خطوة الطلاق صعبة لكن ممكنة.. “في أوروبا تمتلك الفتاة القدرة على الاختيار”
كنده يوسف
*لين و*ماجدة و*لما، ثلاث نساء سوريات في المهجر خضن تجربة الانفصال والطلاق. لكل منهن حكاية تلتقي خطوطها مع الأخريات حينا وتنفرد بخصوصية أحيانا أخرى. مهاجر نيوز التقى بهن واستمع إلى قصصهن.
“الطلاق ليس أمر غريبا، الموضوع أقل من عادي في هذا الوقت وأعتقد أنه كذلك في كل وقت”، تتابع لين جملتها وهي تؤكد أنه حتى اتخاذ خطوة كهذه ليست دائماً حكراً على أصحاب العلاقة، “احياناً الزوجة هي من تقرر وأحياناً الزوج، وأحياناً أخرى أم الزوج وهذا ما حصل معي”.
لين فتاة سورية في نهاية العشرينيات تزوجت بشكل تقليدي. ومع سوء الأوضاع الأمنية في سورية، استطاعت الوصول إلى ألمانيا ومن ثم تبعها زوجها وأخته. عاش الثلاثة في غرفة واحدة، حصلت عليها لين بفضل منحة دراسية مكنتها من أن تعيل نفسها وزوجها، “فهو لم يكن مساعدا” كما قالت.
الغربة بشكل او بآخر جعلتها ترى صورة أخرى عن زوجها. بدا شيئا فشيئا وكأن عائلته تتدخل في كل خياراته وخياراتها، وتحاول السيطرة عليها في الخارج. بالنسبة لها، لم يحم زوجها علاقتهما بوضع حد لأهله وإعطائها الثقة كاملة، دخلوا في التفاصيل، في وضع عملها وشخصيتها وأفكارها وتطلعاتها. لم يحاول حمايتها، بل ظهر لها وهي وحيدة معه أنهما غير قادران على التفاهم وهو غير قادر على دعمها والعمل في الغربة كفريق واحد. بقيت موضع شك، لم تعرف أحدا حولها لتسأل أو تستشير، لم تستغ طباعه وامتناعه عن مساعدتها في متابعة دراستها ضمن اختصاص أحبته في برلين، “مع أنه كان قادرا” كما تقول. وعلى الرغم من تحملها المستمر له، أتى قرار الانفصال من الزوج. كان قراراً صادما بالنسبة لها، فهي من كانت تتحمل وحيدة في بلد غريب زوجا بعيدا عنها لا يثق بأي شيء تقدمه “طلبت منه أن يدعمني ويضع حد لعائلته كي نبني لنا مستقبلا خاصاً لكنه رفض، وقرر أن ننفصل بتأثير من عائلته”.
“رفعوا دعوى الطلاق في سوريا من غير علمي، ومع ذلك وجدتها فكرة حسنة”. لين لم تسمح لنفسها أن تشعر بالضعف على الرغم من الضغوطات النفسية التي عانتها في مرحلة الطلاق، خاصة وأنه طلاق “كنسي” وعليه أن يتم في سوريا، وفي الأمر أخذ وصد ورد وصعوبات جاء بها الزوج السابق وعائلته. فوض الزوج والدته لتقوم بالأمر بتوكيل منه وبدأت معاملة الطلاق، “لا ملاحم في القصة ولا تراجيديا، بالنسبة لي علمتني الغربة أن الزواج التقليدي لا يشبهني، وأن شخصان في مكان غريب عليهما أن يثقا بما يملكانه سوياً. ربما لو كنا في سوريا لما شكلت له ولعائلته هذا التهديد المستمر، ولكن الانتقال علمني أني قادرة على اتخاذ قرار بالابتعاد عنه ومتابعه حياتي. فهنا أستطيع ذلك، خاصة وأن عائلتي تدعمني عن بعد، وقالوا لي إبقي حيث أنت واصنعي مستقبلا، وهنا لن أسمع كلاماً من أحد أنني مطلقة”.
لين وجدت عملا ولا تزال تتابع دراستها في العلوم الإنسانية، تشعر بقوتها لأنها تعرف حقوقها كما تقول. لا تزال تتطلع لحب يتشارك معها الحياة ويعرف معنى الشراكة الحقيقية، “كل ما نمر به هو تجربة، ودائماً هي تجربة جيدة لأنها تدفعنا لاكتشاف قوتنا الكامنة ولو بصعوبة، حتى الطلاق والغربة”.
