عدوان ريف دمشق: هل وقع العدو في فشل استخباري؟
مرة جديدة، يختبر العدو الإسرائيلي، بالدم، قواعد الاشتباك على الساحة السورية. ليل أول من أمس، هاجم سلاح الجو الإسرائيلي مزرعة تحوي منزلاً صغيراً، إضافة الى موقف سيارات بجانبه، في بلدة عقربا في ريف دمشق الجنوبي الشرقي. في الحصيلة النهائية للهجوم المعادي، سقط شهيدان لبنانيان يعملان ضمن تشكيلات حزب الله في سوريا، إضافة الى جريحين آخرين.
الاستهداف المباشر، وسقوط شهداء، وتأكيد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم أمس العملية، واعتباره أن الذي قُصف هو مركز لحزب الله، وسقط فيه شهداء لبنانيون، أمور تضع الساحة السورية أمام احتمالات استثنائية في إطار السعي الى إعادة تثبيت قواعد الاشتباك، أو الى بناء قواعد أخرى جديدة.
على مدى السنوات الماضية، أثناء الحرب السورية، ثبّت حزب الله قواعد اشتباك تحكم «السجال» الميداني غير المباشر مع العدو الإسرائيلي. المعادلة التي بُنيت على أساس أن العدو سيلقى رداً مباشراً وتلقائياً في حال استهدف أفراداً من حزب الله في سوريا، منعت إسرائيل من استهداف مقاومين لبنانيين بشكل مباشر، منذ أواخر العام 2015 حتى الأول من أمس. بعدما استهدف بداية العام 2015 مجموعة القنيطرة في مزارع الأمل على الحدود مع الجولان المحتل، ما أدى الى سقوط 6 شهداء من الحزب،
اقرا المزيد في قسم الاخبار
عاد العدو في أواخر العام نفسه، ليستهدف الأسير المحرّر سمير القنطار في مبنى سكني في جرمانا جنوب العاصمة السورية دمشق، الأمر الذي دفع بالمقاومة الى الرد على العمليتين في منطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة. منذ ذلك الحين، لم يقدم العدو على استهداف أي عناصر من حزب الله في سوريا، وإن قارب ذلك مرات عدة، وتحديداً في العام الأخير في منطقة جنوب دمشق، ومناطق قريبة من الحدود مع الجولان، إلا أنه كان واضحاً أنه سعى دائماً الى تجنب قتل أي مقاوم لبناني، لتجنب الرد الذي أدرك أنه بات محسوماً.
السياق السابق الذي حكمته قواعد الاشتباك المثبَتة، خرقته عملية عقربا أول من أمس. العملية جرت في منطقة يعرف العدو جيداً أن عناصر حزب الله ينتشرون فيها، ويتخذون من بعض بيوتها مراكز لهم. كما أنها منطقة بعيدة عن الحدود مع الجولان نسبياً (حوالى 60 كلم)، وهي تعدّ من ضواحي العاصمة دمشق. إضافة الى ذلك، فإن طبيعة الاستهداف، الذي أتى على شكل عملية واحدة محدودة ضد هدف واحد فقط، تؤشر الى أن العدو كان يمتلك معلومات دقيقة عن الهدف المطلوب، وبطبيعة الحال عن المجموعة المستهدفة، ما يؤدي الى استنتاج أن العدو تعمّد القتل.
أول استهداف مباشر لمقاومين لبنانيين في سوريا منذ اغتيال القنطار
بحسب ما يشير مصدر عسكري سوري لـ«الأخبار»، فإن العدو الإسرائيلي «عمد في المرحلة الأولى الى استهداف موقف السيارات داخل المزرعة بطائرة مسيرة انفجرت داخله، ثم تلى ذلك طائرة مسيرة أخرى استهدفت المنزل»، ويضيف المصدر أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، إذ سرعان ما «بدأت مرحلة ثانية، أطلقت خلالها طائرات حربية إسرائيلية عدداً كبيراً من الصواريخ باتجاه المنزل ومحيطه، ما سوّاه أرضاً».
قد يكون من المفيد هنا التذكير بعمليات القصف المدفعي والصاروخي التي ينفّذها جيش الاحتلال بشكل دوري في منطقة القنيطرة وقرى جبل الشيخ، والتي يستهدف فيها نقاط رصد ومراقبة، يدّعي أنها لحزب الله وقوات إيرانية. وإذا ما صحّت رواية العدو المتكررة عن وجود مجموعات إيرانية وأخرى من حزب الله على حدوده، وأنه يضربها، فإنه كان حتماً يتجنب قتل أي من العناصر غير السوريين، لأنه لم يسقط أي شهيد للحزب هناك، ولا حتى للإيرانيين،
لكن أصيب عدد من جنود الجيش السوري في بعض المرات. هذه الحقيقة، تطرح تساؤلاً: هل قرر العدو أول من أمس أن يستهدف حزب الله بشكل مباشر وأن يقتل عناصره؟ أم أنه وقع ضحية فشل معلوماتي وظن أنه يضرب قوة إيرانية أو سورية، إلا أنه وجد نفسه في مواجهة الحزب؟ في انتظار الرد وإعادة تشكيل قواعد الاشتباك، يمكن البدء بالبحث عن الجواب. إلا أن ما هو ثابت حكماً، هو أن عملية دمشق الأخيرة، ستمثّل نقطة مفصلية أخرى في تشكل المعادلة الجديدة.