من بينها «الموت رعبًا».. 4 أسباب نفسية قد تؤدي إلى الموت المفاجئ
أن تهدد الاضطرابات النفسية والعقلية الحياة أمرًا يمكننا إدراكه؛ فعلى مدى عقود كان الانتحار هو السبب الرئيس للموت الناجم عن اضطراباتٍ نفسية حادة؛ إذ نجد أن 50% من المصابين بالفصام حول العالم يحاولون الانتحار سنويًا، في حين يَسلب 15% من مرضى الاكتئاب حياتهم بأيديهم.
لكن هل يمكن للنفس البشرية المعقدة أن تقود الإنسان إلى موتٍ طبيعي «مفاجئ»؟ هل يمكن للجسد البشري أن يتوقف فجأة عن العمل استجابةً لرغبات النفس والعقل؟ في هذا التقرير، يجيبك علماء النفس.
1. هل يمكن أن نموت ببساطة إذا فقدنا الرغبة في الحياة؟
في علم النفس، هناك مصطلح يعرف بـ«الموت النفسي»، وهو مرحلة أخيرة، تسبق الموت الفعلي المفاجئ، يصفها دكتور جون ليتش قائلًا: «هي مرحلة استسلام تام، وفقدان الرغبة في الحياة، تجد فيها المرء راقدًا بين نفاياته وإفرازات جسده، دون أن يحرك ساكنًا، حينها لا يمكن لأي شئ أن يوقظه من سباته». تلك هي الحالة التي يستحيل معها إحياء شخص ما، وبحسب ليتش يستغرق الأمر من ثلاثة إلى أربعة أيام.
في دراسة بعنوان «الاستسلام»، يقول دكتور جون ليتش، من «جامعة بورتسموث»: إن مصطلح «الاستسلام» – ويعني الاستسلام للموت – قد طرح منذ عقود في الفرضيات الطبية، إلا أن هذه هي أول دراسة علمية تتفحص هذه الظاهرة؛ لتؤكدها طبيًا. يضيف ليتش أن الصدمات الشديدة قد تسبب «الموت النفسي»، حينها يصبح الموت الجسدي حلًا عقلانيًا، وفي خلال يومين أو ثلاثة من ممارسة «التخلي عن الحياة» وظهور علامات الانسحاب، يموت المرء جسديًا.
وضع ليتش خمسة مراحل للاستسلام. كان أولها «الانسحاب الاجتماعي»، والذي يتبع الصدمة النفسية مباشرةً، مثلما يحدث لحالات «أسرى الحرب»، وعلى الرغم من أن الانسحاب الاجتماعي قد يكون غرضه إعادة تنظيم «الاستقرار العاطفي» للفرد، إلا أنها في حالات التخلي والاستسلام يصاحبها «قلة العواطف، والكسل، والانغلاق على الذات»، وهو ما قد يؤدي إلى موتٍ نفسي، يتبعه الموت المفاجئ.
المرحلة الثانية كانت «اللامبالاة»، وهي خليط من الموت العاطفي والحزن الشديد. يفقد فيها المرء الرغبة في الاهتمام بالنفس، يتبع ذلك انعدام القدرة على بذل أي مجهود. من ثم تأتي المرحلة الثالثة، وهي «انعدام الإرادة»، وفيها يعجز المرء عن اتخاذ أبسط القرارات، فاقدًا الرغبة في فعل أي شيء يساعد به نفسه، حتى يفقد الغرائز الإنسانية الأساسية، مثل تناول الطعام أو الاستحمام.
تأتي المرحلتان الأخيرتان متمثلتان في «اللا شعور بالألم»، وهو فقدان نفسي للإحساس بالألم، حتى أثناء الضرب أو التعذيب، يتبعه «موت نفسي».
