«لا للخصوصية.. لا للنظافة».. هكذا عاش ساكنو القصور في العصور الوسطى بأوروبا
نشاهد أفلام ومسلسلات العصور الوسطى التي نحبها؛ وتمنحنا نظرة على القلاع والقصور الكبيرة التي يحيا فيها بعض أبطال العمل الدرامي، وربما ننبهر بالإضاءة الخافتة القادمة من شُعلات النار الموجودة في أركان القصور، وتعجبنا ملابسهم الفريدة من نوعها والمعقدة والتي لم يعد لها مثيل الآن، وقد يُغرينا حجم القصر أو القلعة ونتمنى لو نعود بالزمن للوراء؛ عندما كان البشر يعيشون دون كهرباء أو تكنولوجيا، ويعيشون حياة هادئة متصلة بالطبيعة.
ولكن ما لا تعرفه عن المعيشة في تلك القصور؛ أنها ليست رائعة كما نراها على الشاشة، ولذلك؛ نأخذك في هذا التقرير لتعيش حياة شخص عاش في تلك الفترة بهذه القصور؛ منذ الاستيقاظ وحتى النوم.
تعلموها من المسلمين.. ما لا تعرفه عن تاريخ النظافة الشخصية لأوروبا!
الاستيقاظ مبكرًا أمر مضمون.. ولكن!
الاستيقاظ مبكرًا في تلك القصور ليس خيارًا؛ فالنوافذ في كل مكان، وضوء الشروق يخترق الغرف؛ فارضًا الاستيقاظ على أهل القصر، وهو الأمر الذي يعد جيدًا للصحة، لكنه ليس بهذه الروعة أيضًا.
في البداية؛ عندما تستيقظ من النوم، وتفرد ذراعيك لتتيح المجال لقفصك الصدري استنشاق أكبر كم من نسيم الصباح، فلن يدخل إلى الرئتين ما ينعشها مثلما تعودنا في معظم المنازل العربية عندما نستيقظ على رائحة البخور والمسك، فالأمر الذي يجب أن تعرفه عن قصور العصور الوسطى في أوروبا، هي أن رائحتها كانت طوال الوقت مقززة وخانقة.
ويعود سبب هذا إلى عدم اهتمام الأوروبين في ذاك الوقت بالنظافة سواء في منازلهم أو أنفسهم وملابسهم، بالإضافة إلى وسيلة الإنارة التي كانت تعتمد على النيران؛ والتي يعزز دخانها الروائح السيئة؛ ويجعلها عالقة في الهواء أكبر وقت ممكن؛ خاصة إذا كانت غرفة النوم قريبة من «الحمامات» الخاصة بالقصر.
لماذا لا يصح أن نطلق عليها دورات مياه؟
لأن دورة المياة التي نعرفها؛ تعتمد كما واضح في تسميتها على دخول المياه إليها للاستعمال بغرض التنظيف، ومن ثم الخروج منها؛ حتى لا يحتفظ المكان بالمياه المتسخة؛ ولكن في حالة قصور العصور الوسطى في أوروبا؛ لم يكن هُناك مياه من الأساس في «الحمامات».
بعد الاستيقاظ من النوم؛ عادة ما يفكر المرء في الاستحمام وقضاء الحاجة؛ حتى يبدأ يومه بانتعاش، ولكن هذا أيضًا لن يكون متاحًا في تلك القصور، في البداية أماكن قضاء الحاجة كانت عبارة عن مقعد خشبي به فتحة دائرية، وأسفله حفرة بها القليل من القش لاستقبال الفضلات، ولا توجد مياه صرف صحي أو مياه للاستحمام، وبعض القصور لم تهتم بخصوصية هذا المكان؛ فقد يكون في «الحمام» نوافذ يرى منها الآخرين الشخص مستخدم الحمام، وبعضها لم يكن له باب من الأساس.
ولكن إذا كان الشخص مُصرًا على الاستحمام؛ ففي هذه الحالة عليه استدعاء الخدم؛ حتى يأتوا بحوض الاستحمام الخشبي ويضعوه في غرفته؛ وهذا لأن الحمامات ليس بها المساحة الكافية لهذا الأمر، ويأتي مع هذا الحوض الخشبي، قليل من الماء وقطعة قماش لفرك الجسد.
خصوصية الخدم ليس لها هنا مكان
تلك القصور الكبيرة؛ لا يعيش فيها مُلاكها فقط، بل هُناك الخدم أيضًا، والذين قد يزيد عددهم –أحيانًا- عن عدد مُلاك القصر؛ وذلك من أجل القيام بأغراض الطهي والتنظيف والاهتمام بشؤون أصحاب المنزل واحتياجتهم وملابسهم.
وربما يمتلك مُلاك القصور غرفًا خاصة بهم، ويتمتعون ببعض من الخصوصية، ولكن هذا الأمر لا ينطبق بالمرة على الخدم؛ فقد يسكن العشرات منهم في غرفة واحدة أو غرفتين؛ حيث الطقس الخانق، والمساحة الضيقة، والخصوصية المعدومة؛ فحتى إن كان بعض الخدم متزوجين؛ فعليهم ممارسة الجنس على عجل حينما تخلو الغرفة من زملائهم؛ وبغرض التكاثر فقط؛ فلم يكن لديهم المساحة ولا الرفاهية لممارسة حياة جنسية ممتعة أو حياة زوجية هادئة.
