.. أحدثت شريطا جديدا بالسيطرة, لصالح الجيش السوري من كفرنبودة إلى قرية الحويز “شريط 25 كم” .
تفاصيل المعركة أوسع , لكن في العموم هي حزمة من القرى الحموية من أدخلت الجيش السوري جنوب إدلب ، وأدخلت الاتراك للمعركة أسرع من المتوقع.
يجب أن نتوقف هنا .. لنسأل أين الخط الجهادي المدافع عن التخوم والأنفاق العملاقة ؟ أين تراكم برامج التدريب الأمريكية وأكياس الرمال المشيدة ؟!, ما هذا المرعى المسلح الهلامي الذي سقط بأول مبادرة عسكرية للجيش السوري ..
حتى تركيا من نصبت نفسها الواجهة الدولية للفصائل , تخلت عن عدد من نقاط المراقبة التي استحدثتها سابقا في عدة مواقع بريفي حماة ادلب ، إبان اتفاق “سوتشي” مع روسيا لإنشاء “منطقة خفض التصعيد”.. هو الضغط الناري للجيش السوري من طال نقاط المراقبة التركية أيضا وأبعدها بالنار .
في الحقيقة لربما وحدنا من يسأل , أمام بحر من العناصر المتشددة على اختلاف لغاتها و أيدويلوجيتها وأولوياتها , من يأمن على أرواح جنوده لمراقبة هؤلاء ؟! ، في عصر أردوغان حدث ذلك .. وحده من فعلها , بعد أن ترأس مجلس الأمن القاعدي وبات الجنود الاتراك قوات حفظ السلام للقاعدة.
أصيب عدة جنود أتراك بنقطة المراقبة “شير المغار” بشظايا قذيفة صاروخية, افترض أنا بأن الجيش السوري أراد إيصال رسائل نارية , المعلومة ليست رسمية , وحتى الاتراك لا يمكنهم التأكد من مصدر مطلقها, فقد تكون ذريعة الاتراك لإيقاف الرمايات النارية على قواعد ومراكز الإرهابيين بعمق الجسم المسلح بالشمال.
هذا تهديد وجودي .. فشل الساسة الأتراك بتخفيف صدمته عن عناصرهم المنهارة أمامهم , وعن حاضنتهم الشعبية المسلحة التي تخشى غضبها وزحفها صوب الحدود ..
إن كان اردوغان يخشى ذلك- إلا أنه سلاحه لتهديد أوروبا بموجة هجرة جديدة كلما حاق خطر بفصائله في إدلب ..
// يتبع معركة ادلب الكبرى ج2 //
جعفر يونس ..صحفي ومراسل سوري