هل تستنجد واشنطن بموسكو في وجه طهران؟
جوني منير
ثمة انطباع في واشنطن أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب خسر حتى الآن جولة الكباش التي خاضها مع ايران، ولكن من دون أن يعني ذلك أن طهران حققت انتصاراً.
بدا أنّ إرسال 1000 عنصر إضافي من سلاح مشاة البحرية الأميركية لن يؤدي سوى الى تسجيل مواقف مفترضة، وهو ما صدر عن موسكو وبكين على حد سواء. ذلك أنّ إرسال حاملة الطائرات الأميركية «ابراهام لينكولن» والقاذفات الإستراتيجية من طراز «ب 52 « في وقت سابق، لم يكن له أي تأثير في إرهاب طهران وردعها عن خوض «حرب الأشباح» القائمة ضد ناقلات النفط عبر مضيق هرمز.
وحتى إعلان رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، بمنع أي قوة اجنبية من العمل أو التحرّك على أرض العراق من دون إذن الحكومة العراقية، والذي كان القصد منه ايران والقوى المتحالفة معها. هذا الإعلان لم يمنع من استهداف مقار شركات نفط عالمية عدة في مدينة البصرة بصاروخ، ما دفع بشركة «اكسون موبيل» الى ترحيل موظفيها.
وقبل موقف عبد المهدي، إستُهدِفت قاعدة عسكرية تضمّ قوات أميركية شمال بغداد بقذيفتين سقطتا في الجزء العراقي من قاعدة التاجي. ومعه بدت الإدارة الاميركية عاجزة عن الرد على الرسائل الناريّة للأشباح. ولكن، في المقابل لا تزال ايران ترزح تحت ثقل الدفعة الأخيرة من العقوبات، والتي أُعلِنَت مطلع أيار الماضي.
صحيح أن واشنطن أعادت إحياء الإستثناء للعراق، لكن هذه الخطوة ليست كافية لطهران. أضف الى ذلك، إنّها خطوة غير واضحة، ما اذا كانت مقدّمة للعودة الى ما قبل أيار، أم أنها موجهّة الى الحكومة العراقية التي ستتأذى كثيراً، اذا ما اوقفت اعتمادها على الغاز الإيراني، ما سيدفع بالبلاد الى أزمة كهرباء خانقة وفتح ابواب الفوضى مجدداً؟
قد تكون ايران تنتظر استثناءات أُخرى تطاول تركيا واليابان وبلداناً أخرى، ما سيعيد معدّل التصدير النفطي الايراني الى ما فوق الـ 800 الف برميل يومياً، والذي سيؤمّن مدخولاً ثابتاً للنقد الأجنبي، تبدو إيران بأمسّ الحاجة اليّه.
حتى الآن، لم تؤدِ الاتصالات التي تولتها اليابان وفرنسا والمانيا، وحتى العراق، الى نتيجة ملموسة. وتبقى الحركة التي تتولاها سلطنة عُمان بعيدة عن الأعين.
المشكلة، أنّ دونالد ترامب، الذي دشن لتوّه معركته الانتخابية، يبدو محشوراً بالوقت وبالموقف وبالأوراق التي يملكها وينوي من خلالها مواجهة خصومه في معركته الانتخابية. والواضح، انّ ورقة ترامب العسكرية فقدت قيمتها وفعاليتها. صحيح انّ بريطانيا ارسلت زهاء 100 جندي من قوات مشاة البحرية البريطانية الى قاعدتها العسكرية في البحرين، لتتولى حراسة السفن التي تعبر مضيق هرمز، كونها تملك فرقاطة وكاسحات الغام عدة، وصحيح أنّ فرنسا عززت وجودها في قاعدتها في أبوظبي، لكن كل ذلك غير قادر على تشكيل قدرة ردع فعلية لإيران.
لكن في المقابل، لم ترتفع اسعار النفط بنحو حاد بسبب الوضع المتوتر في خليج هرمز، وهو ما كان سيؤدي الى نكسة داخلية لترامب، الذي لا يملك سوى الورقة الاقتصادية ليواجه خصومه من خلالها.
في الكواليس الديبلوماسية همسٌ حول وجود فكرة يجري إشباعها درساً، وتقضي بزيارة مشتركة الى طهران، يقوم بها وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا والمانيا، قبل انتهاء مهلة الستين يوماً الايرانية لعقد محادثات حول الإتفاق النووي.
لكن ثمة طرحاً آخر يُدرَس، ويقوم على أساس الإستعانة بخدمات روسيا مرة جديدة. فبعد ايام سيُعقد اجتماع ثلاثي بين مستشاري الامن القومي، في كل من الولايات المتحدة الاميركية وروسيا واسرائيل، في القدس وهم: جون بولتن، نيكولا باتروشيف ومئيربن شبات. هذا الاجتماع مخصص للبحث في ملفات الشرق الاوسط، وخصوصاً ملف سوريا والحضور الإيراني فيها.
وهناك من يراهن على مساعدة روسيا للضغط على إيران. ذلك ان روسيا اصطدمت بإيران في سوريا مرات عدة بسبب التعارض في المصالح. وأبرز هذه المحطات التصادمية ثلاث وهي:
1- رفض روسيا طلباً ايرانياً بشراء منظومة S-400 للدفاع الجوي. وقال حينها محللون روس، إنّ صفقة البيع لإيران تشكّل تهديداً لاستقرار المنطقة.
2 – سعي إيران الى تركيز نفوذ لها على الساحل السوري، وهو ما تجلّى في منع إقامة موقع لها في مرفأ اللاذقية، ما أثار حفيظة موسكو، التي تريد الساحل السوري منطقة نفوذ روسية صافية.
3 – سماح موسكو لاسرائيل بمهاجمة أهداف ايرانية في شمال سوريا، على رغم من انّ هذه المنطقة لا تدخل في إطار تهديد الأمن الاسرائيلي كما تدّعي تل ابيب.
لكن المسألة ليست بهذه البساطة. ذلك انّ التناقضات الروسية – الايرانية تمّ تنظيمها خلال الفترة الأخيرة، خصوصاً أنّ حضور كل فريق في حاجة الى دعم ومساندة الفريق الآخر. أضف الى ذلك، ان مصير ادلب لم يتضح بعد وهو يزداد تعقيداً، بسبب تركيا وربطها هذا الملف بملف الأكراد شرق الفرات.
كما أنّ روسيا استفادت كثيراً من النفط الإيراني في ظل العقوبات، وحققت أرباحاً كبيرة، مرة بسبب إستحواذها على السوق الاوروبية كبديل من النفط الايراني، ومرة ثانية من شراء النفط الايراني بأسعار متدنية وإعادة بيعه الى الاسواق بالأسعار العادية.