الجمعة , نوفمبر 22 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

المهمة السرية.. هكذا أفشلت دمشق خطة أميركا للسيطرة على نفط السعودية

المهمة السرية.. هكذا أفشلت دمشق خطة أميركا للسيطرة على نفط السعودية

فور إنشاء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في سبتمبر/أيلول من عام 1947، سافر اثنان من ضباطها باتجاه شرق بيروت متخطين الجبال لمقابلة أحد زملائهما كان قد وصل لتوّه إلى العاصمة السورية دمشق.

كان أرشي روزفلت وكيم روزفلت أبناء عم، وأحفاد الرئيس السادس والعشرين للولايات المتحدة، ومع أنَّ عمريهما لم يتجاوز 29 و31 عاماً، كانا يعتبران من المخضرمين في عالم الاستخبارات.

كان أرشي، الذي أنهى مؤخراً خدمته بصفته ملحقاً عسكرياً في إيران، الرئيس الجديد لمكتب وكالة المخابرات المركزية في العاصمة اللبنانية بيروت.

بينما كان كيم، الذي عمل في مكتب الخدمات الاستراتيجية أثناء الحرب، يتظاهر بأنَّه صحافي في لجنة تعمل لدى مجلة Harper الأمريكية.

أمَّا الرجل الذي كانا يخططان لمقابلته، بحسب ما ذكرته صحيفة forignpolicyفسيصبح معروفاً مثلهما تماماً، وكان اسمه مايلز كوبلاند.

عندما التقى أرشي وكيم بكوبلاند، انطلق الثلاثة في جولةٍ داخل سوريا.

المهمة الحقيقية وراء زيارتهم إلى دمشق
ظاهرياً، كانوا يرغبون في رؤية القلاع المتعددة في البلد؛ لكنَّهم في حقيقة الأمر كانوا يبحثون عن «مواهب دفينة».

ما أرادوه تحديداً هو حصر السوريين الذين يشغلون مناصب ذات نفوذ.

فبحلول خريف عام 1947، أصبحت سوريا تحمل أهمية بالنسبة للولايات المتحدة، تماماً كالتي حملتها بالنسبة للصليبيين قبل 8 قرون.

فأثناء ذلك الوقت، وكما هو الحال الآن، كان موقع البلد، وليس موارده، هو الذي جعله بكل هذه الأهمية.

إذ كان الصليبيون قد اهتموا بسوريا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر؛ لأنَّها كانت تقع على الطريق بين أوروبا والقدس، فلاهتمام الأميركيين الثلاث في عام 1947 سبب آخر؛ لأنها كانت تقع على الطريق المحتمل المخصص لبناء خط أنابيب يضخ كميات هائلة من النفط من المملكة العربية السعودية إلى أوروبا، عبر محطةٍ على ساحل البحر المتوسط.

المشروع المُهم.. وتخريب خطة بريطانية

كان لهذا المشروع أهمية كبيرة للدرجة التي جعلت رجال وكالة الاستخبارات يبادرون بتحركات غير معتادة للتأكد من تنفيذها.

ولم يقتصر الأمر على تخريب خطة بريطانية بدت أنَّها تهدده، فقد تدخلوا أيضاً، لدرجة لم يسبق لها مثيل، في السياسة المحلية بالمنطقة.

ومع أنَّ تلك الواقعة تُمثِّل بداية تدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فهي منسية إلى حد كبير، حتى بين واضعي السياسات في الولايات المتحدة. ومن الواضح أنَّ سوريا ما زال لها أهميةٌ جيوسياسية حتى الآن بالنسبة لبعض الدول، لكنَّ الولايات المتحدة ليست واحدة منها.

سوريا ساحة الصراع الأميركي البريطاني على السعودية

الفكرة القائلة إنَّ سوريا ستكون ساحة لصراع بين الولايات المتحدة وبريطانيا على موارد السعودية لم يكن من الممكن تصورها قبل وصول كيم روزفلت وأرشي روزفلت إلى سوريا في عام 1947.

