كلمة الله منقوشة على أكفانهم.. هل كان «الفايكنج» مسلمين فعلًا؟
كشفت ملابس الدفن القديمة (ملابس الكفن) التي يعتقد العلماء أنها كانت منسوجة بأنماط خاصة بقبائل الفايكنج عن مفاجأة غير متوقعة على الإطلاق. فقد فوجئ الباحثون بوجود كلمتين منسوختين بالخط الكوفي الشهير بخيوط الفضة على أنسجة الحرير، وهما كلمتا «الله»، و«علي»، نسبة إلى الصحابي علي بن أبي طالب. وتعد هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها العثور على قطع أثرية تاريخية مذكور عليها كلمة «علي» في الدول الإسكندنافية، مما يعده اكتشافًا أثريًا هامًا.
من هم الفايكنج؟
والفايكنج هو مصطلح يقصد به الشعوب الجرمانية النوردية، وتحديدًا ملاحي السفن والمقاتلين والتجار في المناطق الإسكندنافية -حاليًا: الدانمارك والنرويج والسويد-، والذين هاجموا سواحل فرنسا وبريطانيا وأجزاء أخرى من أوروبا في الفترة من أواخر القرن الثامن حتى القرن الحادي عشر، وهي الحقبة التاريخية التي تعرف باسم عصر الفايكنج -تحديدًا بين عامي 793 – 1066 ميلادية-.
كما يجري تمديد مصطلح الفايكنج عادة في اللغة الإنجليزية الحديثة وغيرها من العاميات لسكان مجتمعات الفايكنج خلال ما أصبح يعرف باسم عصر الفايكنج. هذه الفترة من الحركة الشمالية العسكرية، والتوسع التجاري والديمغرافي تشكل عنصرًا هامًا في تاريخ العصور الوسطى في وقت مبكر من الدول الاسكندنافية وأستونيا والجزر البريطانية وفرنسا وأوكرانيا وروسيا وصقلية. وتميزت أنشطة الفايكنج بوسائل الإبحار المتقدمة، والمهارات الملاحية، والسفن الطويلة، مما جعلها في بعض الأحيان تمتد أيضًا إلى سواحل البحر المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
وبعد المراحل الممتدة من الاستكشاف والتوسع والتسوية والاستيطان (في المقام الأول في البحر أو النهر)، جرى تأسيس مجتمعات الفايكنج في مناطق متنوعة من شمال غرب أوروبا وروسيا الأوروبية وجزر شمال الأطلسي وصولًا حتى الساحل الشمالي الشرقي لأمريكا الشمالية. وقد شهدت هذه الفترة من التوسع انتشار الثقافة النوردية على نطاق أوسع، مع الأخذ في الوقت نفسه تأثيرات ثقافية أجنبية قوية في الدول الإسكندنافية نفسها، مع آثار تنموية عميقة في كلا الاتجاهين.
كيف جاء هذا الاكتشاف؟
في حين يبدو للوهلة الأولى أن هذا الاكتشاف مثيرًا للدهشة، فإنه لا يبدو أنه كان أمرًا شائعًا جدًا كما يتخيل البعض، فقد تم العثور على هاتين الكلمتين على ما لا يقل عن عشر قطع من الملابس الحريرية من أصل 100 قطعة حريرية من القبور التي يعود تاريخها إلى القرنين التاسع والعاشر الميلادي واكتشفت حول منطقة جملا أوبسالا في السويد، وكذلك غرف المقابر التي تعود لعصور الفايكنج في مواقع بيركا بوادي مالارين بالسويد أيضًا. وظهر هذا الاكتشاف عندما كان فريق من الباحثين يحاول إعادة تصميم الأنماط الموجودة على ملابس الدفن المخزمة لديهم من أجل عرضها في معرض «فايكنغ كوتور» القادم في متحف إنكوبينغ في السويد.
وتقول أنيكا لارسون، عالمة الآثار النسيجية في جامعة أوبسالا السويدية، «هذا اكتشاف مهم للغاية؛ لأنه يخبرنا بأننا لا نستطيع رؤية هذه الفترة التاريخية على أنها فترة نوردية خالصة». ويقصد بالنوردية هنا العرق النوردي أو العرق الشمالي، وهو واحد من التصنيفات الفرعية للعرق القوقازي. ويتواجد هذا العرق بشكل واضح في بلدان الشمال الأوروبي.
الفايكنج كانوا على صلة بالمسلمين فعلًا!
وتوضح لنا لارسون أن الفايكنج كانوا على اتصال وثيق مع الثقافات الأخرى بما فيها العالم الإسلامي. وهناك أدلة على وجود صلة بين الفايكنج والعالم الإسلامي منذ سنوات عديدة. ففي عام 2009، وجد الباحثون أن سيوف قبائل «الفايكنج آرا» استخدمت فيها تقنيات الفلزات العربية، وربما جرى نقل هذه التقنيات عبر طريق «فولغا» التجاري.