” قررت اختبار الحياة على طريقتي”
رفضت ماجدة النمط التقليدي للزواج وفكرة الزواج بشكل عام، لكن وبعد مرور سنوات على علاقتها مع حبيبها، وبعد انتقالهما إلى فرنسا في بدايات الصراع السوري، قرر الشابان الزواج، فذهبا إلى البلدية حيث عقدا قرانهما.
لم يمض وقت طويل قبل أن يعيدا زيارتهما لنفس مبنى البلدية، ولكن هذه المرة لينفصلا. “كان شخصاً مناسباً جداً ولكن ليس لي. عاطفتي تجاه عائلتي التي كانت لا تزال آنذاك في سوريا دفعتني للزواج، كنت سأسعدهم بزواجي رسمياً بمن أحب”. ماجدة تزوجت في فرنسا بعد قصة حب طويلة، كانت مشاعرها صافية تجاه هذه الخطوة. مع مرور الوقت وتبدل الأجواء حولهما وتغير أفكارها بسبب الإنتقال وانفتاح الأفق الذي تتيحه أوروبا، ذهبت إلى السويد بقصد إتمام فصل دراسي وعادت تريد إنهاء ما كان.
“كانت المرة الأولى التي أختلي بها بنفسي، في السويد شعرت بدهشة وفضول لكل ما كان يدور حولي وقررت اختبار الحياة على طريقتي وهو أمر لربما كان عصي على الحدوث لو كنت في سوريا”. ماجدة التي لا تزال في منتصف العشرينيات من العمر، نضجت حكايتها مع الحب بعد الانتقال إلى فرنسا، وشعرت أن الانفصال يجب أن يتم ورأت في مستقرها الجديد خيارات وأحلام لم تكن قد فكرت فيها سابقاً.
حاول الطرفان ردم الخلاف والحفاظ على علاقة صمدت قبل المجيء إلى فرنسا، ولطالما فشلت محاولاتهما. “بدأنا بالانفصال وأحسست أنه لا يكفي، هو الطلاق إذا”. زوج ماجدة لم يكن كزوج لين. تقول ماجدة إن زوجها كان محباً، لم يرد الانفصال ولكن قبل بنهاية الأمر. وتساعد الطرفان على إتمام عملية الطلاق.”لم يكن الامر معقداً لأن زوجي السابق قرر التكفل بكل شيء. عانيت من بعض الأمور البيروقراطية ولكن كان الأمر سلساً نسبيا”.
بعد الطلاق والابتعاد عن حبيب المراهقة، لم تكن الصعوبة في تخطي ذاكرة الماضي كما اعتادت أمها أن تقول لها، وإنما كيف ستنجو وحدها من دون منزل ودعم مستمر. “أعتقد أن الحكاية الحقيقية هي تلك، ننتقل في المكان والزمان بوقت واحد، نستيقظ لخيارات جديدة، نرغب بأمر لم يكن خاطر على بالنا، نقرر ننفذ، وبعدها نجد أننا عند بداية طريق لا نراه”. تكمل جملتها بدهشة وكأنما بدأت تعيش ذاكرتها من جديد “كنت أحاول البحث عن غرف ومنازل أقطن فيها وعن عمل أيضا، كنت مستقرة داخلياً لقرار كنت حرة فيه، ولكن ما حولي يتراقص بفوضى عجيبة، كيف سأنقذ نفسي؟ وأمي تقول لي ستندمين”.
بعد محاولات حثيثة وبحث مستمر، استطاعت ماجدة أن ترتب أمورها وتجد عملا وتنظم شؤون دراستها الجامعية. تقول لو كانت لا تزال في سوريا لربما كانت ستفكر في الخطوة، ولكن تشكك ما إذا كان بالإمكان تحقيقها وصد الأصوات التي ستكبلها أينما حلت، “القوة هي في تنفيذ قرار مصيري يخصني أنا مهما كان وضعي، وهذا تعلمته من البقاء وحيدة في بلد أقول اليوم إنني أعرفه”.
بالنسبة لماجدة “أحياناً وبسبب الانتقال إلى مكان نحن مجهولين فيه كباريس مثلا، نشعر بحرية كانت قد منعت عنا سابقاً. ولكن ما إن نحسها حتى نبدأ برؤية الحياة بصدق أكبر ورؤية أنفسنا أيضا”. وتختم ماجدة “في أوروبا تمتلك الفتاة قدرة الاختيار والتنفيذ، الموضوع ليس سهلاً ولكن هو ممكن. في النهاية، ربما ستختار الفتاة أحداً لتتشارك الحياة معه، ولكن قبل ذلك عليها أن تكون قد شاركت نفسها وامتلكتها إلى أقصى حد، لتتمكن بعدها من الوصول إلى الخطوة القادمة”.