فبين الحربين العالميتين، كانت سوريا تحت حكم الفرنسيين، وكان الوجود الأميركي ضئيلاً مقارنةً بالوجود الفرنسي ومقتصراً إلى حدٍّ كبير على الأنشطة التبشيرية.

ولكن في عام 1938، اكتشفت شركة أرامكو السعودية، التي كانت آنذاك شركة مشتركة مملوكة للولايات المتحدة، اكتشفت كنوزاً من النفط في صحراء السعودية.

ومع أنَّ الإنتاج كان مقيَّداً في البداية بسبب الحرب، توصل إيفريت لي ديغولير الجيولوجي البارز في النفط إلى نتيجةٍ مذهلة بعد زيارة لها في عام 1944.

100 مليار برميل من النفط
فإيماناً منه بوجود ما يصل إلى 100 مليار برميل من النفط تحت صحراء السعودية، قرَّر أنَّ مركز ثقل قطاع النفط سيتحرك قريباً 8000 ميل (12874.7 كيلومتر) شرقاً، من خليج المكسيك إلى الخليج العربي.

كان لهذا تداعيات عميقة على الأميركيين؛ لأنَّ علاقات أرامكو مع ملك السعودية آنذاك، الذي منحها الامتياز في المقام الأول، كانت متردية إلى حدٍّ ما.

وكانت الحرب قد حرمت أرامكو من سوقها الأولى في الشرق الأقصى، بينما قيَّد نقص الصلب خططها للتوسع. وكانت النتيجة أنَّ الملك، الذي كان يعتمد على دخل النفط المتزايد، افتقر إلى المال، وظل يلمح باستمرار إلى أنَّه قد يسحب الامتياز من أرامكو ويمنح البريطانيين إيَّاه.

الحل، بناء خط أنابيب بترول عربي يربط بين حقول النفط السعودية

وسعياً لإصلاح العلاقات مع ملك السعودية بتمكين الشركة من المنافسة في السوق الأوروبية المتعطشة، وتوسيع النفوذ السعودي في الأردن وسوريا ولبنان التي حصلت على استقلالها بعد نهاية الحرب مباشرة، اقترحت الحكومة الأميركية بناء خط أنابيب بترول عربي يربط بين حقول النفط السعودية، وساحل البحر الأبيض المتوسط.

ومع أنَّ التابلاين، كما كان يُطلَق على خط الأنابيب، ستموله في النهاية أرامكو نفسها، كان المشروع جذاباً من الناحية الاستراتيجية في واشنطن.

فبتسبُّب خط الأنابيب في خفض قيمة النفط السعودي عن النفط الأميركي في أوروبا، سيضمن أنَّ السعوديين سيدفعون عجلة الانتعاش في أوروبا بعد الحرب.

بينما تحافظ الولايات المتحدة على مخزونها المحلي من النفط في حال نشوب حرب أخرى. وعلاوة على ذلك، فإنَّ هذه التجارة ستجني أرباحاً لأرامكو وتزيد من مكاسب مُلَّاكها، التي يمكن للحكومة الأميركية فرض الضرائب على أي منها في المستقبل.

ومن ثَمَّ، سيساعد خط الأنابيب على تعويض بعض المليارات التي كانت الولايات المتحدة على وشك إنفاقها في خطة مارشال، التي كشف عنها وزير الخارجية الأميركي آنذاك جورج مارشال في جامعة هارفارد خلال يونيو/حزيران من عام 1947.

كان العائق الوحيد أمام التابلاين هو أنَّه وضع الولايات المتحدة في حالة صدام مع البريطانيين؛ لأنَّ خط أنابيب أرامكو كان سينافس الخط الذي تديره بالفعل شركة النفط العراقية التي تسيطر عليها بريطانيا، التي كانت تضخ النفط العراقي من كركوك إلى حيفا، إضافةً إلى أنَّه سيبسط النفوذ السعودي في منطقة كان العراقيون وحلفاؤهم البريطانيون يعتبرونها فناءهم الخلفي.