«يجب أن نتعامل مع الوفاة النفسية على أنها أمر حقيقي يحدث كل يوم حول العالم» * د. جون ليتش
«الموت النفسي ليس انتحارًا»، هذا ما يؤكد عليه ليتش مُشيرًا إلى أن هذا النوع من الموت لا يرتبط بالاكتئاب؛ وذلك لأن فعل التخلي عن الحياة متبوعًا بالموتِ يحدث عادةً خلال أيام، وغالبًا ما يكون السبب صدمة نفسية شديدة. يقول عن ذلك: «في كثيرٍ من الحالات، كان الرجال والنساء يتمتعون بصحةٍ جيدة، وكان موتهم بلا أي سبب يمكن تفسيره»، ووفقًا للدراسة كان التفسير العلمي للموت المفاجئ يرتبط ارتباطًا مباشرًا بتغيراتٍ في «دائرة القشرة الحزامية الأمامية»، جزء من قشرة الفص الجبهي للدماغ، وهي المسؤولة عن دوافعنا وسلوكنا الموجه.
الصدمات الشديدة قد تؤدي إلى حدوث خلل في «الدائرة الحزامية الأمامية» لبعضِ الأشخاص، ونتيجة لذلك يفقدون الدافع للتكيف مع الحياة والاستمرار. بحسب ليتش عندما نفشل في إيجاد دافع للحياة فإن اللامبالاة تصبح رفيقنا الذي لا مفر منه.
2. أن تموت من الخوف.. حرفيًا
في عام 2010 نشر موقع «سيكولوجي توادي (Psychology Today)»، قصة دانييل جولدبرج، المرأة البالغة من العُمر 26 عامًا والتي كانت تستعد لاستخدام المصعد من أجل الوصول إلى منزلها في الدور السادس، حين انقطع التيار الكهربائي لمدة نصف ساعة. 30 دقيقة وحدها بين ظلام الجدران الحديدية للمصعد، تعاني من نوبة فزعٍ متزايدة، وتحاول استخدام هاتفها المحمول من أجل الاتصال بوالدتها، لكن دون جدوى. بعد عودة التيار الكهربائي أخرجوها من المصعد تعاني من حالة إغماء، توفيت في المستشفى بعد وقتٍ قصير، وكان سبب الوفاة واضحًا: «الخوف الشديد».
(ما الذي يحدث للجسد عند الشعور بالخوف؟)
كانت الحقيقة أكثر تعقيدًا من ذلك؛ إذ أدت نوبة الفزع التي راودتها إلى تحفيز الجهاز العصبي بالكامل، والذي بدوره أدى إلى خفقان القلب بعنفٍ شديد، حتى أصبح غير قادر على التعامل مع الجهد المبذول، وكانت النتيجة «سكتة قلبية». كانت دانييل ضعيفة بشكلٍ خاص ومريضة قلب، فهل يستبعد هذا فكرة «الموت خوفًا»؟
«كان الخوف هو السبب وراء زوال بعض رجال القبائل الأصليين؛ إذ نما لديهم اعتقاد بأنهم ملعونون بالسحر». *والتر كانون
عام 1942 نشر والتر كانون، أحد رواد علم الفيزيولوجي، ورقة بعنوان «موت الفودو»، روى فيها العديد من الحوادث التي تفسر ظاهرة زوال رجال القبائل الأصليين، الذين اعتقدوا أنهم ملعونون بالسحر؛ إذ أبلغ علماء الأنثروبولوجيا أن رعاياهم قد ماتوا في ظروفٍ غامضة، وذلك بعدما لعنتهم المحاكم القبلية.
اقرأ أيضا: 8 معلومات ربما لا تعرفها عن الموت…..
كانت إحدى هذه الحالات امرأة من الماوري، أكلت فاكهة، ومن ثم علمت أن هذه الفاكهة قد جاءت من منطقة محرمة، وهو انتهاكٍ مباشر لقانون القبيلة. وفي غضون يوم واحد من أكل الفاكهة المحرمة توفيت المرأة بغتةً. وفي حادثةٍ مشابهة أكل شاب أفريقي دجاجة برية عن طريق الخطأ، وقد كان أكلها محظورًا في قبيلته، وفي غضون يومٍ واحد لم يستطع التغلب على الشعور بالفزع والعجز، فمات ظنًا منه أنه ملعون.
