هل نجح الرئيس الأسد في إسقاط مقولة: “الحرب الأهليّة”؟!!!..
عمل الرئيس الأسد على تظهير حقيقة الحاصل في بلاده، أو على بلاده، من خلال حيثيّة كاسرة للمشهد الرئيسيّ في العدوان، والتي اشتغلت عليها أطراف العدوان وبذلت من أجلها جهداً كبيراً، حين نجح في تحديد الهوية الحقيقيّة لـ “حامل العدوان” على الدولة والمجتمع!!..
-ففي الآن الذي نجحت أطراف العدوان، في البدايات، من تصوير العدوان على أنّه “ثورة” من قبل مكوّنٍ اجتماعيٍّ – روحيٍّ محدّد، كان يمثّل غالبية السوريين الذين ينتمون إلى “أهل السنة والجماعة”، من خلال تصوير “النظام السياسيّ” على أنّه “نظام طائفيّ”، يصادر حقوق الأغلبية المجتمعيّة السوريّة، ويستبدّ فيها استبداداً طاغيّاً وتاريخيّاً، في هذا الآن بالضبط، نعم، نجح الرئيس الأسد نجاحاً باهراً بتظهير الحقيقة الموضوعيّة لـ “حامل” هذه “الثورة”، والذي هو في حقيقته كان “حامل فوضى” ليس إلاّ!!..
-لا يمكننا القفز فوق حقيقة تقول بأنّ أطراف العدوان استطاعت تسويق مقولة “الحرب الأهليّة” القائمة على أساسٍ “طائفيّ” في مساحات كبيرة من المجتمع السوريّ، وهو تسويقٌ لم يكن فقط ضمن النسق الاجتماعيّ لـ “أهل السنّة” في المجتمع السوريّ، على العكس تماماً فقد كان هذا التسويق الكبير في مساحات مجتمعيّة أخرى، كانت ترى في “حامل العدوان” على الدولة “حاملاً سنيّاً” بامتياز!!!..
-لقد تعاملت أنساقٌ واسعةٌ من المكونات المجتمعيّة السوريّة الأخرى، دينيّة ومذهبيّة، على أنّ الحرب الدائرة إنّما هي “حربٌ أهليّة”، باعتبار أنّ المشهد الحاكم لظاهر المواجهة هو مشهد “طائفيّ” بامتياز، وبالتالي فإنّ مواجهة العدوان من قبل هذه الأنساق، في لحظات عصيبة من هذه الحرب، كانت تقوم على هذا الأساس، بمعنى أنّ الفعل الظاهر الذي حُمّل عليه العدوان هو فعل “طائفيّ” اصطفت إلى جانبه قوى ودولٌ وتياراتٌ وأحزابٌ اصطفافاً طائفيّاً وتحت عناوين ومفردات ولغة طائفيّة مقيتةٍ!!!..
-لقد كانت حركة الدولة ثقيلة جدّاً في إعادة إنتاج المشهد الحقيقيّ للعدوان وأدواته، خاصة وأنّ تضحيات كبيرة بُذلت تحت هذا العنوان، وفي ظلّ هذا المشهد وتلك الاصطفافات والخطابات الطائفيّة التي كانت حامل اللحظة الدامية والخطيرة، إضافة إلى ماكنة إعلاميّة تابعة للدولة ومؤسساتها لم تكن قادرة على أن تحاكي طبيعة هذه المواجهة، ولم تستطع هذه الماكنة أن تواجه ماكنة إعلاميّة أخرى كانت فاقعة في خطابها الطائفيّ، وكانت جزءاً رئيسيّا من العدوان والحرب ذاتها!!!..
-كانت الدولة بحاجة إلى جهد كبير جدّاً، ونخبٍ قادرة على فهم حقيقة هذه المعركة، وتفاصيل الصراع والمواجهة ذاتها، نخبٍ تكون مقتنعة حقيقة بهذه التفاصيل وهذه الحقيقة، وتمتلك القدرة على هذه المواجهة باعتبارها عدواناً يحمل هذا المعنى في لحظة خانقة ثقيلة جدّاً على السوريين جميعاً، خاصة حين يُفهم أنّ العدوان في حقيقته لم يكن إلا عدواناً شاملاً على الدولة والمجتمع، كون أنّ الهدف الأخير للعدوان لم يكن كما كان يسوّق له، على أنّه انتصار لفئة على فئة، وإنّما هو كذلك وصولاً إلى فوضى شاملة تعيد إنتاج الدولة والمجتمع وفق أسسٍ جديدة لا يكون بمقدور السوريين البقاء تحت سقف مؤسسة دولة واحدة!!!..
