عن العدوان الإسرائيلي على دمشق
تغير “إسرائيل” مجدداً على مواقع عسكرية سورية في ريفي دمشق وحمص، وكما العادة مصدر الصواريخ هي الأجواء اللبنانية، لأن الإسرائيلي يدرك أن أي محاولة لخرق الأجواء السورية لن تمر على طائراته كما السابق برداً وسلاماً، العدوان القديم المتجدد هو يأتي كنتيجة طبيعية لجملة من الأسباب ومفرزات مرحلة بعينها، أولها فشل كل الضغوطات والاستراتيجيات والسيناريوهات التي صيغت للتحشيد والتأليب ضد إيران، وسقوط إمكانية إخراج الأخيرة من الجغرافية السورية، ثانيها التصريحات السورية الرسمية المتكررة فيما يتعلق بجبهة ادلب لجهة أن الأخيرة ليست استثناء من أي تحرير أو عمل عسكري عاجلاً أم آجلاً ، ثالثها محاولة جديدة للضغط على روسيا ولاسيما بعد فشل اللقاء الأمني الروسي الأميركي الإسرائيلي، رابعها إعطاء زخم ميداني للتقدم الذي أحرزته مؤخراً المعارضة المسلحة في ريف حماه الشمالي.
في البحث عن سببية العدوان، يمكن القول ان عدم إبداء روسيا أي مرونة في التعاطي مع الطروحات الإسرائيلية الأميركية المشتركة حيال التواجد العسكري الإيراني في سورية، هو كان من بين الأسباب الرئيسة لدخول الإسرائيلي على خط النار مجدداً ، نيقولاي باتروشيف كان واضحاً جداً في اللقاء الأمني الذي عقد الثلائاء الماضي في تل أبيب مع نظيريه الإسرائيلي والأميركي، وبحضور نتنياهو عندما قال أن محاولات تشويه إيران والإدعاء بأنها خطر كبير على المنطقة، هي محاولات غير مقبولة، وأن طهران هي شريك راسخ لموسكو في محاربة الإرهاب، واستتباب الأمن في سورية، هذه اللهجة أزعجت كثيراً الجانب الصهيوني، وحملته على تنفيذ عدوانه على ريفي حمص ودمشق، فنتنياهو هدد في نفس اللقاء بمواصلة استهداف إيران في سورية لكي لا تكون هناك فرصة لتهديد الأمن الإسرائيلي.
المعروض الإسرائيلي والذي يدير الروسي الظهر له بشكل متكرر، هو معروض كبير جداً في الميزان السياسي، فرفع العقوبات عن ايران وانهاء الحظر عن العلاقات الايرانية العربية ولاسيما الخليجية منها، وضمان بقاء الأسد في السلطة، مقابل الانسحاب الايراني من سورية ،كل ذلك لم تتجاوب موسكو معه كما يشتهي الاسرائيلي، بل ورمت به في سلة المهملات، وكان المحرض الرئيس على ردة الفعل الإسرائيلية، إذ تدرك موسكو أن مسألة بقاء الأسد في السلطة هو أمر بات محسوماً ، ولاسيما بعد استعادة الجيش السوري لجل أراضيه، وأن رفع العقوبات عن طهران هي مسألة تستطيع الأخيرة مواجهته من خلال الموقف الثابت لايران بأنها ماضية في رفع تخصيب اليورانيوم، وهو مالايريده الأوربيون الذين بادروا لفتح القنوات المالية مع طهران برضا أو عدم رضا الأميركيين.
اقرأ أيضا: سوريا: من «عمليات ما دون الحرب»… إلى الحرب؟
ما يدلل على غباء السياسة الإسرائيلية أنها لو انتظرت إلى حين استعادة الجيش السوري لمدينة ادلب، والسيطرة على كامل الأراضي السورية، فمن موضوعية الطرح ومنطق السياسة ، أن لا يكون هناك مبرر لتواجد إيراني على الأراضي السورية، وهو ما ستدعو له دمشق وتدعمه موسكو، وجل بقائها سيقتصر على الشركات ومسألة إعادة الإعمار.
العدوان لن يغير في طبيعة المشهد السوري ولا في مآلاته، فموسكو تتمسك بحلفائها أكثر وتدرك أن البوابة السورية وفرت لها الحضور والثقل الدولي، على الرغم من علاقتها الاستثنائية مع الجانب الإسرائيلي.
د. محمد بكر * كاتب صحفي فلسطيني
رأي اليوم