بعد أسبوع من حديث مارشال في جامعة هارفارد، سمع أنَّ الملك عبدالله ذهب إلى العاصمة العراقية بغداد لإجراء محادثات، ثم علم أنَّ عبدالله أكد مجدداً أنَّ هدفه هو إعادة توحيد صفي سوريا والعراق، حينها خطر ببال مارشال أنَّ البريطانيين كانوا يعملون خلف الأستار، وكان تخمينه صحيحاً.

كيم روزفلت هو من أفسد الخطة البريطانية

فبينما كانت الحكومة البريطانية تخفي موقفها من الملك عبدالله، تقرَّب روزفلت من أليك كيركبرايد الذي كان كبير المستشارين البريطانيين لدى الملك الأردني، لكن بصفته كاتباً في مجلة Harper.

وبحسب وصف العميل المزدوج البريطاني كيم فيلبي، كان كيم روزفلت «لطيفاً ومتواضعاً»، وأضاف أنَّه «آخر شخص تتوقع أن يكون غارقاً في حيله القذرة إلى هذا الحد».

نجح روزفلت في الحصول على معلومات مهمة من بريطانيا، التي اتضح أنَّها كانت في الحقيقة تدعم طموح الملك عبدالله.

ولأنهَّ كان يعلم أنَّ خبر دعم البريطانيين الملك عبدالله ليكون ملكاً للاتحاد العربي سيغضب العراقيين، مرَّر الأميركيون هذه المعلومات السرية إلى بغداد.

وفي الوقت الذي كان روزفلت يتجول فيه مع كوبلاند داخل سوريا، أدانت الحكومة العراقية علانيةً خطة عبدالله، ودمَّرتها بنجاح.

ومع أنَّ رؤية بريطانيا مهددةً كانت كافية لتُشعر ضباط وكالة المخابرات المركزية الثلاثة بالنجاح، لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد.
ففي حين أنَّ حكومة شكري القوتلي، الرئيس السوري آنذاك، وافقت على بناء التابلاين، كان الاتفاق ما زال بحاجةٍ إلى تصديق برلماني. ولم تُسهِّل الجهود التي بذلتها أرامكو ووكالة الاستخبارات المركزية لدعم المرشحين المقربين لأميركا في انتخابات صيف عام 1947 بسوريا العملية، ولم ينجح أي من الرجال الثلاثة في الالتقاء أثناء جولتهم في سوريا ذلك الخريف. ولم يكن البرلمان قد صدق على المشروع بعد حين صوتت حكومة الولايات المتحدة، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1947، لمصلحة تقسيم فلسطين لدى الأمم المتحدة، في خطوةٍ أحدثت ضجة في أنحاء العالم العربي كله.

ففي دمشق، اقتحم حشدٌ السفارة الأميركية، بينما هاجم آخرون أحد مخيمات تابلاين في الأردن. ولأنَّ القوتلي بالطبع لم يرغب في إثارة ازدراء الرأي العام، أوقف التصديق على المشروع إلى أجلٍ غير مسمى.

وفي نهاية عام 1948، اعتقد ستيفن ميد -الذي كان أحد زملاء كوبلاند في دمشق- أنَّه وجد الرجل الذي يمكنه إحياء المشروع من جديد.
وكان ذلك الرجل هو حسني الزعيم الذي كان عقيداً طموحاً في الجيش السوري، إذ أخبر ميد وهو يضرب المكتب بسوطه ذات مرة أنَّ «الطريقة الوحيدة لوضع الشعب السوري على طريق التقدم والديمقراطية» هي «باستخدام السوط».

وبعدما تسلم حسني الزعيم السلطة بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية في 30 مارس/آذار من عام 1949، أعلن أنَّه سيصادق على التابلاين بإصدار مرسومٍ رئاسي بعد أيام فقط. وبإزالة هذه العقبة الأخيرة، تم بناء خط الأنابيب في سبتمبر/أيلول من عام 1950، الذي بدأ في ضخ النفط بعد ثلاثة أشهر فقط.

عربي بوست