بين ريفي حماه الشمالي وإدلب الجنوبي.. تحولات مفصلية تفرضها الدولة السورية
تحولات مفصلية في مشهد الشمال السوري تُترجمها الآلة العسكرية السورية، عبر منجزات استراتيجية ستُنتج معادلات إقليمية، تحمل رسائل بمعاني متعددة إلى دول محور العدوان على سوريا، و على رأسهم تركيا، التي لا تزال تناور سياسياً باحثة عن مكاسب تُحقق لها تفاوضاً بشروط ذهبية، حيث أن خرائط العمليات العسكرية التي هندسها الجيش السوري، باتت أمر واقع عسكري،
الأمر الذي سيفتح أبواب الشمال السوري على مصراعيه، تمهيداً لاستعادة السيطرة على البؤر الجغرافية التي ظلت لسنوت طويلة تحت نير الإرهاب، وعليه، ليس مستغرباً مع الزخم الهجومي للجيش السوري، أن تتساقط معاقل الإرهاب كأحجار الدومينو، فالاستراتيجية التي اعتمدها الجيش السوري والمرتكزة على عمليات التطويق والعزل وقطع خطوط إمداد الفصائل الإرهابية بالنار، بالإضافة لعمليات نوعية استهدفت العمق الاستراتيجي للفصائل الإرهابية،
كل هذا اسفر عن تحولات نوعية في المشهد العسكري الناظم لأي معادلات سياسية مرتقبة، فقواعد الاشتباك الجديدة التي رُسمت بالحديد والنار، تشي بأن ريفي حماه الشمالي وإدلب الجنوبي، سيؤسسان لما هو أبعد من الانتصار السوري، فالمراهنات الإقليمية والدولية على إدلب تهدف في بُعدها الاستراتيجي إلى الاستثمار السياسي في جغرافية الشمال،
فضلا عن جُملة واسعة من الأهداف الأمريكية التي تتمحور حول التموضع السياسي والعسكري في الخارطة الإقليمية الجديدة، وبالتالي فإن ما يُنجزه الجيش السوري في ريفي حماه وإدلب، سيكون ورقة سياسية رابحة بالمقاييس كافة، لا سيما أن البيانات السياسية والعسكرية تفرض إيقاعاً هاماً لجهة بلورة الحلول السورية، والتي لن تخرج عن نطاق دمشق.
الإنجازات العسكرية الاستراتيجية التي حققها الجيش السوري في ريف إدلب الجنوبي، تفتح الباب واسعاً أمام المزيد من المُنجزات، لا سيما أن السيطرة على بلدة الهبيط الإستراتيجية ستكون نقطة انطلاق إلى مدينة خان شيخون، والوصول إلى الطريق الدولي دمشق – حلب – حماه،
وبالتالي وضعت القيادة السورية نُصب أعينها حشر تركيا وأدواتها الإرهابية في نطاق سياسي وعسكري محدود، حيث ان سلوك الفصائل الإرهابية المرتبط بالسلوك التركي، دفع الجيش السوري إلى الضغط العسكري بُغية فرض مقررات سوتشي واقعاً عملياتياً، أي تنفيذ البند الثامن من اتفاق سوتشي الخاص باستئناف النقل عبر طريقي حلب – حماه، و حلب – اللاذقية، حيث نص الاتفاق صراحة على استعادة طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب – اللاذقية) وإم 5 (حلب – حماة) بحلول نهاية العام 2018، مع تعهد الجانبين الروسي و التركي بتأمين الحماية اللازمة لهذين الطريقين،
ولكن المناورات التركية المستمرة أسفرت عن عدم تنفيذ هذا البند، وعليه بات واضحاً أن العمل العسكري جاء في توقيت سياسي ضاغط على تركيا، ما يعني ضرورة سيطرة الدولة السورية على مدن وبلدات هامة في ريف إدلب الجنوبي، منها معرة النعمان وسراقب، والسيطرة الكاملة على ريف حماة الشمالي.
