إحلال المستوردات… قد لا يحلّ شيئاً
يرتبط ارتفاع سعر صرف الدولار بكتلة المستوردات، مقابل كتلة الصادرات، أي بحجم العجز التجاري… فإذا ما زاد العجز التجاري فإنه يعني أن الطلب على الدولار أكبر، ويرتفع سعره، والعكس بالعكس، وعلى هذا الأساس كانت الحكومة تتحدث طوال سنوات عن تقييد المستوردات، واليوم تتحدث عن إحلال جزء هام منها بمنتجات محلية، ولكن لهذه العملية كوابح موضوعية أهمها سمسرة النخب!
إن حجم العجز التجاري وزيادة المستوردات عامل يؤثر على سعر الصرف، ولكنه لا يلعب دوراً حاسماً في تحديد اتجاه سعر الصرف، فعلى سبيل المثال ازداد العجز التجاري بمقدار 1.3 مليار دولار ونسبة 32% بين عامي 2016-2017، وبقي سعر الصرف مستقراً. بينما في عام 2018 ازداد العجز التجاري بنسبة 13% فقط بالمقارنة بعام 2017 وبلغ مقدار 700 مليون دولار، ولكن هذا لم يرتبط بتحسن سعر صرف الدولار في السوق المحلية بل على العكس.
أما إذا نظرنا إلى بيانات العام الحالي المتوفرة في مركز التجاري العالمي ITC حول الربع الأول من 2019، فإن العجز التجاري السوري قد بلغ 913 مليون دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، وهو رقم أقل من مقدار العجز التجاري في الربع الأول من عام 2018 والبالغ 975 مليون دولار. أي أن زيادة كبيرة لم تجري في المستوردات خلال الفترة من العامين، وليست هي العامل المؤثر على الارتفاع الحاد في سعر الدولار في السوق.
ولكن هل هذا يعني أن السعر وهمي؟ أو هل يعني أن المستوردات لا علاقة لها ولا ينبغي تخفيفها؟ بالطبع لا…
مستوردات الطاقة هي الأساس
الدولار يرتفع لأن قدرة السوق الإنتاجية تقل، ولأن الطلب على الدولار ولأغراض الاستيراد أكبر. ويظهر تراجع القدرة الإنتاجية من استمرار الصادرات بالتراجع رغم أن الواردات تتسع، ما يعني أن الوزن المتزايد في المستوردات استهلاكي أكثر مما هو إنتاجي، وهو ما يتضح في النشاط التجاري المعتمد على الغذاء، وعلى سلع استهلاكية كالموبايلات والدخان بجمارك صفر من الدول العربية كما الإمارات. ولكن الأهم أن كتلة المستوردات لا تظهر كاملة في بيانات التجارة الدولية، إذ تضاف إليها الكتلة الأساسية المتمثلة بمستوردات الطاقة. والتي تزيد على 3 مليار دولار سنوياً، أي قرابة نصف المستوردات الأخرى. وهي التي أدت إلى نقلة نوعية في الطلب على الدولار، ونقلة نوعية في تراجع القدرات الإنتاجية.
سمسرة الكبار تدفع الكل للسمسرة
إن معالجة ارتفاع سعر الصرف من خلال المستوردات، يتطلب التعامل عالي المستوى مع واقع أننا في اقتصاد معاقب، والمفتاح الأساسي هو تأمين الطاقة بكلف أقل، والعودة للتوصل إلى اتفاقيات تتيح لسورية الحصول على الطاقة بطرق دفع غير دولارية. إن ترك هذا الملف مغلقاً، ومرهوناً للمستوردين من ذوي النفوذ، الذين يتقاضون عمولات مرتفعة يلغي أية مصداقية للبحث عن حل جدي لارتفاع سعر الصرف. لأن السوق التي يتحول النشاط الأساسي فيها للأوزان الكبرى إلى سمسرة، وبمعدلات ربح عالية، ستنتهي موضوعياً باندفاع قوى المال الأخرى لمواكبة هذا الربح عبر السمسرة والمضاربة أيضاً، وسيبقى انخفاض قيمة الليرة وارتفاع سعر الدولار ميداناً هاماً للمضاربة وتحقيق الأرباح. وستسعى قوى المال هذه للبحث عن استثمار رابح في تجارة استهلاكية، وفي المضاربة وغيرها، ولن يقترب أحد من إنتاج غير مضمون القيمة والكلف مع استمرار التضخم.
اقرأ أيضا: في ريف دمشق.. 52 مشروعاً صناعياً يدخل حيّز الإنتاج
لا إنتاج بلا تخفيض تكاليف
التعامل مع المستوردات الأخرى، وإحلال مستوردات هو مسألة ضرورية، ولكنه مرهون بأرباح العمليات الإنتاجية، وبتوفير التمويل منخفض التكلفة. وطالما أن أرباح العمليات الإنتاجية منخفضة في سورية، فإن أحداً لن يُقدِم على الاستثمار لإحلال هذه المستوردات، وسيبقى استيرادها أعلى جدوى، ولن يغير إصدار قانون شيئاً من هذا. إن دفع العملية الإنتاجية يتطلب تخفيض تكاليف الطاقة، وتأمين تمويل منخفض التكلفة بالليرة السورية، وكلا الأمرين يتناقضان مع الاتجاه الذي ما زال سائداً للتحفظ الشديد في عمليات الإقراض والصناعي تحديداً، وأسعار الفائدة التي ارتفعت.
القوانين والتصريحات لا تفعل شيئاً، لأن المحرّك الأساسي، هو حجم الربح، والتنافس على معدله الأعلى، وطالما أن الفرصة مفتوحة للسمسرة في قطاعات أساسية، فإن الجميع سيسعى لاقتصاد السمسرة، ولن يكون للإنتاج موضع جدي.
صحيفة قاسيون المحلية