كان العامل الأساسي في حالات «وفاة الفودو» واحدًا، وهو إيمان الشخص بالتعاويذ السحرية، واعتقاده بأن الموت واللعنة يتبعان أي شخص يتجاوز المحرمات. وهو ما يشير إليه جيف وايز، مؤلف كتاب «الخوف الشديد»، مُضيفًا أن الجهاز العصبي للإنسان في حالة الشعور بالفزع أو الخطر قد يعاني من شللٍ كامل، واسترخاء إلى حد اللا شعور بالألم، يتخللها صعوبة في التنفس، وازدياد معدل ضربات القلب، لكن الخطورة تكمن في استمرار فترة الهدوء والاسترخاء؛ إذ يمكن لذلك أن يرفع معدل ضربات القلب وضغط الدم حد الموت.
3. اضطرابات الطعام.. وارتفاع معدلات الموت
هناك اعتقاد خاطئ بأن الأشخاص الرياضيين لا يمكن أن يعانوا من أمراض «اضطرابات الطعام»، إلا أن العديد من الرياضيين من العدائين والفرسان ولاعبي الجمباز والمصارعين يتشاركون جميعًا في وجهة نطرٍ واحدة، وهي الجسد المثالي، والوزن الأمثل للجسد. في هذا الأمر لا يختلف الرجال عن النساء، عارضات الأزياء أو عدائو الماراثون جميعهم يرون أن الجسد المثالي ضرورة للتفوق في حياتهم المهنية، وهو الأمر الذي يدفع كثيرين منهم إلى «فقدان الشهية العصابي».
(قبل وبعد الشفاء من فقدان الشهية العصابي)
في الآونة الأخيرة، من بين كل الأمراض النفسية كانت «اضطرابات الطعام» مسؤولة عن أعلى معدل للوفيات بين الجميع. يقول عن ذلك الدكتور دوجلاس فيلدرز لموقع «سيكولوجي توداي»: إن «اضطراب الشهية العصابي» والمعروف كأحد اضطرابات الطعام، يؤدي في النهاية إلى حالة سوء تغذية مزمن؛ مما ينتج عنه خسائر جسدية لا حدود لها، متمثلة في فشل أعضاء الجسد المتعددة، ومن ثم الموت المفاجئ.
بحسب دوجلاس، الأشخاص الذين يعانون من «اضطرابات الطعام» غالبًا ما يسيطر عليهم «وهم السمنة»؛ إذ يشعرون دائمًا بضرورة إنقاص وزنهم، وهو أمر لا يتوقف، حتى بعد الوصول إلى درجاتٍ معقدة من النحافة. بالتدريج يصبح لديهم تصورٍ مشوه عن الوزن إلى درجة أن ينظر المريض إلى ساقيه مجتمعين كنوع من أنواع البدانة، مقارنةً مع رجلٍ ذي ساقٍ واحدة. وعادةً ما يتحكم هؤلاء الأشخاص في كميات الطعام التي يتناولونها بشكلٍ قاسٍ، وذلك عن طريق تعمد القيء بعد تناول الطعام، أو إساءة استخدام الملينات.
كان هناك مريض صغير في السن (19 عامًا) يعاني من فقر الدم، وارتفاع في أنزيمات الكبد، ووظائف كلى ضعيفة، علاوة على نقص معدل السكر في الدم، هذا إلى جانب أنه «لم يستطع التوقف عن ممارسة الرياضة»، كان الإفراط في ممارسة الرياضة بالنسبة إليه أمر معتاد، حتى أصبح وزنه أقل من المعتاد؛ مما أقلق مدربه وولي أمره، وأرسلوه إلى الطبيبة ميشيل يورجنسن. يحكي دوجلاس أن الملف الطبي لهذا الشاب المريض بفقدان الشهية كان يوحي بأنه يعاني من التهاب الكبد الوبائي، أو السرطان، هكذا أخبرته الطبيبة.
