’غلاء المهور يكسر الظهور‘ .. شباب سوريا يعاركون للوصول إلى ’الزواج‘!!
بعد قصة حب استمرت سنوات بين لؤي وليال، وبعد طول انتظار لتحقيق الحلم الموعود بالزواج، صدم لؤي بطلب أهل ليال لمهر قدره ثلاثة ملايين ليرة مقدماً ومثلها مؤخراً إضافة إلى مبلغ يسجل حين الطلب.
يتساءل لؤي : كيف يمكن لشاب في مقتبل العمر تأمين مثل هذا المبلغ ونحن نعيش ظروفاً يصعب فيها حتى على ميسوري الحال تأمينها، فما بالك بمن يوصل ليله بنهاره ليستطيع تأمين متطلباته الأساسية ( مأكل ومشرب ومواصلات) .
حال الثنائي لؤي وليال يمثل شريحة كبيرة من الشباب المقبل على الزواج، إذ تعد مشكلة ارتفاع المهور كبقية تفاصيل الحياة التي ارتفعت أضعافاً مضاعفة، ما جعل الكثير من الشباب يعزفون عن الزواج…
“المهر” مليون ليرة “وسطياً”
يقول محمود المعراوي ( القاضي الشرعي الأول بدمشق) لـ “هاشتاغ سوريا”، إن أعلى مهر سجلته المحكمة وصل إلى ١٥٠ مليون ليرة سورية، مؤكدا أن هذه الحالات التي يسجل فيها مهرا مرتفعا تكون بناءا على طلب ولي الفتاة، ولكنه يؤكد بأن مثل هذه الحالات لا تتعدى كونها “طفرات” وبالتالي لا يمكن أن تتحول إلى عرف، مشيرًا إلى أن متوسط المهر الذي يسجله الأهل حاليًا في عقود الزواج لا ييتجاوز الـ 500 ألف مقدم و ٥٠٠ ألف مؤخر ، كما يوجد حالات لا يتعدى فيها المهر ١٠٠ ألف مقدم ومثله للمؤخر .
ويلفت المعرواي إلى أن عدم تسديد الزوج للمهر المؤجل في حال الطلاق، يخضعه لعقوبة السجن لعام واحد، مهما كانت قيمة المهر، مؤكداً أن المهور المرتفعة ليست “ضمانة” على الإطلاق.
ضمان حق الزوجة!
تباينت ردود الفعل على حالات المغالاة في المهور، فمنهم من رحب بهذه الفكرة خاصة أن سعر صرف الليرة السورية انخفض في السنوات الأخيرة بالنسبة للدولار الأمريكي، معتبرين أن هذا أضمن لحقوق الزوجة.
بينما رأى آخرون أن المغالاة في المهور من شأنها أن تدفع الشباب للعزوف عن الزواج، خاصة في ظل تردي الظروف المعيشية.
فقبل الحرب كان مهر الفتاة يقدر ب 75 ألف ليرة سورية بما يكفي لملء خزانة العروس لمدة عام.
أما الآن فيدفع العريس لعروسه مهر قدره 125000 ليرة سورية، ولا يكفي إلا لشراء القليل من الأشياء والملابس الضرورية للعرس.
وفيما يتعلق بـ “خاتم الخطوبة” ، وهو الجانب غير القابل للتفاوض بشأن خطوات الزواج، فقد أصبح عبئاً مالياً على الشباب حيث يكلف حوالي 100000 ليرة سورية، هذا إن اكتفت العروس بالخاتم فقط!.