اقرأ المزيد في قسم الاخبار
ضمن العديد من المعطيات التي سيفرضها إيقاع المعارك في إدلب وريف حماه الشمالي، قد نشاهد العديد من السيناريوهات التي ستلجأ من خلالها تركيا إلى التفاوض مع موسكو من أجل تحقيق مطالب دمشق، وفي جانب أخر تفعيل مقررات سوتشي لجهة المناطق المنزوعة السلاح، ليتم في وقت لاحق البناء على الواقع الجديد الذي سيفرضه الجيش السوري،
والذي سيؤدي بلا ريب إلى إنتاج مفاعيل تُحقق منظومتان سياسية وعسكرية سيتم اعتمادهما من أجل تحرير إدلب، فالضغط السياسي والعسكري بات عاملاً مؤثراً على رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، وتركيا لم يعد باستطاعتها احتواء التنظيمات الإرهابية وتشعباتها وارتباطاتها الإقليمية والدولية،
وهذا ما يُفسر الصمت التركي حيال المعارك وتقدم الجيش السوري في ريفي حماه الشمالي وإدلب الجنوبي، و إسقاطه لمعاقل الإرهابيين تباعاً، بيد أن الصدمة العسكرية التي تلقتها جبهة النصرة الإرهابية جعلتها تتخبط على وقع صوت المجنزرات السورية، كما أن سلاحي الطيران السوري والروسي أفقد الفصائل الإرهابية خياراتها العسكرية، فكانت خطوط إمدادهم ومستودعات اسلحتهم، وحتى تحركاتهم ونقاط تحصيناتهم، هدفاً للقوة النارية التي عزلت وطوقت كافة تحركات الإرهابين بالنار.
عسكرياً، يعتمد الجيش السوري تكتيكاً عسكرياً بأبعاد استراتيجية، حيث أن عزل القرى في ريفي حماه الشمالي وإدلب الجنوبي، وقطع التواصل الجغرافي فيما بينهم، سيؤدي إلى فقدان الفصائل الإرهابية المتواجدة في تلك القرى والبلدات، زخمها الهجومي وقدرتها على تأسيس أي هجوم واسع،
لا سيما أن سلاحي الطيران السوري والروسي يرصدان بدقة أي تجمعات تكون مُنطلقاً لأي هجوم أو محاولة تسلل، وبالتالي بات واضحاً ان الاستراتيجية العسكرية التي يعتمدها الجيش السوري قد حققت نجاحاً لجهة فرض قواعد اشتباك جديدة، يحصد من خلالها منجزات عسكرية تأتي ضمن توقيت سياسي بارز، فـ الانجازات العسكرية التي يحققها الجيش السوري، جعلت التهديدات التركية تخرج عن نطاق التطبيق العملياتي المُعتمد على الفصائل الإرهابية،
وهذا بدوره سيؤسس لمرحلة سياسية تُقصي أي عبث تركي بالجغرافية السورية، نتيجة لذلك فإن العمليات العسكرية السورية تسير بوتيرة متصاعدة، مانعة أن تُعيد الفصائل الإرهابية تجميع قواتها المشرذمة من جهة، ومن جهة أخرى كافة المُخططات الإقليمية والدولية حيال إدلب، باتت فارغة من محتواها.
في النتيجة، يحضر قوياً ما أكده الرئيس السوري بشار الأسد في أكثر من مناسبة، لجهة تحرير كل مفاصل الجغرافية السورية من الإرهاب، هذه المعادلة التي وضعها الأسد، تُترجم واقعاً على الأرض، وعليه فإن أي مراهنات إقليمية أو دولية تتعلق بالشمال السوري لن تُجدي نفعاً، وإدلب ستعود سلماً أم حرباً،
فالقرار السوري بتحرير كل الجغرافية السورية بُني على معادلة الإرادة الصلبة و التضحيات الجمة و الحق السيادي، وبالتالي فإن معادلة الأسد لا زال يتردد صداها لدى أعداءه، فلا مساومات ولا مصالح إقليمية أو دولية ستؤسس لأي سيناريو، لا يُحقق السيادة السورية الكاملة على كافة أراضيها.
أمجد إسماعيل الآغا