سوريا بين الإنفصاليين الكرد وكمائِن الإرهاب في درعا
عمر معربوني
كان الهدف من هذه الخطّة البديلة إنشاء إقليمين انفصاليين:
اقليم روج آفا أو ما يعني بالترجمة إلى العربية غرب كردستان وهي منطقة مُمتدّة من الحدود مع العراق شرقاً حتى عفرين وأجزاء من شمال ريف اللاذقية حتى البحر غرباً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن روج آفا ستكون من ضمن دولة كردية إسمها في شمال كردستان في تركيا وشرق كردستان في إيران وجنوب كردستان في العراق، وهذا أمر لم تنته فصوله حتى اللحظة، حيث تسيطر وحدات الإنفصاليين الكرد على حوالى ثلث الجغرافيا السورية والتي تضمّ الأساس الإستراتيجي في مجاليّ الطاقة (نفط وغاز) والزراعة الحيوية الرئيسية (حبوب وقطن)، وثلث الأراضي السورية التي تسيطر عليها قوات الإنفصاليين الكرد هي المنطقة الأكثر خصوبة في سوريا.
إقليم حوران أو ما سُميّ أيضاً بـ”مشروع الحُكم الذاتي لإقليم جنوب سوريا” وهو مشروع تمّ طرحه من قِبَل وجهاء لعشائر أردنية لهم صلات قرابة مع العشائر السورية، وهو مشروع لاقى رفضاً كبيراً على المستوى الشعبي في الجنوب السوري، رغم أنه طُرِح قبل عام على تحرير الجنوب من سيطرة الجماعات الإرهابية، حيث تضمّن نقاطاً خطيرة من ضمنها إنشاء برلمان وحكومة محلية ليس لها أية صلة بالحكومة السورية المركزية.
مشروع آخر لن أركِّز عليه الآن وهو المشروع التركي القاضي بإنشاء منطقة عازِلة تكون أساساً لانفصالٍ من نوع آخر ترعاه تركيا وتُشرِف عليه يكون مُقدّمة لضمّه إلى تركيا في ما بعد ولكنه لا يقلّ خطورة عن مشاريع الانفصال الأخرى.
وإن كان مشروع إقليم حوران قد انتهى في البُعد الجغرافي وأصبح مُجرَّد طرحٍ من الماضي، إلا أن مشروع الإقليم الكردي لا يزال قائِماً ويحمل مخاطر كبيرة، حيث تحظى القوات الكردية الانفصالية بحمايةٍ أميركيةٍ وغربيةٍ وخليجيةٍ في الآونة الأخيرة من زاوية مُناكَفة تركيا.
قبل توجّه وحدات الجيش العربي السوري لتحرير الجنوب السوري وانطلاقاً من فَهْم القيادة السورية وحلفائها لطبيعة الخطّة الأميركية ، كان لا بدّ من تقويض وإنهاء مفاعيل قوْس العَزْل على خط الحدود مع الجولان المحتل والأردن والعراق، وكانت الأولوية لخط الحدود مع العراق وهو ما حصل في إطار سلسلة من المعارك الكبرى لتحرير البادية السورية انطلاقاً من تدمر وفي ما بعد انطلاقاً من منطقة الضمير لنكون أمام عمليات سريعة وناجحة أدّت إلى أول عملية رَبط بين الحدود السورية والعراقية شمال شرق معبر التنف ، حيث تتمركز حتى اللحظة القوات الأميركية بما يُطلَق عليه إسم قاعدة التنف العسكرية والتي لعبت ولا تزال دوراً أساسياً في مهام الاستطلاع والتوجيه والإدارة لعمليات التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي.
كان لعمليات البادية أثر كبير في حَسْمِ معركة الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي، حيث أضاف الجيش العربي السوري مساحات أمان كبيرة لشريط الثقل الإستراتيجي للدولة الذي يتكوَّن من المدن الكبرى من درعا جنوباً حتى حلب واللاذقية شمالاً، إضافة إلى المواقع الحيوية الرئيسة من مطارات وموانىء.
