«خاتم إيفلاند» كل من يحصل عليه يموت.. تكريم أم لعنة؟
بعد وفاة الممثل السويسري برونو غانز في فبراير/شباط 2019 فتح المسؤولون في فيينا خزنةً ليكتشفوا سراً مخبأً بعناية. داخل الخزنة كانت قصاصة ورقٍ عليها توقيع غانز، واسم الممثل الذي اختاره. كانت تلك بداية أحد أغرب الطقوس في عالم المسرح في أوروبا.
كان غانز المعروف عالمياً بلعبه دور الملاك في فيلم Wings of Desire للمخرج فيم فيندرز، وتجسيده دور هتلر في فيلم Downfall، واحداً من عمالقة السينما الناطقة بالألمانية، وكان آخر حاملي خاتم ايفلاند، الذي يعود لأكثر من قرنٍ من الزمان، ويمنح لـ»أجدر» الممثلين في ألمانيا.
يختار كل حامل خاتمٍ خليفته -وهو دائماً ما كان رجلاً- ويكتب اسمه على ورقةٍ تُخبّأ في فيينا لحين وفاة حامله.
وقد اختار غانز وريثاً له هو جينز هارزر البالغ من العمر 47 عاماً، والممثل بفرقة تاليا هامبورغ المسرحية. ويُنتظر أن يتسلم الخاتم في مراسم تُقام على مسرح بورغ في فيينا في الـ16 من يونيو/حزيران الجاري، وسيعني ذلك التكريم ارتقاء هارزر إلى قمة عالم التمثيل في أوروبا.
لكن الجائزة تأتي مثقلةً بحملٍ تاريخيٍ: لعنةٌ مفترضةٌ، اتهاماتٌ بالتمييز الجنسي وبالتعاون مع النازية. وبالنسبة لهارزر فالخاتم يعني ترقباً دقيقاً لوفاته؛ بحسب ما نُشر في صحيفة The New York Times الأمريكية؛ ولكن ما هي قصة هذا الخاتم؟ هذا ما سنعرفه
الوريث الحالي.. جدارة واستحقاق
وفي مقابلةٍ أُجريت معه مؤخراً في مسرح تاليا كان هارزر متواضعاً حيال ذلك الخبر الكبير، فقال: «بالتأكيد لست أجدر ممثلٍ في جيلي أو أي شيءٍ من هذا القبيل. إطلاقاً. ذلك من قبيل التهويل لا أكثر».
ثم يُضيف: «لكن من أنا لأنتقد ذلك؟».
ولطالما حظي هارزر بتقدير جمهور المسرح الألماني. ويُعرف النجم النحيف طويل القامة عذب اللسان المنحدر من مدينة فيسبادن بألمانيا ببراعته اللغوية وحضوره الطاغي على المسرح.
قضى الممثل فترة كبيرة من حياته المهنية في فرقة ميونيخ كاميرسبيلي المسرحية، ومثّل على أكبر المسارح بألمانيا.
لكن ولأنه دائماً ما كان يتحاشى السينما والتلفزيون، باستثناء لعبه لدورٍ مساعدٍ مؤخراً، مؤدياً شخصية د.شميديت في مسلسل Babylon Berlin، فقد ظل غير معروفٍ عالمياً على نطاقٍ واسع.
وقال هارزر إنه لطالما كان ممن يقدرون غانز قبل حتى أن يلتقيا في ميونخ عام 1996؛ ليلعبا في مسرحيةٍ دور أبٍ وابنه.
*الممثل جينز هارزر المالك الحالي للخاتم
وقال هارزر إنه بدا واضحاً خلال البروفات أن غانز، الذي يُفترض أنه كان قد تعافى من إدمان الكحول، كان ثملاً.
حين أمر المخرج المنزعج باستراحةٍ انسحب غانز إلى غرفة ملابسه. ناشد هارزر غانز ليعود؛ ليُظهر له أنه لم يكن منزعجاً من سكره، وهي لفتةٌ لطيفةٌ عززت ارتباطهما. (أقلع غانز لاحقاً عن الشرب حتى وفاته).
ويقول هارزر: «اللطيف في أمر هذا الخاتم أنه اختيارٌ شخصيٌ لممثلٍ عظيم. هذا يجعل من ذلك الخاتم الغريب مقبولاً تقريباً».
الجذور المظلمة
ورغم أن أصل ذلك الخاتم يظل مظلماً، فإن إحدى الأساطير تتبع أثره وصولاً إلى الكاتب يوهان فولفغانغ فون غوته، الذي يُفترض أنه منحه للممثل والكاتب المسرحي فيلهيلم إيفلاند في وقتٍ ما قرب بداية القرن الـ19. وفي تاريخه الطويل فاز بالخاتم على ما يبدو تسعة رجالٍ فقط، الذي يحمل نقشاً لوجه إيفلاند وحوله 28 ماسة صغيرة.
