تكاليف الزواج في سورية.. فاتورة تكسر الظهر وتهدد النسل
تتمتع طقوس الخطبة والزواج في سورية خلال السنوات السابقة بخصوصية معينة،نابعة من العادات والتقاليد السائدة في كل محافظة، الا أن ظروف الحياة المعيشية التي وصلنا اليها بعد 8 سنوات من الأزمة تلاشت هذه الطقوس، مع عزوف الشباب عن الزواج، ما يهدد النسل السوري بتراجعه وتفوق الاناث على الذكور نتيجة فقدان أعداد كبيرة من الشباب بسبب الهجرة والموت .
معادلة الزواج بكل تفاصيلها، لو وضعت أمام رجل اعمال من فئة مليار ليرة ربما يعيد التفكير في أمر الزواج، فما بلك بشاب سوري في مقتبل حياته انهى دراسته الجامعية، والتحق في قوات الجيش العربي السوري منذ ثماني سنوات، وراتبه لمن حالفه الحظ وانهى خدمته بحدود 35 الف ليرة سورية، وان فكر الارتباط بموظفة مثله يكون مجموع دخلهما 75 الف ليرة، ولو فكر العمل في مكان اخر حتى لو لم يناسب شهادته ، يكون مجموع دخولهم لا يتجاوز 100 الف ليرة يروي الشاب همام حسن 37 عاما سبب عزوفه عن الزواج .
توفر البيت هو الهاجس الأكبر للعرسان، وفي حال اقتنعوا بفكرة الاكتفاء باستديو صغير ريثما تكبر العائلة فأقل أجار بيت مساحته 40 مترا بحدود 50 الف ليرة في مناطق المخالفات، ناهيك عن مصاريف عقد الاجار ،وفواتير الكهرباء، والمياه، والهاتف، وعمولة المكتب، ودفع تأمين للبيت ،وتكاليف نقل أغراض البيت والترحيل من بيت الى بيت كل 6 أشهر،أو سنة فكيف ستعيش هذه الاسرة بأقل من 50 الف ليرة في الشهر، وكيف ستبنى الأسرة ومتى سيتم تملكهم بيت العمر.
بيت العمر اليوم يباع المتر على العضم في أسوء المناطق بأكثر من 90 الف ليرة ،وتكلفة اكساء متر البيت في الحد الأدنى اكثر من 50 الف ليرة ، وبحسبة بسيطة أن تكلفة 50 مترا بحدود 8 مليون ليرة ،يحتاج الموظف براتب 35 الف ليرة الى 229 شهرا ، أي أكثر من 19 عاما عليه ان لا يمد يده الى راتبه حتى يسدد ثمن البيت، وفي حال غامر واستلف قرضا من المصرف العقاري فكل ليرة سيدفعها ليرتان بفوائد مركبة ومضاعفة .
ولدى استطلاع اراء العديد من الشباب قام به، ممن دخلوا في مرحلة العنوسة عن سبب عزوفهم عن الزواج، كانت الاجابة بسخريةٌ قد تمثل حالة الامتعاض لدى الكثيرين من الأشخاص، فعجزهم عن تامين تكاليف الزواج كان السبب الاساسي عن عزوفهم، ومنهم من كان لديه أكثر من تجربة، وتجاوز مرحلة الخطبة ،الا أن المسيرة لم تكتمل والمتهم الاساسي بالفشل هو الفقر .
ابراهيم موظف يلقب نفسه ابو ريبال قال لموقع “B2B-SY” : ارتبطت بفتاة منذ 10 سنوات، وتمت الخطوبة منذ أكثر من 3 سنوات ، وحاليا اتحضر للزواج، ولم اتمكن من الاقدام على هذه الخطوة لولا المساعدات المالية الكبيرة التي قدمت الي من والدي ووالد خطيبتي.