يصف دوجلاس هذا الاضطراب بـ«الاضطراب المميت»؛ إذ تبلغ معدلات الانتكاس من 50 إلى 70%، أما من يتحسنون بشكلٍ ملحوظ فنسبتهم لا تتجاوز 20%، ويموت حوالي من 10 إلى 20%؛ إذ تأتي الآثار الجانبية لهذا المرض في شكل ضمور في المخِ والعضلات، إضافةً إلى انخفاض ضغط الدم، وعدم انتظام ضربات القلب، فشل القلب والكلى.
4. ماذا تعرف عن «متلازمة القلب المكسور»؟
هل يمكن أن يموت شخص من الحزنِ على شخصٍ آخر، أن يودع الحياة في فترة الحداد كما نرى أحيانًا في الأفلام السينمائية والروايات؟ يجيب عن ذلك الأطباء في دراسة علمية نُشرت منذ 15 عامًا. يقول فيها الدكتور إيلان ويتشتاين: إن «الإجهاد العاطفي» والضغط النفسي قد يسبب الموت المفاجئ.
في مدينة بالتيمور، ولاية ميريلاند الأمريكية، استقبلت وحدات العناية المركزة، 19 حالة بين عامي 1999 و2003، منهم 18 امرأةً ورجلًا عانوا من آلامٍ في الصدر وضعف في وظائف القلب إلى درجة تستوجب علاجًا شديدًا للمحافظة على دوران الدم في الجسد. حتى أنهم كادوا يلاقون حتفهم لولا تدخل الأطباء.
أغلبهم كانوا من كبار السن (حوالي 63 عامًا)، إلا أن البعض الآخر كانت أعمارهم تتراوح بين 27 و32 عاما. لم يوح تاريخهم الطبي بأية بادرة للمرض، ضحايا يتمتعون بصحة جيدة دون تاريخ لأمراض القلب، إلا أنهم تعرضوا للإجهاد العاطفي الحاد بعد وفاة في العائلة أو حادثة سيارة، أو سطو مسلح. أطلق الأطباء على تلك الحالة غير المفهومة اسم «متلازمة القلب المكسور».
(تعريف متلازمة القلب المنكسر)
يشير ويتشتاين إلى أن الإجهاد العاطفي قد يتسبب بشكلٍ غير واضح في تدفق معدلات الهرمونات المرتبطة بالإجهاد النفسي، مثل الأدرينالين بشكلٍ مفاجئ؛ مما ينتج عنه ضعف الوظائف الحيوية للقلب بشكلٍ مؤقت؛ إذ يعجز القلب عن ضخ الدماء بشكلٍ طبيعي، وإذا لم يتلق المريض العلاج بشكلٍ فوري، فقد يموت.
يطلق عليه الباحثون اسم «اعتلال عضلة القلب»، ويخلط الأطباء بينه وبين الأزمات القلبية؛ مما يؤدي في بعض الأحيان إلى التشخيص الخاطئ. عن ذلك يقول ويتشتاين: «كون تلك الحالة غير شائعة، قد يكون نتيجة للتشخيص الخاطئ وعدم القدرة على إدراكها»؛ إذ يتشكك بعض الأطباء في وجودها من الأساس.
عالج ويتشتاين العديد من الحالات، كان من بينهم سيدة تدعى شارون (61 عاما)، وتعاني من السرطان. ابنتها ستتزوج في غضون شهور، وقلقها الأكبر كان اعتقادها بأنها ستموت قبل أن ترى ابنتها عروسًا، وتخطط معها حفل الزفاف. دخلت شارون في حالة إغماء؛ إذ كان قلبها يضخ الدماء بشكلٍ ضعيف جدًا، إلى درجة أن اضطر الأطباء تركيب مضخة عبر الأوعية الدموية في الشريان الأورطي للمساعدة على ضخ الدم، كما وضعت على جهاز تنفس صناعي. بعد يومين تقريبًا عاد القلب يضخ الدماء بشكلٍ طبيعي، وأرسلت المرأة إلى منزلها. يقول ويتشتاين: «المثير للاهتمام حقًا أن أغلب مرضى هذه المتلازمة من النساء».
ساسة بوست