ماذا بعد تحرير خان شيخون ؟
عمر معربوني
اكتسب الأسبوع الفائت شكلاً مختلفاً عمّا قبله لناحية تسارع الإنجازات الميدانية التي حقّقها الجيش العربي السوري في مسرح العمليات سواء في ريف حماه الشمالي أو في ريف إدلب الجنوبي .
فعلى مدار الأسبوع الأخير كنّا أمام وتيرة عالية لسير العمليات فاجأت الكثير من المراقبين حيث أنّ ما خسرته الجماعات الإرهابية ليس مجرد جغرافيا يمكن تعويضها بهجمات مضادّة بل عقدة مُدافعَة أساسية وخط دفاع أول عن عمق منطقة سيطرة هذه الجماعات .
ويبقى انّ الأتراك هم أكبر الخاسرين والمصدومين حيث انهت العمليات أكبر فصائلهم وهو ” جيش العزّة ” الذي تدعمه تركيا منذ فترة تخلي دونالد ترامب عن تقديم الدعم المالي لكثير من الفصائل .
أمّا كيف يمكن تفسير الإنهيار السريع للجماعات الإرهابية فهو أمر يرتبط بمجموعة من العوامل على رأسها :
– عدم وجود تنسيق كامل على المستوى الميداني بين الجماعات الا عبر المشغّل التركي وعبر القنوات الإستخباراتية وهو عامل افقدهم السرعة في اتخاذ القرارات وادارة مسرح العمليات .
– تكرار الجيش العربي السوري لنمط جرّ الجماعات الإرهابية الى بقعة القتل من خلال اعادة التموضع المرنة خلال تنفيذ هذه الجماعات للهجمات المضادة واتاحة الفرصة لها للإنكشاف ومن ثم وضعها داخل بقعة القتل وإشباع البقعة بالنار ممّا افقد الجماعات الإرهابية نخبة مقاتليها وحدّ من قدرتها القتالية إضافة الى تدمير عدد كبير من آلياتهم ومدرعاتهم .
– مبادرة الجيش الى المناورة بالقوات والنار على أكثر من محور لتشتيت جهد الجماعات الإرهابية وإفقادها قدرة تحديد إتجاه الهجوم الرئيسي وهو ما تكرر في كل مرّة كانت وحدات الجيش العربي السوري تندفع بإتجاه معين .
العامل الأهم من عوامل حسم المعركة كان تنفيذ وحدات الجيش العربي السوري لتثبيت نقاط سيطرة على مفاتيح جبل الزاوية لمنع وصول الإمداد الى ريف حماه الشمالي والتأسيس لمرحلة العمليات القادمة ما بعد تحرير ريف حماه الشمالي واجزاء من ريف إدلب الجنوبي ، ورغم وضوح خطط الجيش والهادفة الى تطويق ريف حماه الشمالي وعزله بدت الجماعات الإرهابية مربكة وعاجزة عن تحريك قواتها وصد الهجمات بسبب عامل المناورات الإبداعية التي نفّذتها وحدات الجيش .
لم يكن خافياً ان تقدم القوات من كفرنبودة الى الهبيط في المحور الغربي وتقدمها باتجاه سكيك وتل سكيك كان هدفه التقاء القوات في خان شيخون واغلاق الطوق بشكل كامل .
التأسيس الأول لنقاط السيطرة والتثبيت في جبل الزاوية كان في بلدة القصابية بعد استعادة الجيش لكفرنبودة التي كان انسحاب الجيش منها بمثابة الكمين الأول الذي افقد الجماعات الإرهابية عدداً كبيراً من المقاتلين وهو الأمر الذي تكرر في تل ملح وتل جبين وكلف الجماعات الإرهابية خسائر مضاعفة .