-استطاع الرئيس الأسد أن يفرّق بين “الحامل الاجتماعيّ – الروحيّ” الذي أرادت له أطراف العدوان أن يكون معبّراً عن نسق مجتمعيّ – روحيّ سوريّ محدّد وبين هذا النسق في اصطفافه ودوره المجتمعيّ الحقيقيّ والطبيعيّ، لهذا، وبعد عملية التظهير التي ذكرناها أعلاه، حين أعاد إنتاج علاقة الدولة والمجتمع مع هذا النسق في مفصل هام منه، ألا وهو مفصله الذي عبّر عن مشهديّة مجتمعيّة يعبّر عنها جزء من هذا النسق المجتمعيّ – الروحيّ، ونعني به بالضبط المؤسسات التي كانت ترعى وتشرف على نشاط دينيّ مجتمعيّ تمثَّل في دور وعمل وزارة الأوقاف وملحقاتها!!!..
-لقد استطاع الرئيس الأسد أن يفصل بين “حامل فوضى” من السوريين، وبين النسق الدينيّ الذي هو أساساً تعبيرٌ طبيعيٌّ عن حالة روحيّة – دينيّة، كان وما زال وسوف يبقى، رئيسيّاً من رئيسيّات مجتمع الدولة، بمعنى آخر، لقد نجح الرئيس الأسد في التفريق بين هزيمة “حامل الفوضى” وبين الحفاظ على النسق الرئيسيّ الذي أرادت له أطراف العدوان أن يكون، ولو إعلاميّاً، حاملاً لـ “الثورة” المزعومة عليه!!!..
-بهذا المعنى استطاع الرئيس الأسد أن يحقّق انتصاراً كبيراً على أطراف العدوان حين نجح في عزل “حامل الفوضى” عن حاضنة كان يتم الاشتغال عليها كي تكون في مواجهة الدولة، أو تقديمها على أنّها كذلك، وأعاد التركيز عليها باعتبارها طرفاً سوريّاً منتصراً على ذاته أولاً، وعلى أطراف العدوان ومشروعها ثانياً!!!..
-وبدلاً من أن يتمّ تقديم المكوّن المجتمعيّ “السنيّ” على أنّه مكوّنٌ في مواجهة الدولة، وتمّت هزيمته والانتصار عليه، حافظَ الرئيس الأسد على التواصل معه، وفق أسسٍ قانونيّة ودستوريّة ترعاها مؤسساتٌ بعينها، باعتباره مكوّناً خاض المعركة في مواجهة ما كان يعدّ له، من قبل من كان يستغلّه أساساً، كي يكون رئيسيّاً وأساسيّاً في إسقاط الدولة وتفكيكها وتفتيتها!!!..
-بهذا المعنى فقد استطاعت الدولة، من خلال مقام رئاستها، تكريس الحقيقة الوطنيّة التي تقول، بكلّ موضوٍعيّة، ٍإنّ “الحرب الأهليّة” التي سوّق لها كثيرون، على أنّها حربٌ بين مكوّنات مجتمعيّة سوريّة، إنّما هي حرب على الدولة ومجتمعها، ولم يُستثنَ منها أيّ مكونٍ كان، أو أنّها حربٌ كانت من أجل حقّ مكوّنٍ من مكوناتها، حين نجحت الدولة في تقديم السوريين، كلّ السوريين، على أنّهم كانوا ضحايا عدوان عليهم جميعاً، وأنّهم جميعاً وقفوا في وجهه وهزموه هزيمة نكراء!!!..
-إنّ الحرب التي كانت على السوريين من أجل فصل وعزل “النظام السياسيّ” عن حاضنته الشعبية الطبيعيّة، لم تنجح في إنتاج هذا العزل وهذا الفصل، باعتبار أنّ المكوّن الذي تمّ الاشتغال عليه، كي يكون في مواجهة الدولة و”نظامها السياسيّ”، تمّ تظهيره، وهو كذلك، باعتباره أساسيّاً في الدفاع عن الدولة وعن مجتمعها كاملاً..
خالد_العبود..
اقرأ المزيد في قسم الاخبار