واشار ابراهيم الى أن حجز الكرسي في المطعم مع وجبة خفيفة بسعر 4 الاف ليرة، وأجار فستان العرس بين 100 و500 الف ليرة، وأجرة الكوافير اكثر من 150 الف ليرة، وسعر صورة الفوتوغراف 300 ليرة، وفيلم الفيديو مع المونتاج اكثر من 150 الف ليرة ،والطقم الرجالي مع الحذاء أكثر من 50 الف ليرة، وزينة السيارة أكثر من 20 الف ليرة، وسعر بطاقة الدعوة بحدود 700 ليرة، وأجرة الفرقة الموسيقية أكثر من 300 الف ليرة، ومصاريف أخرى لا تعد ولا تحصى.لافتا الى ان هذه الأجور تطلب بشكل مضاعف فقط لكونها تقدم لعرسان .
وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تعرض العديد من معارض المفروشات والادوات الكهربائية حزمة من الحاجيات التي يحتاجها كل من يقدم على الزواج بعروض تعتبرها “لقطة” ،حيث سعر البراد 200 الف ليرة، وغرفة النوم 600 الف ،وطقم الصوفا 250 الف، والغسالة 170 الف، وفرن الغاز 80 الف، والمروحة 25 الف، ويقدم المعرض هدية لمن فاتورته تزيد عن المليون ليرة خلاط كهربائي .
وبالرغم من تنوع العادات في سورية، بين اقامة الاكليل، او المولد، او الحفلات والسهرات في المطاعم، الا ان التكاليف تكاد تكون متقاربة، كون اسعار المواد مرتفعة، فأقل ذبيحة وزنها 40 كيلو غرام يتجاوز سعرها 95 الف ليرة، وكون جميع الاسعار ارتفعت 10 أضعاف باستثناء رواتب اصحاب الدخل المحدود، التي بقيت فرنكات تصرف خلال ساعات من استلام الراتب .
يشتكون من سوء أوضاعهم المادية، بجانب ارتفاع كلفة الزواج والمتطلبات العالية، ونحن نتبع عادة “القلم الحمرا” – وهي عادة غربية تلجأ اليها المرأة للتعويض عن حالة الفراغ لديها فتتزين وتذهب للمقاهي للتسامر مع المعنسات من ذويها – تشرح الفتاة فاتن الفهد التي تجاوزت سن 36 عاما حالتها وحال الشباب وتقول: “الله يكون في عون الجميع” داعية الى النظر الى عمق المشكلة ، كون جيل كامل من الفتيات يدفعن ضريبة غياب الشباب على الجبهات ، أو عدم تمكنهم من الزواج بسبب ارتفاع التكاليف لدرجة لا تصدق .
مهر وشبكة وخطبة وحفل زواج وبيت وعفش وصبحية وكل مايلزم، من يستطيع ان يتكلف هذه المصاريف ،يسأل حاتم موسى مالك موقع الياقوت السوري الاخباري ويقول: تكاليف الزواج وصلت لدرجة غير قادر على التفكير بها، داعيا الى ايجاد حل لعنوسة الرجال التي فرضها الفقر، والغلاء، والتي لها تأثير مباشر على تعداد النسل السوري، وانخفاضه، كون واقعات الزواج تسجل في الحدود الدنيا، بسبب ظروف البلد وسفر العديد من الشباب، وعدم اقدام الشباب على هذه الخطوة .
تكاليف الزواج المرتفعة، وأعداد الفتيات العانس شجعت الشابة سهى 30 عاما على عدم رفض الزواج من رجل متزوج ويكبرها ب20 عاما، وبينت ان الفتاة بين خيارين أحلاهما مر، اما ان تحرم نعمة الأمومة، او تتنازل عن البرستيج الذي فرضته الفتيات نتيجة التقليد الأعمى الذي كرسته وسائل التواصل الاجتماعي، معتبرة ان تعدد الزوجات هو الحل الامثل للعنوسة، بالنسبة للرجال الذين يملكون ملاءة مالية، ولديهم عقارات وقادرين على فتح اكثر من منزل .
فاتورة الزواج اليوم طغت على الحقيقة الجوهرية للزواج، ولم يعد المهر عطاء يوثق المحبة ويديم العشرة ويربط القلوب، بل تحول الى بنود قضائية وثقافة مجتمعية يتسابق عليها الشباب ويدفعون ضريبتها عنوسة وضياع بالنسل .
“بزنس2بزنس سورية”