كيف تردّ روسيا على أردوغان في سوريا؟
عمر معربوني
من الواضِح أنّ أميركا وتركيا وصلتا إلى الاتفاق على العناوين الأساسية لما يُسمِّيه الأتراك بـ “المنطقة الآمِنة” على الرغم من إعلان المُتحدّثة الرسمية باسم الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس أن أميركا وتركيا اتفقتا على إنشاء آلية أمنية تخفِّف من حجم الهواجِس الأمنية التركية.
من الواضح أنّ أميركا وتركيا وصلتا إلى الاتفاق على العناوين الأساسية لما يُسمِّيه الأتراك بـ “المنطقة الآمِنة” على الرغم من إعلان المُتحدّثة الرسمية باسم الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس أن أميركا وتركيا اتفقتا على إنشاء آلية أمنية تخفِّف من حجم الهواجِس الأمنية التركية، سيتمّ تنفيذها تدريجاً وليس على مبادىء إنشاء منطقة آمِنة رغم أن المُلحقات التي أعلنتها أورتاغوس تشير إلى تناغُمٍ أميركي تركي بما يرتبط بأهداف المنطقة التي يطرحها الأتراك، وهي في كل الأحوال إن حصلت ستستبدل الاحتلال الأميركي باحتلالٍ أميركي – تركي مُشتَرك.
في جانبٍ آخر جاءت تصريحات أردوغان الأخيرة حول شبه جزيرة القرم ورفضه لضمّ روسيا لها ووصفه سكان القرم بـ “الشعب المسلم الشقيق”، بأن الأمور ستذهب إلى مكانٍ مختلفٍ، ما يعني أنّ مرحلة المُساكَنة بين روسيا وتركيا تتَّجه ربما إلى مرحلةٍ من البرودة وشدّ الحِبال في الجانب السياسي بشكلٍ مباشرٍ، وفي الجانب الميداني عبر استخدام تركي أكبر للجماعات الإرهابية، وردود روسية مُحتمَلة قاسية باستهداف هذه الجماعات، خصوصاً وأنّ تركيا لم تنفِّذ أياً من تعهّداتها حول سوريا لا بما يرتبط بمضامين لقاءات آستانة ولقاءات سوتشي ولا حتى بالقمم التي عقدها الرئيسان بوتين وأردوغان .
أما وقد بات واضحاً حجم التناقُضات الروسية – التركية بما يتعلّق بالنظرة والسلوك للصِراع الدائِر في سوريا ، وعدم تمكّن روسيا حتى اللحظة من تحقيق نقلات نوعية في تغيير سلوك تركيا ، فعلى الأرجح نحن نتّجه إلى الدخول في مرحلةٍ أكثر تعقيداً ستحكمها تطوّرات الوضع الميداني في الشمال السوري شرقاً وغرباً .
فالرئيس الروسي سيجد نفسه في حال إحراجٍ شديد تجاه حليفيه الإيراني والسوري بسبب طلباته المستمرة تجميد العمليات العسكرية ، على أمل إقناع تركيا بالسَيْر في رَكْبِ الحلول السياسية والتي تتعهَّد تركيا في كل لقاء بتنفيذها ولكن بكلامٍ على الورق وليس ميدانياً على أرض الواقع .
فتركيا التي تعهَّدت في اللقاءات والقمم المختلفة أن تقوم بتنفيذ عملية الفصل بين الجماعات الإرهابية وما يُسمّيه الأتراك بالجماعات المُعتدلة لم تحقِّق أيّ تقدّم لا بل أية خطوة في هذا الجانب .
أمر آخر يرتبط بتعهّدات وقَّعت عليها تركيا وهي مُحاربة “جبهة النصرة” بشكلٍ مباشرٍ وعبر جماعات تُديرها المخابرات التركية لم يحصل ، لا بل يحصل عكسه تماماً حيث يتمّ عَقْد اجتماعات مستمرة ودورية بين ضبّاط المخابرات التركية وقيادات ” جبهة النصرة ” لتنسيق الخطوات العسكرية والأمنية .
ويبقى أنّ المسألة الأخطر هي استهداف الجماعات الإرهابية لقاعدة حميميم الروسية عبر صواريخ تمّ تطوير مداها وقدراتها في تركيا ، وعبر طائرات مُسيَّرة تبدو بدائية في شكلها ولكنها ذات تقنيات عالية تحتاج إلى قدرات هندسية مُتقدّمة .
