وديـعـة رابـيـن ..
يبدو أن الوديعة لم تحدث إنطباعاً قوياً لدى الرئيس حافظ الأسـد، فعلى الرغم من أنهُ قدّر أهميتها، لم يرى فيها ابتكاراً كبيراً، و لم يجدها عظيمة كما رآها الأمريكيون. لقد وجد فيها ثغرات كثيرة في كل مقترحاتها، مثل طلب رابين تقسيم سورية إلى أربع مناطق: منطقة منزوعة السلاح و خالية من الجنود، و منطقة ثانية فيها عدد محدود من الجنود ، و ثالثة يكون عدد الجنود محدوداً أيضاً، و تمتد عبر مسافة طويلة في عمق الأرض السورية، و منطقة رابعة عدد الجنود فيها غير محدود.
علق الرئيس الأسـد ساخراً : ” تريدون إعطاءنا الجولان و احتلال سورية بأكملها بدلا من ذلك؟. هذا يعني أن نزع السلاح سيصل حتى حمص”.
و بدا أن الاقتراح ليس سوى هدف واحد: تقليص قوة الجيش السوري. ” أنتم تتكلمون عن السلام بعقلية الحرب. حين نصل إلى السلام – إن كان أصيلا – لن يكون أي من هذه الإجراء ضرورياً “.
إضافة إلى ذلك، لم يكن يحب مصطلح “التطبيع” مفضلا استخدام ” علاقات سلمية طبيعية ” ، و هو مصطلح أصر عليه منذُ انطلاق عملية مدريد للسلام قبل ثلاث سنوات.
اقترح كريستوفر إقامة محطة إنذار مبكر فوق جبل الشيخ، و أن تكون لنا واحدة أيضاً في صفد المحتلة. و لكن الاقتراح لم يعجب الأسـد : ” لا نريد محطة إنذار مبكر في صفد، و لا فوق جبل الشيخ. فكّكوا فقط المحطة الموجودة لديكم حالياً، و لن تكون هناك حاجة إلى أية محطة أخرى! ” .
كان النقطة الرئيسية التي يحاول كريستوفر و روس إبداءها هي أن الرأي العام الإسرائيلي ليس مقتنعاً باستعداد سورية لتحقيق السلام، و أنه يطلب شيئاً في مقابل وديعة رابين. و بدا أن مسؤولي الولايات المتحدة مهتمون بالدعاية – كإجراء مقابلة مع صحيفة إسرائيلية، على سبيل المثال، أو السماح لصحفي إسرائيلي لزيارة سورية – أكثر من اهتمامهم بالجوهر. و كانوا دائماً يتحدثون و كأنه لا أهمية للرأي العام السوري.
و لأن حافظ الأسـد هو حافظ الأسـد، اعتقدوا أن بإمكانه إتخاذ أي قرار يريده، من دون أن يستشير الشعب السوري.
و هذا أصاب عصباً حساساً لدى الرئيس الأسـد، الذي انفعل على نحوٍ واضح، و أجاب بشدة : “المفروض أنكم وسطاء شرفاء، تمثلون الطرفين! ” . كما انزعج الأسـد من الجدول الزمني الذي يعطي خمس سنوات للانسحاب و تفكيك المستوطنات الذي اقترحه رابين، و قال : ” الجولان منطقة صغيرة جداً، و لا يحتاجون إلى سنوات. هذا مؤكد “.
كان الأسـد يعتقد أن الانسحاب يمكن أن يتم خلال ثلاثين يوماً. و قال في أحد الاجتماعات مع وارن كريستوفر : ” حين عملنا على إبرام إتفاقية الهدنة بعد حرب عام 1973، لم يتطلب إتمامها أكثر من خمسة عشر يوماً. ما السبب في أن الانسحاب يتطلب الآن مدة تصل إلى خمس سنوات ؟ ” . بالطبع لم يكن لدى كريستوفر أي جواب عن هذا السؤال، سوى القول إنّ اتفاقية الهدنة كانت محدودة و مؤقتة، في حين سيكون الانسحاب من الجولان نهائياً و كاملا.
طلب الرئيس الأسـد طعاماً خفيفاً و شراب الليمون لضيفه، و نصحهُ أن يفكر في الموضوع ، و أن يقوم بزيارة تدمر ليشاهد الآثار، و أن يلتقيا من جديد في اليوم التالي لمتابعة بحث المسألة.
من كتاب الدكتورة بثينة شعبان /عشرة أعوام مع حافظ الأسـد 1990-2000/ ص 151