في العصور الوسطى، وصل طريق «فولغا» التجاري شمال أوروبا وشمال غرب روسيا مع بحر قزوين، عبر نهر الفولغا. استخدم الروس هذا الطريق للتداول مع الدول الإسلامية على الشواطئ الجنوبية لبحر قزوين، التي اخترقت أحيانًا إلى بغداد. كان الطريق يعمل بالتزامن مع طريق «دنيبر» التجاري، المعروف باسم الطريق التجاري من فارانجيانز إلى اليونانيين، وفقد هذه الطريق أهميته في القرن الحادي عشر.
وفي عام 2008، جرى الكشف عن كنز من النقود العربية التي تعود لعصر الفايكنج في السويد، وقبل عامين فقط، تم العثور على خاتم وجد في قبر امرأة في القرن التاسع في منطقة بيركا السويدية، مدرج عليها كلمة «الله». أضف إلى هذا أن الباحثين عثروا أيضًا على الحرير الفارسي في سفن فايكنج مدفونة بالنرويج.
في البداية، قالت لارسون إنها لم تتمكن من إيجاد معنى لهذه التصاميم، ولكن بعد ذلك تذكرت أنها رأت شيئًا مماثلًا ونقشًا مشابهًا لهذه الرسوم التي ظهرت باسمي «الله» و«علي». تذكرت أنها شاهدت مثلهم على المنسوجات المغربية من إسبانيا. وتحليل المواد وتقنيات النسيج والتصاميم أشارت الأبحاث أنه ربما تكون هذه المنسوجات والملابس ذات أصل عائد إلى آسيا الوسطى وبلاد فارس.
كلمة «علي» كان من السهل نسبيًا فك شفرتها، ولكن كلمة «الله» كانت أكثر صعوبة على الباحثين، وذلك لأن الرسم والنقش كان معكوسًا كما تظهره الصور. السبب في ذلك غير معروف، ولكن التفسير الأكثر ترجيحًا هو أن النمط والنقش تم ببساطة نسخه بشكل غير صحيح، كما قال أمير دي مارتينو من الكلية الإسلامية في لندن لموقع بى بى سى.
هل كان الفايكنج مسلمين؟
وتعتقد لارسون أن وجود الأسماء على الملابس، تظهر عليها دائمًا الكلمتين معًا، تشير إلى أن الفايكنج لم يقوموا بمجرد التجارة وتبادل السلع مع العالم الإسلامي فحسب، ولكن ربمًا أيضًا أخذوا منهم عادات الدفن والأفكار. وقالت في بيان صحفي «من المفترض أن عادات دفن عصر الفايكنج تأثرت بالإسلام وفكرة الحياة الأبدية في الجنة بعد الموت».
وأضافت أن السلع الخاصة بالكفن مثل الملابس الجميلة والمنسوجة بخيوط ناعمة في هذه الأقمشة لا تعكس الحياة اليومية للمتوفى إلا بقدر ما تعكس الملابس الرسمية في عصرنا وحياتنا اليومية، وينبغي أن ينظر إلى المواد الغنية لهذه السلع على أنها تعبيرات ملموسة من القيم الأساسية.
ليس من غير المألوف بالنسبة للقبور أن تشمل الأشياء والملابس الفخمة التي تدل على مدى غنى ورفاهية الأسرة. وسوف يكون هناك حاجة إلى مزيد من التحليل لمعرفة المزيد، ويجري هذا على الأشخاص الذين دفنوا مع هذه النوعية من الأكفان لتحديد ما إذا كانوا من بلاد فارس أو – وهو المرجح أكثر- فايكنج يرتدون المنسوجات الإسلامية.
وقالت هيلاري دافيدسون من جامعة سيدني، والتي تبحث في نقل المنسوجات الإسلامية والبيزنطية في العصور الوسطى: «كانت نوعية المنسوجات الحريرية الإسلامية من النوع الذي كان يثير طمع الكثيرين، واستخدمت في الكنائس المسيحية في جميع أنحاء أوروبا، وللاستثمارات أيضًا».
وأضافت أنه جرى تقدير هذه النوعية من الملابس والمنسوجات لجودتها وجمالها، وليس لسياقها الديني، الذي أصبح شائعًا وسط عمليات التجارة وتبادل السلع، حيث تم تداول هذه الحرير في أوروبا لعدة قرون، ومن الممكن أن أنماط الكتابة الكوفية الإسكندنافية نشأت كتقليد لنمط المنسوجات الإسلامية دون معرفة ما هو المعنى الذي تدل عليه.
وقالت أيضًا: «قد يكون جرى تطبيق واستنساخ هذه الملابس من الأنماط الإسلامية باعتبارها أمثلة على المكانة العالية، والحرير الثمين، والمنسوجات المميزة في هذا الوقت من عصر الفايكنج». الآن بعد أن كان من المعروف وجود هذه الأنماط، قد يكون من الأسهل في المستقبل التعرف عليه في المنسوجات الأخرى، وربما حتى القطع الأثرية الأخرى. يذكر أنه يجري عرض نتائج الباحثة لارسون حاليًا باعتبارها جزءًا من معرض «فايكنغ كوتور» في متحف إنكوبينغ بالسويد، والذي يمتد حتى 3 فبراير (شباط) 2018.
ساسة بوست