برستيج
أحد أسباب المبالغة بالمهور، هو حب الظهور أو (البريستيج) أي الاهتمام برأي النّاس الذين يُعدُّون من المحيط لأهل الفتاة، كالأقارب، والأصدقاء المقربين، الجيران، زملاء العمل..، إذ يعتقد بعض أولياء الأمور أن هؤلاء الأشخاص ينظرون إلى الفتاة التي تتزوّج بمهر قليل على أنّها فتاة بسيطة وأهلها بسطاء، والنّاس تغرّهم المظاهر، فالمهر الغالي يعني أنّ العريس غنيّ، وأنّ الزّواج رابح، وكأنّ المسألة عبارة عن معادلة تجارية بحتة، ولا نعمم، لكن واقع الحال يشير إلى أن العريس الغنيّ من صاحب المال تُفتح أمامه الطرق بسهولة، فهو وفق المفهوم الشعبي “عريس لقطة”.
المهر بالذهب..
يوضح القاضي الشرعي أنه وقبل تعديل القانون كنا ننظر بالمهور القديمة، وكانت قليلة جدا، فعندما يرى الزوج أن المهر قليل يتشجع على الطلاق ويدفع المهر ويرحل، والزوجة بدورها كانت تشتكي من أن المهر عندما تزوجت كان يشتري منزلا، فكيف تأخذه اليوم بقيمة منخفضة، خاصة وأنه لم يكن مسموحا سابقا في المحاكم الشرعية وعلى ضوء الاجتهاد القضائي أن يسجل المهر بالذهب، فكان الجميع مجبرين على تسجيله بالعملة السورية، وبما أن قيمة العملة تنخفض بشدة فسيضيع حق الزوجة.
ولحل هذه المشكلة أكد المعراوي “أن أول خطوة تم اقتراحها من قبل المحكمة الشرعية، هي السماح بكتابة المهر بالذهب وفعلا تم تأييد الاقتراح وسمح بذلك مؤخراً، وبهذه الطريقة من الممكن ضمان حق الزوجة بالمهور المؤجلة، كون الذهب يحافظ على قيمته على مر الزمن”.
أوجاع الشاب ..
يقول الشاب حسام (34 عاماً): “أعمل في السعودية، وجئت أخيراً في زيارة إلى دمشق، لأبحث عن شريكة حياتي، في الواقع صدمت بالمهور التي يطلبها أهالي الفتيات اليوم، معظمها تفوق قدرتي على سدادها، رغم أن دخلي مرتفع مقارنة بالشباب المتواجدين بالبلد، يقول الجميع إنه يريد أن يضمن حقوق ابنته في هذه الظروف،
ولمست طلبات المهور الخيالية خصوصا عند العائلات المعروفة في دمشق، لذا قررت ألا أبحث عن عروس من نسب معروف، فالأفضل أن أتزوج فتاة من عائلة متفهمة”.
وتقول أم صلاح وهي أم لثلاث بنات وشاب (تعيش في دمشق): “وفقاً لعاداتنا تستخدم الفتاة المهر المعجل لتجهيز بيتها الجديد وشراء الثياب والحلي، ومع تضاعف أسعار كل شيء، من الطبيعي أن تزيد المهور، فـ 400 ألف ليرة التي كانت تسجل في السابق لا تشتري اليوم إلا القليل”،
وتضيف “أما قيمة المؤخر فهو مؤشر على جدية المتقدم للزواج، فمن لا يرضى بتسجيل مؤخر مرتفع فهذا يعني أن لديه نية مسبقة بزواج مؤقت وليس تأسيس أسرة فعلياً، أما من كانت نيته جيدة فيعتبر أن هذه القيمة لا معنى لها طالما لن يحدث طلاق”.
وتتزايد عدد الفتيات اللواتي يبدين تفهماً لظرف الشاب المرتبطة أساساً بالوضع العام، أو اللواتي لا يعتبرن الزواج “صفقة” تجارية رابحة، حيث تقول سهى وهي مهندسة تعيش في مدينة حلب: “لم يعن لي يوماً أن أحصل على مهر عالٍ، لأني لا أرى الزواج صفقة، كما لا أرى نفسي سلعة، لكنّ والديّ طالما تمسكا بقيمة المهر في زيجات أخواتي اللواتي يكبرنني، باعتبار أن قيمة المهر تعكس قيمة الفتاة والعائلة.