الفأر شريك الغرفة
المنازل المُظلمة، والرطبة، والباردة؛ هي البيئة المثالية للكثير من الكائنات الحية، والتي قد تكون مخيفة للبشر مثل العناكب والفئران، وفي قصور العصور الوسطى في أوروبا؛ الفأر كان شريكًا في المنزل؛ سئم البشر محاربته وحينما تأكدوا من عدم قدرتهم على التخلص منه؛ أصبح وجوده أمرًا واقعًا في ذاك الوقت هُناك.
وعلى الرغم من تقبلهم للأمر الواقع؛ هذا لم يمنع الخوف او المرض الذي كان يجلبه الفأر في تلك القصور، فهو موجود بالمطبخ، وتحت الفراش، وبين الملابس، ويسير بأريحية بين أقدام الضيوف أثناء تناولهم الطعام على المائدة، ويفزع الضيف وينهره بقدمه؛ ولكن أيضًا لن تُقام الطوارئ في المنزل للتخلص منه.
الخمر مُتاحة أكثر من المياه
المياه لم تكن شحيحة من أجل دورات المياه فقط؛ بل إن المياه النظيفة الصالحة للشرب في العصور الوسطى بأوروبا كانت عملة نادرة يصعب الوصول إليها؛ وبدلًا من التفكير في وسائل سهلة وسريعة لتنقيتها؛ كان الحل الأفضل بالنسبة للأوروبيين في ذاك الوقت؛ هو صناعة المشروبات الكحولية؛ وبكثرة.
النبيذ والجعة وباقي المشروبات الكحولية المتعارف عليها في ذاك الوقت؛ كانت منتشرة انتشارًا واسعًا، ووفيرًا، وكان لها درجات مختلفة من الجودة ما بين الرديء والفاخر، ولذلك في أي قصر من قصور العصور الوسطى؛ تجد زجاجات الخمور، بل أوعية ضخمة منها في كل مكان؛ أكثر من كمية مياه الشرب التي قد تجدها في أي منزل بالعالم الآن.
الخلفية الصوتية ليست مبهجة بالمرة
يُعرف عن العصور الوسطى انتشار طرق التعذيب القاسية والوحشية للسجناء، وفي تلك الحقبة؛ كان ساكنو القصور والقلاع من الحُكام، الذين يفضلون الاحتفاظ بسجنائهم بالقرب منهم في المسكن نفسه، ولذلك كانت تلك القصور عادة ما تحتوي على سجون سياسية.
تخيل قضاء يوم عادي في هذا القصر، أثناء تعذيب هؤلاء السجناء، والتي أحيانًا تكون عن طريق الفئران أو مصائر أسوأ وأقسى؛ ويعلو صراخهم ويغزو القصر بأكمله؛ ليكون خلفية صوتية لليوم، تلك الخلفية التي ربما اعتادوا عليها من كثرة ما ترددت في أرجاء القصر يوميًا.
الليل بارد ومُظلم.. ولكن
حينما يحل الليل؛ تغزو البرودة أركان القصور وسكانها، وتزيد الظلمة من الإحساس بالبرد القارس، ولكن في هذا القصر الذي كانت تُبنى مطابخه من الخشب؛ قد تحدث حادثة تدفئ القصر بأكمله.
الحرائق في قصور العصور الوسطى بأوروبا؛ كانت أمرًا معتادًا، وهذا بسبب الاختلاط اليومي بين الخشب والنار في مطابخ تلك القصور، خاصة وإن الاحتفالات والولائم كانت مستمرة وشبه يومية في قصور الملوك والأعيان؛ الأمر الذي كان يضع خدم القصر تحت وطأة الإرهاق الشديد من العمل المتواصل على توفير احتياجات الضيوف والذين قد يصل عددهم للمئات في الحفل الواحد؛ فكان هذا الإرهاق يولد بعضًا من الإهمال في المطبخ، فتجد النار غايتها في الخشب وينشب الحريق؛ ولهذا اختار الأوروبيون أن يبنوا مطابخهم فيما بعد بالأحجار.
التنظيف.. أو شيء من هذا القبيل
التخلص من الروائح القذرة داخل القصور؛ هو أكثر ما شغل خدمها، ولكنهم أيضًا لم يفكروا في حلول جذرية للأمر، وعادة ما تكون طرقهم للتغطية على الرائحة فقط أو التخلص منها مؤقتًا.
اقرأ ايضا: فيديو ”الخزان المسكون“ في بيشة السعودية يثير الرعب والجدل
ولهذا؛ كان الخدم ينثرون على درجات القصر، وأرضيته مجموعة من الأعشاب؛ التي عليها أن تخفي بين طياتها الأتربة ومخلفات الحيوانات الموجودة بالقصر، وأي مخلفات أخرى تدخل إليه من النوافذ، أو ما يسقط من بواقي طعام يحمله الخدم في طريقهم ذهابًا وإيابًا من المطبخ لغرفة الطعام.
وحينما تأتي نهاية اليوم؛ يأتي الدور الصعب في تغيير تلك الأعشاب ونثر الجديد منها؛ حينما كان يعرض صاحب هذه المهمة لما يؤذي نفسه وأمعاءه.
ساسة بوست