وكان أحد حاملي الخاتم، وهو ألبيرت باسيرمان، هو من اعتبر الخاتم ملعوناً، بعد وفاة ثلاثةٍ من مرشحيه قبل أن يفوزوا به. رمى ألبرت الخاتم على نعش أحد مرشحيه قُبيل دفنه، لكن أنقذه مخرج مسرح بورغ، المسرح الأول في النمسا.
تُشرف الحكومة الألمانية الآن على الجائزة. ويتوجب على الفائزين بالخاتم تسمية مرشحيهم خلال ثلاثة أشهرٍ من تسلمهم له، وتحفظ الورقة التي تحمل اسم المرشح في سريةٍ لحين وفاة حامل الخاتم.
وفي عام 1954 وصل الخاتم إلى فيرنر كراوس، ألمانيٌ ذو صلاتٍ بالنظام النازي، وقد مثّل في Jud Süss، وهو فيلم بروباغاندا سيئ السمعة معادٍ للسامية أُنتج بأمرٍ من جوزيف غوبلز.
وحين سُئل عن ارتباط الخاتم بكراوس قال هارزر: «لا أهتم» مضيفاً أن سياسة الخاتم «تخص الآخرين ليقلقوا حيالها».
للرجال فقط؟
ولأن الخاتم لم يمنح من قبل إلا للرجالٍ، فقد تحولت الأسئلة السياسية إلى أسئلةٍ جنسيةٍ الآن، وأسئلةٍ عما إذا كان الأوان قد آن لتنال ممثلةٌ ذلك الشرف.
وهناك لغطٌ حول ما إذا كان دور الخاتم يسمح بمنحه لامرأةٍ. (يُذكر أن نسخةً نسائيةً أقل شهرةً هي خاتم ألما سيدلر قد انطلقت عام 1978). وفي رسالةٍ إلكترونيةٍ شرحت متحدثةٌ باسم وزارة الثقافة النمساوية كيف أن قوانين خاتم إيفلاند لا تشترط في المرشح أن يكون رجلاً.
*الممثل النمساوي برونو جانز المالك السابق للخاتم
وتقول إشتر سليفغوت مؤسسة مجلة المسرح الإلكترونية Nachtkritik في مقابلةٍ هاتفيةٍ إنه حتى لو كان الفوز بخاتم إيفلاند متاحاً أمام النساء من الناحية النظرية، فإن من الراسخ في المجتمع أن «العبقري وحده يمكنه ملاحظة عبقريٍ آخر»، وأن «مبدأ العبقرية» هو فكرةٌ ذكوريةٌ بالأساس.
وشبهت الأمر بالخاتم الذي يرتديه الأسقف أو الكاردينال ويُقبله المتعبدون. تقول: «لو أنك تعلم شيئاً عنه، فقد تعتقد أن تلك غباوةٌ لكنها طريفةٌ كذلك».
وتُضيف: «بالطبع يجب أن تحصل عليه امرأةٌ. سأكون مستفزةً وأقول إنه لا يهم إذا كان الاسم على ورقتي اسم رجلٍ أم اسم امرأة».
متى ستموت؟
من جهته يقول هارزر إن أكبر الممثلات الألمانيات إنجازاً أبدين اهتماماً قليلاً بالجائزة. وقال: «أقسم لك إنهن لن يتجولن وهن يفكرن (آمل أن أكون أنا التالية بعد أن يموت هارزر)».
درس هارزر، الذي ينتمي لعائلةٍ يصفها بأنها من «الطبقة المتوسطة جداً. دون أي اهتمامٍ بالأدب ولا بالمسرح»، التمثيل في مدرسة أوتو فالكنبورغ في ميونيخ.
لكنه يقول إنه تعلم الكثير من مهاراته خلال عمله كجزءٍ من نظام المسرح الجماعي المدعوم من ألمانيا، والذي يُتيح للمسارح بتشغيل الممثلين بأجورٍ واستخدامهم في مسرحياتٍ متنوعةٍ كل موسمٍ.
*مسرح بيرج الذي ستتم فيه مراسم تسليم الخاتم
ويقول هارزر إنه «أفضل إثباتٍ» لقيمة ذلك النظام؛ موضحاً أنه يوفر خدمةً عامةً، ويرعى المواهب. ويقول كذلك: «أعتقد أنه جديرٌ بالدفاع عنه بكل تأكيد. إنه بأهمية وجود بركة سباحةٍ أو مكتبة».
يقول كذلك إن خاتم إيفلاند يأتي بصحبةٍ مروعة، موضحاً: «بهذا الخاتم يُقال لك ببساطةٍ: متى ستموت؟ وتكمن أفضليتي في أنني واجهت الموت خلال السنوات القليلة الماضية».
يحكي هارزر أنه اكتشف إصابته بمرض خطير منذ سنتين، لكنه رفض تسمية مرضه. تطلب هذا منه التوقف عن العمل والخضوع للعديد من العمليات الخطيرة، لكنه يقول إنه تعافى الآن.
وقال: «خضنا كعائلةٍ أنا وطفليّ وقتاً عصيباً. والآن فقد خضت الكثير من الجولات مع الموت، حتى بات لا يُخيفني».
عربي بوست