مضيفةً: لحسن الحظ أنهم غيروا رأيهم، وبالمنطق لا يمكن لأي شاب اليوم أن يكون له دخل عال إن كان عمله شريفاً، بسبب حالة الغلاء التي نعيشها، لقد تزوجت من شهرين ولم تتعد قيمة المهر الذي قمنا بتسجيله مليون ليرة”.
بالمقابل، تتحدث راما – وهي شابة جامعية (من دمشق )- عن أنها ضحية لغلاء المهور، فهي لا تزال تنتظر من سيدفع ما يطلبه ولي أمرها، والشاب لايزال يجمع مئات الآلاف ليلبي شروط أهل خطيبته، وبين هذا وذاك تتزايد أعداد الشابات من أمثال راما على ذمة العادات و التقاليد القديمة الحديثة.
أما جلال (من السويداء) فيقول أن التكاليف التي دفعها استعداداً لحفل زفافه وصلت لأكثر من مليون ونصف مليون ليرة سورية، ووصل سعر المصاغ الذهبي الذي اشتراه لعروسه 650 ألف ليرة سورية.
ونوه إلى أن راتبه لا يتجاوز الـ 40 ألف ليرة، وأنه لم يكن ليقدم على الزواج لولا استعانته بشقيقه المقيم في دولة الإمارات العربية، وأن الكثير من الشباب أقرانه غادروا السويداء وهاجروا إلى أوروبا هرباً من فكرة الزواج الذي يحملهم عبئاً اقتصادياً غير قادرين على تجاوزه.
اقرأ المزيد في قسم اخبار سريعة
بينما يقول سامي (من حمص): “تزوجت وعمري ثمانية عشر عاماً، لم يطلب أهل زوجتي مهراً أبداً، واكتفوا بالقول قدّم ما تستطيع أن تقدمه من ملبس أو تجهيزات منزلية دون أن ترهق نفسك، وأعيش الآن مع زوجتي دون أي مشاكل وكأني قدمت لها الكثير، وأنجبنا طفلنا الأول، ونعيش كأولئك الذين تكلفوا بزواجهم وربما نكون أسعد بكثير”.
في حلب انخفض المهر!
تقول حنان ديابي ( الأستاذة في علم الاجتماع – جامعة دمشق )، إن المهر هو أحد شروط عقد الزواج، وضع لحفظ حقوق المرأة في حال حصل الطلاق، كي تستطيع أن تبدأ من جديد، ولكنه الآن يستخدم كصفقة، وإرضاءً لمظاهر اجتماعية خادعة، فكثير من العائلات لا تسأل إلا على وضع الشب المادي.
وتشير إلى أنه عندما يكون الشاب ممن يعملون خارج سوريا ويكون راتبه بالعملة الصعبة “اليورو أو الدولار”، فهنا تتحكم عائلة الفتاة به أكثر وتطلب مهرا عاليا.
وتضيف ديابي، أنه من ناحية أخرى شهدت الكثير من حالات الزواج التي تمت بقراءة الفاتحة فقط دون مهر، مشيرة إلى أن المناطق التي تقع تحت خط الوسط، يريد سكانها التخلص من عبء الفتاة ولا تطالب الشاب بمهر عالٍ، فقبل الحرب كانت أغلى المهور في محافظة حلب، لكن الآن هناك الكثير من العائلات التي أصبحت تراعي الأوضاع الاقتصادية وتطلب مهور منخفضة. وهكذا، ما بين انهيار العملة السورية، وقلق أهالي الفتيات، وقصص الزواج الفاشلة التي يسمعونها كل يوم، تزداد المبررات لديهم لرفع المهور، ما دفع كثير من الشباب إما للعزوف عن الزواج أو حتى للهجرة!
هاشتاغ سوريا – كاترين الطاس