بثينة شعبان: قمة القائد الراحل حافظ الأسـد – كلينتون في دمشق 1
بدأنا في منتصف شهر تشرين الأول/ 1994 نتهيأ لحدث خاص : كان بيل كلينتون يقوم بجولة في الشرق الأوسط، و كان مقررا أن يتوقف في دمشق اللقاء قمة في القصر الجمهوري. و أراد الرئيس الأسـد أن يضمن أن يلقى كلينتون ترحيباً يناسب مقامه، لكونه أول رئيس للولايات المتحدة يزور سورية خلال ولايته، منذ عشرين عاماً. لقد زار الرئيس كارتر سورية مراراً بعد مغادرته البيت الأبيض عام 1981، كما سبقه قدوم ريتشارد نيكسون عام 1974، لكن نيكسون كان رئيساً مهزوماً دمرت فضيحة وترغيت سمعته إلى حدّ بعيد. وقام برحلته إلى سورية خلال الأشهر الأخيرة له في منصبه، الأمر الذي أفقده عملياً أهميته في مسألة صنع السلام العربي – الإسرائيلي، في حين كان كلينتون في قمة حياته السياسية، إذ أكمل قبل مدة قصيرة السنة الثانية من رئاسته، و كان يطمح إلى ولاية جديدة، و لم يسبق أن كان أي رئيس للولايات المتحدة مثله في اهتمامه بصنع السلام في الشرق الأوسط، وكان يحظى باحترام صادق من العرب، و لا سيما السوريين و الفلسطينيين.
و قد صحبت الرئيس الأسـد إلى مطار دمشق الدولي في ذلك الصباح من تشرين الأول/ 1994 أكتوبر ، حيث كانت الحكومة السورية بأكملها متجمعة بانتظام عند السجاد الأحمر، مستعدة للترحيب برئيس الولايات المتحدة.
قبل الزيارة بأسبوع، أقدم شاب فلسطيني على تفجير قنبلة . مربوطة إلى خصره في تل بيب، و قتل واحدا و عشرين إسرائيلياً و مواطنا هولنديا. و مع أننا نمقت قتل المدنيين، فقد طرحت سورية السؤال الآتي: ما السبب الذي دفع هذا الشاب إلى أن ينهي حياته بهذا الشكل؟». كان الجواب عندنا هو الغضب و الإذلال و اليأس، و كلها بسبب قوات الاحتلال الإسرائيلية، أما في ما يخص الولايات المتحدة، فلم يكن الشاهد سوى «إرهابي فجّر قنبلة»، و لأن الرئيس الأسد أدرك أن ما حدث سيضع كلينتون في موقف صعب، فقد دان الهجوم بسرعة لإسكات أعضاء الكونغرس الأمريكي الذين سيحاولون استخدام الحادثة لتعطيل الزيارة إلى دمشق. قال الرئيس في تصريحه الدقيق الصياغة:
” تدين سورية قتل المدنيين، أكان في بيروت أم رام الله أم تل أبيب ” .
و في يوم وصول كلينتون، أطلق حزب الله صواريخ كاتيوشا على شمال إسرائيل، و كان يُخشى أن يتفاقم الوضع و يتحول إلى أزمة كبرى. لكن ذلك لم يحدث، لأن تلك الصواريخ لم تقتل أحداً. تجاهلت الولايات المتحدة الحادثة، و نحن لم ندنها، و لا هللنا لها، مع أن العالم كله يعرف روابطنا القوية بحزب الله و قائده الشاب آنذاك السيد حسن نصر الله .
اقرأ أيضا: مرشح للرئاسة التونسية يتعهد بفتح سفارة بلاده في دمشق في حال فوزه
و قد صرح دنيس روس في مذكراته تصريحاً غير صحيح، و هو أن المسؤولين الأمريكيين صمتوا بشأن هجوم حزب الله لأننا كنا نعتمد على كلمة الأسد أنه سينزع سلاح حزب الله حين تلتزم إسرائيل، بموجب اتفاقية سلام، بالانسحاب من سورية و لبنان .
من كتاب الدكتورة بثينة شعبان / عشرة أعوام مع حافظ الأسـد 1990-2000 / ص 159