أنا وهي ولا ثالث بيننا
لما، 33 عاما، تعيش أيامها لشخصين، ابنتها ونفسها. لا تتفارقان، فدورها كأم عازبة في باريس يسبق كل الأدوار. “الرحلة لم تكن بسيطة ولم تنته بعد، بدأت بشخصين وانتهت بشخصين أيضا”. هكذا تصف ما عاشته منذ أن وقعت في حب زوجها إلى أن انتهت التفاصيل بينهما تباعا، لتحول فائض حبها لابنتها الوحيدة.
قرار قدومها إلى فرنسا وهي حامل لإتمام دراساتها العليا، احتاج الكثير من الوقت والجهد النفسي والعائلي والأوراق.
بعد وصولها إلى باريس بفترة، سافر إليها زوجها ليزورها ويطمئن لأوضاعها، لكن اشتداد الحرب كما تقول جعلت عودته إلى سوريا من ضروب المستحيل.
حاول الزوجان تجاوز صعوبات الحياة اليومية في الغربة كفريق، ولكن لم يستمر الأمر طويلاً حتى انهمك كل منهما بنفسه. لم تمنع ولادة طفلتهما الأولى استمرار التعقيدات التي كان يعيشها كل منهما، “كنت لا أزال أقدم طلبات للجامعات لأدرس وأحصل على منحة، وأراسل وأكتب للجميع لطلب سكن في باريس فنحن كنا في مدينة أخرى. كنت أفكر بكل الأشياء مرة واحدة، وفي خضم انهماكي الدائم لم يكن أحد يصدق أنني بالكاد أنجبت طفلة”. ملاحقة الأوراق والبيروقراطية والمعاملات والبحث عن عمل والبحث عن سكن والتفكير بالتفاصيل أنهك الشخصين والعلاقة وما كان بينهما، “كنا في كل يوم نزداد اضطراباً، تغيرت أنا فلم يعد يعرف من أكون وتغير هو أيضاً وبتنا بلحظة شخصين منفصلين تماماً لكل هواجسه وكوابيسه وأحلامه”.
قرر الزوجان الانفصال، لما كانت أكثر عاطفية حيال الأمر وتقول إن عاطفتها الطاغية آنذاك كانت نتيجة طبيعية، فكل ما حولها ساقها للضيق أكثر، كانت تعلم أنهما ومنذ زمن ليسا سويا ولكن لم يكن أحد يشير إلى الأمر بهذا الوضوح. استجمعت فيما بعد كامل عزمها ووافقت وطلبت البدء الفوري بتنفيذ الطلاق. الصغيرة أرادت لأبويها أن يبقيا ولكن الأبوين حاولا أن يغمراها بالحب ويوضحا الموضوع بدلا من ذلك. وعلى عكس ماجدة ولين، احتاجت لما سنتين كاملتين لإتمام عملية الطلاق. طلبت مساعدة من المحكمة، ولوجود تعقيدات في الزواج لأنه تم بأكثر من بلد، كان لا بد من حكم قاض، وفي فرنسا أمر كهذا يتطلب وقتاً كما قالت.
بدأت العملية ببطء، وبين كل موعد وآخر أيام وأحياناً أشهر. في هذه الفترة كان الزوجان المنفصلان مضطران للعيش في بيت واحد، لكن بعد حين بات كل منهما في مدينة، ولا تزال المعاملة النهائية جارية.
“علاقتنا طيبة من أجل ابنتنا لا أكثر، هي حبي الأوحد، ونحن متفقان على تربيتها وطريقة توضيح الأمور لها، فتسأل كيفما شاءت ونحن نجيب”.
لما لم تفقد الأمل من الحب، وترى أن كل علاقة خاصة جداً، وتعتبر أن هناك علاقات من الممكن ترميمها وأخرى غير قابلة للتجديد وهناك نوع ينبغي أن ينتهي على الفور. ولكن على كل الأحوال، على المرأة أن تتحرك. “أنا لست نسوية، انا إنسانة وأقول إن البقاء مع رجل أو فتاة لأجل المال أو خوفاً من العيش الرديء، خاصة حينما تكون هناك خيارات ولو ضئيلة، هو أمر لا أخلاقي. على كل فتاة أن تفهم نفسها وعلاقتها وما الذي تعيشه بالضبط، وتفعل شيئاً أو ترمم أو تستقل بنفسها وستعرف الطريق وستعرف الحب ويعرفها، خاصة الأمهات العازبات.”
*الأسماء مستعارة
مهاجر نيوز