إستعصاء في خان شيخون، أسباب وأسرار.
سمير الفزاع
على الرغم من محاصرة الجيش العربي السوري شبه التامة لمدينة خان شيخون الفارغة من أدوات الغزو الارهابي منذ ليلة الأمس على الأقل، إلا أن الجيش لم يدخلها حتى اللحظة ما خلق جواً من الشك والحيرة والتربص. ما الذي يمنع الجيش من دخول المدينة حتى اللحظة اسوة بكل القرى والبلدات التي تمّ تحريرها مؤخراً في ريفي حماه وإدلب الواقعة ضمن مسرح العمليات النشط؟.
يتبع قائد الحملة العميد سهيل الحسن اسلوباً عسكريّاً مميزاً في تعامله مع أدوات الغزو الإرهابية، وتحرير المدن والبلدات من قبضتها، ويمكن تلخيصه كما يلي: توفير خريطة أمنية-عسكرية-طبوغرافية دقيقة ومفصلة لمسرح العمليات باستخدام منظومة متكاملة للسطع والاستخبار، وتضم العنصر البشري والطائرات المسيرة والمنظومات الإلكترونية… ثم يعمد إلى توفير القدر الكافي من القوات التي تربطه معها علاقة ميدانية خاصة إلى جانب الوسائط النارية المناسبة للتعامل مع خصائص الميدان… وصولاً إلى الغطاء الجوي اللصيق. وعندما يتقدم نحو هدفه، يعمد “النمر” إلى المشاغلة بالنار على أكثر من محور ليحقق هدفين أساسيين على الأقل: التعمية على وجهته الحقيقية، وإجبار العدو على التمترس بمواقعه ومنعه من نقل والمناورة بالقوات بين الجبهات والمحاور لمنع الخرق الذي سيقع حتماً… وغالباً ما يستخدم تكتيك “رأس الجسر” بالقضم والإطباق الناري ليحقق أهداف أساسية منها: التقليل من الخسائر البشريّة في صفوف الجيش العربي السوري إلى أبعد حدّ ممكن، الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة ما أمكن بحصر العمليات في عقد حاكمة، الحسم الميداني لمساحات واسعة بالإطباق عليها وإجبار العدو على الإنسحاب بدلاً من تحريرها شبراً شبراً… .
كل هذه التكتيكات وغيرها الكثير أنجزت بكفاءة عالية في مسرح العمليات، وحدثت معظم النتائج المتوقعة، باستثناء دخول الجيش العربي السوري مدينة خان شيخون والجيب المحاصر… وهذه بعض أسباب هذا الإستعصاء المؤقت وتفاصيل المشهد:
1- تركيا لا تريد أن تجعل من إخلاء نقطتها من “مورك” الواقعة ضمن الجيب المحاصر سابقة سياسية-عسكرية يمكن الاتكاء عليها وتكرارها مستقبلا، بحيث يصبح من المألوف أن يخلي الجيش التركي نقاط مراقبته بمجرد اقتراب الجيش العربي السوري منها… آلياً ومجاناً. أمام هذا الاستعصاء التركي، يقوم الجيش العربي السوري بتمهيد كثيف على كباني وتلالها وجسر الشغور ومحاور الاشتباك في ريف اللاذقية الشمالي… وهذا المحور ربما هو الأخطر على مجمل المشروع في إدلب، والأكثر إيلاماً لنظام اردوغان.
2-سيحمل إنسحاب النقطة التركية السريع إشارات ودلائل مروعة لأدوات الغزو الإرهابي لناحية: جديّة الموقف التركي، مستقبل هذه الأدوات السياسي-العسكري، مدى ومساحة حملة الجيش العربي السوري، حجم الدعم الدولي للموقف التركي… لهذا استعصت النقطة التركية في مورك، وبعثت أنقره برتل عسكري كبير بهدف:
أ-“إبراء الذمة” أمام هذه الأدوات.
ب-محاولة كشف وتظهير مدى تصميم قيادة الجيش العربي السوري، ونواياه الميدانية.
ج-معرفة حجم الدعم الروسي-الإيراني لهذه العملية، كونهما حلفاء لدمشق، والضامنين مع تركيا لاتفاق استانا.
د-إستجرار الدعم الدولي لدعم تركيا، وهنا نلحظ تصريحات ماكرون بالتزامن مع استضافته الرئيس الروسي بوتين، وتغريدة السفارة الأمريكية في دمشق قبل ساعات.
ه-التفاهم حول مصير المعدات والارهابيين المحاصرين في جيب خان شيخون-مورك-اللطامنه-كفر زيتا، ومن لجأ منهم للنقطة التركية في مورك.
هنا، قام سلاح الجو السوري بغارة تحذيرية للرتل التركي فأجبره على التوقف في بلدة “حيش”، فاقام هناك، وقام ببناء الدشم والسواتر في تلك النقطة، ليكون حاضراً قريباً من نقطة الحدث، ولكي يؤمن انسحاب قواته من نقطة مورك عندما يحين الوقت، وليكون “حاجزاً” بوجه الجيش العربي السوري إذا ما حاول التقدم نحو معرة النعمان.
3-صحيح بأن تفخيخ شوارع ومنازل خان شيخون قد يكون سبباً لتأخير إعلانها محررة مطهرة، ولكن الجيش العربي السوري لم يدخلها بعد، ويمكن تفسير ذلك جزئياً برغبته ترك طريق خروج قوات النقطة التركية وما تبقى من أدوات غزو إرهابي هناك مفتوحاً… ولكن في خان شيخون ملف حساس جداً لا يمكن إغفاله، الملف الكيمائي، ذلك الهجوم الإرهابي الذي وقع في 30/3/2017، وراح ضحيته المئات من الشهداء والمصابين… وأثبت الصحفي الإستقصائي الشهير “سيمور هيرش” بأن غاز السارين المستخدم هو تركي وليس سوري، وترك خان شيخون وهذا الجيب ربما سيفتح الباب مجدداً أمام تحقيق ميداني جدي يثبت تورط تركيا ومن خلفها بهذه الجريمة النكراء.
مؤقتاً، سأكتفي بما ذكرت بانتظار الحقائق الأكثر فصاحة وبياناً وواقعية، حقائق الميدان.