بموازاة السيطرة على القصابية وهي تقع على منتصف خط التثبيت كانت وحدات أخرى قد تقدمت الى منطقة الكركات في اعالي قلعة المضيق ومن ثم تم وصل الخط بينهما من خلال تحرير القرى الواقعة بين البلدتين لتقوم القوات بتنفيذ مناورة الإندفاع من الهبيط نحو مدخل خان شيخون الغربي لجذب جهد الجماعات الإرهابية ومن ثم الإندفاع شمالاً لتحرير تل الأرجحي وقرية مدايا ومن ثم المتابعة لتحرير تل النار ومزارع خان شيخون في الشمال الغربي لتصبح القوات على تماس مع بلدة كفرسجنة ومن ثم الإتجاه جنوب غرب للسيطرة على تل كفردون والمتابعة نحو الطريق الدولي شرقاً والسيطرة على تل النمر وتل السيرياتيل وحرش الخان في حركة تشبه عقارب الساعة ولنكون امام الإنجاز الأهم من خلال قطع الطريق الدولي وتثبيت القوات على مدخل خان شيخون الشمالي .
خلال هذه الفترة قبل قطع الطريق حاول الأتراك دفع ثلاثة ارتال تضم عشرات الآليات المدرعة والشاحنات المحّملة بالذخائر وصل بعضها الى خان شيخون لتُفرغ حمولتها من الذخائر لكن باقي الأرتال توقف مرغماً في معرة النعمان بعد قصف مقدمته بواسطة الطيران الحربي السوري في رسالة ردع لا تحمل اي التباس .
ومع صدور هذا المقال نكون أمام وضع جديد سيطرت فيه وحدات الجيش العربي السوري على كامل ريف حماه الشمالي سواء بالسيطرة المباشرة أو التطويق حيث لا تزال مدن مورك وكفرزيتا واللطامنة وقرى أخرى داخل الطوق ولم تدخلها وحدات الجيش إضافة الى نقطة المراقبة التركية في مورك والتي يُصّر الأتراك على بقائها رغم انتفاء دورها ومهمتها لتثبيت معادلة بقاء النقاط التركية الأخرى في حال إكمال الجيش العربي السوري لعملياته .
امّا ماذا بعد تحرير خان شيخون فالجواب في السياسة والميدان :
– على المستوى السياسي ليس هناك ما يشير الى تراجع الدولة السورية عن تمسكها بحقها بالسيادة على كل شبر من أرضها والتعامل مع الأمر بحسب الموقف والإمكانيات والظروف والمواقع المختلفة السياسية والديبلوماسية وهي جبهة موازية للجبهة العسكرية ولا تقل أهمية عنها .
– على المستوى العسكري من الواضح ان الجيش يمتلك مفاتيح الميدان على كل المحاور ولا اعتقد انه سيكون بمواجهة عملياته القادمة تعقيدات عسكرية كبيرة وما حصل في ريف حماه الشمالي وريف إدلب الجنوبي سيتكرر على اي محور قتالي من شمال حلب الى غربها والجنوب الغربي وصولاً الى ريف حلب الجنوب كاملاً والى سهل الغاب ومحور ريف اللاذقية الشمالي الشرقي لكن توقيت العمليات ومكانها أمر تقرره القيادتين السياسية والعسكرية بالنظر الى الظروف والوقائع على اعتبار ان التعقيدات الأساسية في المعركة ذات طابع سياسي اكثر منه عسكري وهو ما ارسلت من خلاله الدولة السورية رسائل قوية للأتراك حول ضرورة الكّف عن المناورة والتلاعب والإنخراط الجدي في تنفيذ مضامين الإتفاقيات المعقودة في لقاءات آستانة وسوتشي والاّ فإنّ الجيش العربي السوري سيقوم بإستكمال عملياته وبزخم اكبر مما شهدناه خلال المعارك التي انتهت بنصر هام سيكون له تداعيات في البعد الجيوسياسي كتعريف المراحل ب ما قبل خان شيخون وبعد خان شيخون على غرار ما حصل بعد تحرير الأحياء الشرقية في حلب التي أجبرت التركي على تقديم تنازلات كبيرة والذهاب الى آستانة 1 وهو ما سيحصل في المرحلة القادمة وسيقدم فيه التركي تنازلات مع مطالبته ضمنا بحفظ ماء الوجه وهو ما سيطلبه التركي من الروسي وسيكون محّل مفاوضات اغلبها تحت الطاولة وليس فوقها بمعرفة ومتابعة الدولة السورية صاحبة الأمر الأول والأخير .
مركز بيروت للأخبار