وإن كان لتحرير مناطق البادية فوائد اقتصادية إلاّ أن البُعد العسكري كانت له الأولوية وهو ما تمّت ترجمته في ما بعد خلال معارك الغوطة الشرقية وقبلها فكّ الطوق عن دير الزور، حيث تشكّل احتياطياً إستراتيجياً في القوى والوسائط مَنحَ الجيش العربي السوري قدرات حسم كبيرة.
بعد انتقال وحدات الجيش إلى الجنوب لم نشهد معارك كبيرة حيث كان للمُصالحات دور كبير في حسم المعارك سواء في ريف دمشق الغربي عند سفوح جبل الشيخ أو في القنيطرة وحتى في محافظة درعا ، لكن هذه المُصالحات التي تُعتَبر صيغة مؤقّتة قبل انتقال المدن والبلدات بشكلٍ نهائي إلى سلطة الدولة أدّت إلى نشوء مسرح عمليات غير مُستقرّ يسمح بشكلٍ أو بآخر بوجود ثغرات في الجانب الأمني تبدو مُعالجتها صعبة ومُعقَّدة لا بل شديدة التعقيد لجهة الديموغرافيا العشائرية المُتداخِلة ، وهو ما يتم العمل عليه لإحداث انتقالٍ سَلِسِ وعلى مراحل لإرساء سلطة الدولة بشكلٍ طبيعي.
أمام هذا الوضع المُعقَّد الذي يسمح بنشوء وضع مُضطرِب تحصل بين وقتٍ وآخر عمليات استهداف لدوريات وضباط الجيش العربي السوري ومراكزه وحواجزه، تندرج برأيي ضمن مرحلة مُكافحة الإرهاب لخلايا نائِمة في بُعدها الأمني والتي تحتاج إلى الكثير من الإستعلام والتدقيق وهي عمليات لا يمكن أن تتمّ من دون تعاون عميق وجدّي مع الدولة من قِبَل الوجهاء والعشائر صاحبة النفوذ الإجتماعي التاريخي في المنطقة.
وعلى الرغم من صعوبة أن تعود الجماعات الإرهابية إلى الجنوب السوري بالصيغة التي كانت تتواجد فيها، لكن تزامُن هذه العمليات مع الإعلان عن انتهاء المفاوضات بين الإنفصاليين الكرد ورجل الأعمال الصهيوني موتي كَهَانا، والإتفاق لتصدير النفط السوري وهو أمر جاء بعد الكشف عن تفويض لكهانا بتصدير النفط صدر عن الرئيسة المشتركة في الهيئة التنفيذية لما يُسمّى “مجلس سوريا الديموقراطية”، إلهام أحمد، يفوِّض رجل الأعمال الإسرائيلي موتي كاهانا تمثيل المجلس في جميع الأمور المتعلّقة ببيع النفط السوري في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية بدعمٍ من قوات الاحتلال الأميركي.
وإذا ما عدنا سنتين إلى الوراء لوجدنا أن قوْس العَزْل الذي كانت أميركا تريد إقامته كان يتضمَّن إنشاء خط أنابيب نفط من شمال مدينة البوكمال وصولاً حتى الحدود الأردنية وانتهاء بالشاطىء الفلسطيني.
حتى اللحظة تحتفظ أميركا بسيطرةٍ على قاعدة التنف وهي المعبر الرئيس بين سوريا والعراق، إضافة إلى كامل خط الحدود بين سوريا والعراق من شمال البوكمال حتى الشمال.
أمام هذه الوقائع يبدو مؤكّداً عدم براءة الإستخبارات الصهيونية والأميركية ممّا يحصل في الجنوب السوري، خصوصاً وأن أميركا بشكلٍ أساسي لا تزال تأمل بالسيطرة على خط الحدود السورية – العراقية الذي حرَّره الجيشان السوري والعراقي وربط الجنوب السوري مُجدّداً أقلّه على خط الحدود السورية – الأردنية حيث لا تزال خلايا “داعش” والإرهاب تتواجد على الجهتين السورية والعراقية، ويمكن من وجهة النظر الأميركية الاستثمار فيها لقلب المشهد رأساً على عقب.
الميادين