إضافة إلى كل ما تقدَّم يبقى أن الحدود السورية التركية مفتوحة للجماعات الإرهابية بما فيها ” جبهة النصرة ” وجماعات ” الحزب التركستاني ” و”الإيغور ” و ” حرّاس الدين ” وغيرها من الجماعات .
ولتبرهِن روسيا ومعها القيادة السورية عن مستوى عالٍ من الجدّية في التزام مضمون الاتفاقيات ، أصدرت القيادة العامة للجيش والقوات المسلّحة في سوريا بياناً يؤكِّد الالتزام بوقف إطلاق النار من جانبٍ واحدٍ ، ولكنه التزام مشروط بتنفيذ مضمون اتفاقية المنطقة منزوعة السلاح التي أعلن الجولاني انّه لن يسحب إرهابييه منها ، وأن الجبهة لن تلتزم بأيّ وقف لإطلاق النار وهو الأمر الذي ترجمه الجولاني بقصفٍ غير مسبوق لقاعدة حميميم وللبلدات السورية في أرياف حماه ولمدينة حلب قبل وبعد انتهاء لقاء آستانة – 13 .
أمام هذا الجمع التركي – الإرهابي أصدرت القيادة العامة للجيش والقوات المسلّحة السورية بياناً أعلنت فيه استئناف العمليات العسكرية على جبهات التماس مع الجماعات الإرهابية .
قبل لقاء آستانة الأخير استعادت وحدات الجيش العربي السوري السيطرة على تل ملح وتل جبين ، وأزاحت خطر استهداف الطريق الرئيس بين محردة وسهل الغاب ، وباشرت بعد إعلان استئناف العمليات إندفاعات كبيرة باتجاهاتٍ مختلفةٍ نحو اللطامنة وكفرزيتا والهبيط وهي معاقل أساسية تُعتَبر العَصَب الأساس للجماعات المحسوبة على تركيا وأغلبها جماعات إخوانية .
من الواضح تماماً أن العمليات العسكرية الحالية للجيش العربي السوري ستوجِّه رسائل قاسية إلى أردوغان على غرار الرسائل التي وُجِّهت إليه بعد تحرير الأحياء الشرقية لمدينة حلب ، بفارِق أن أردوغان استطاع عبر استغلال الأوضاع الميدانية والسياسية أن يحصل بعد تحرير الأحياء الشرقية في حلب على غضّ نظر روسي لتنفيذ عمليتيّ ” درع الفرات في ريف حلب الشمالي الشرقي و ” غصن الزيتون ” في منطقة عفرين ، وكان الهدف من ذلك هو جَذْب أردوغان نحو الانخراط أكثر في العملية السياسية للوصول إلى حلٍ يُنهي الحرب في سوريا ، ولكن الأمور على ما يبدو لا تسير بما يحقِّق المصالح السورية والروسية ، لا بل تتَّجه أكثر نحو منحى استغلالي يمارسه أردوغان هذه الأيام مع أميركا في الشمال الشرقي لسوريا حيث تسيطر الوحدات الكردية كما مارسه قبلاً مع الروس .
بما يرتبط بـ “المنطقة الآمنة” التي تسعى تركيا إلى إقامتها في الشمال الشرقي يبدو من المؤكَّد أن الأميركيين لن يرّف لهم جفن في التخلّي عن المجموعات الكردية كما تخلّوا عن البرزاني في العراق إذا كان الثمن هو عودة أردوغان إلى الحضن الأميركية ، وتعقيد الأوضاع أكثر ودفعها نحو مزيدٍ من التأزّم من خلال إطالة أمَد الصراع والعمل على خَلْط الأوراق .
إزاء هذه المُتغيِّرات من المتوقَّع أن يكون الردّ الروسي مُتوازناً بين إبقاء الحوار مفتوحاً مع أردوغان وتوسيع نطاق العمليات العسكرية على محاور القتال مع الجماعات الإرهابية ، ستبقى حدودها القصوى على المستوى الجغرافي حدود المنطقة منزوعة السلاح إلا إذا اتّجهت الأمور نحو التصعيد بنتيجة التعقيدات التي يساهم أردوغان في صنعها مع الأميركيين .
الميادين