لا خبز في لبنان من دون السوريين
رغم كل الضغوطات تبدو حملة وزير العمل اللبناني على العمالة الأجنبية في لبنان مستمرة، فبعد عرقلة وتباطؤ فيما يخص ملف العمال الفلسطينيين، يظهر أن الحملة استعادت مسيرتها السابقة من خلال جولات مفتشي وزارة العمل على مناطق لبنانية مختلفة كل يوم لتسطير المخالفات والإنذارات والغرامات بحق المخالفين وصولاً إلى حد إغلاق المنشآت والمصالح التجارية والصناعية المخالفة لقانون العمل اللبناني، ويبدو الموقع الرسمي للوزارة -على خلاف المعتاد في المواقع الحكومية- محدثاً بشكل دوري لإعلان نتائج حملة الوزارة وتطوراتها، وهو الأمر الذي يمكن فهمه في سياق التنافس الحزبي بين الوزراء وتقديم أدائهم الوزاري وإنجازاتهم وجديتهم في عملهم على نحو يخاطب الشارع اللبناني الناخب.
ما جرى بشأن العمال الفلسطينيين أن الاحتجاجات الفلسطينية تطورت من مظاهرات في التجمعات الفلسطينية والجوار إلى بعض المواجهات مع الوقى الأمنية وضغوط على الحكومة اللبنانية بالإضافة إلى سحب مودعين فلسطينيين أموالهم من المصارف اللبنانية، حتى جرى حل الأمر مبدئياً في جلسة لمجلس الوزراء بغياب وزير العمل المعني الأول بالقضية لسفره خارج البلاد، واتفق “على الطريقة اللبنانية” أن يبقى الأمر في عهدة مجلس الوزراء، ما يعني سحبه من إدارة الوزير المعني من دون أي سند أو مبرر قانوني.
على المقلب السوري لحملة وزارة العمل بحق العمالة الأجنبية غير الشرعية بحسب القانون اللبناني، وكما كان متوقعاً، علت صرخة اعتراض بعض أصحاب المصالح الصناعية والتجارية اللبنانية، فخلال الأسابيع الماضية اشتكى أصحاب معامل الأحذية اللبنانية من في مناطق لبنانية مختلفة أن حملة وزارة العمل التي تتضمن إلزامهم باستصدار إجازات عمل لعمالهم الأجانب هو أمر مرتفع الكلفة عليهم، يسنعكس على أرباحهم وقدراتهم الإنتاجية والتنافسية، مؤكدين أن لا عمال لبنانيين خبيرين بهذا النوع من الصناعات ليجري الإستعانة بهم بدلاً عن العمال الأجانب.
يشكل العمال السوريون عصب صناعة الأحذية في لبنان بسبب خبرتهم ومهارتهم وانخفاض أجورهم مع جودة إنتاجهم، ومع تزايد انكفاء العمالة اللبنانية عن هذا النوع من الصناعات واستحواذ السوريين وغيرهم على مواقع اللبنانية فيها، انقرضت الخبرات اللبنانية في هذا المجال أو كادت، ما يجعل تصريح أصحاب المعامل عن استحالة الاستعاضة عن العمال السوريين بآخرين لبنانيين صحيحاً في الوقت الراهن على أقل تقدير.
اقرأ المزيد في قسم الاخبار
لجوء أصحاب هؤلاء المعامل إلى وزير الصناعة وائل أبو فاعور المنتمي إلى الحزب التقدمي الإشتراكي (جنبلاط) للتوسط لدى حليفه وزير العمل (قوات لبنانية)، كشف من جهة أبو فاعور أن شكوى أصحاب معامل الأحذية ليست الشكوى الوحيدة في السياق ذاته بل هي جاءت شبيهة لشكوى أصحاب المصالح اللبنانية من قطاعات مختلفة، وكان من الملفت ربط أبو فاعور غياب العمالة اللبنانية الخبيرة بتقصير الدولة في دعم الصناعة المحلية بدل إلقاء اللوم على العمال الأجانب.
بعيداً عن مشكلة أصحاب معامل الأحذية التي تبقى منتجاً له بدائله، برزت مشكلة قطاع حيوي وأساسي لا غنى عنه في مواجه حملة وزارة العمل، هو قطاع الخبز، فهو من المنتجات التي تستهلك في كل البيوت اللبنانية يومياً، وتعد مكوناً غذائياً أساسياً في النمط الغذائي المحلي، ولا ترتبط بشريحة اجتماعية أو اقتصادية معينة من المجتمع.
يقدر إنتاج الخبز في لبنان بأكثر من 25 مليون ربطة خبز شهرياً، على أساس قرابة 24 ألف طن من الطحين، وهو قطاع غالباً ما يتجنب السياسيون المس به لجهة الأسعار لما له من تأثير على الرأي العام، وكحال قطاعات أخرى، يبدو أن العمال السوريين يشكلون عصب الأفران والمخابز الرئيسية، فبحسب نقيب أصحاب الأفران كاظم إبراهيم اللبنانيون غير مستعدين للعمل في الأفران بسبب ظروف العمل الصعبة، مضيفاً أن حملة وزارة العمل التي تفرض تسجيل العمال الأجانب في الضمان وتوفير بطاقات صحية لهم والإلتزام بمقتضيات قانون العمل أمر شديد الكلفة على أصحاب الأفران، وهو أمر إن فرض عليهم فهم سيلجؤون إلى رفع أسعار الخبز كثيراً.
إبراهيم قال أن وجود العمال السوريين في قطاع المخابز قديم جداً، متمنياً رضى العامل اللبناني بهذه المهنة فعندها لن يقبل بتوظيف عامل أجنبي على حد تعبيره، لكن عاد واختصر المشكلة الراهنة بقوله “إذا لا يوجد سوري، لا يوجد خبز”!
أما نقابة عمال المخابز اللبنانية رفضت كلام إبراهيم معتبرة أن الحداثة والمكننة سهلتا من مهمات عمال الأفران، مركزة على حرمان عمال المخابز من اللبنانيين من أيام الراحة والإجازات وبدلات النقل والتعليم، وقالت النقابة أن عدم تطبيق قانون العمل هو ما أدى إلى مزاحمة اليد العاملة الأجنبية واستغلال اللاجئين السوريين لحاجتهم في ساعات عمل طويلة بأجور ضئيلة.
تلفت هذه النقطة الأخيرة إلى الجانب الإيجابي من تطبيق قانون العمل كما يجب على العمال السوريين، إذ يتمتعون حينها بالحماية وبحد مقبول من الحقوق المادية والتعويضية.
وبالمقارنة مع الخلاف الفلسطيني مع وزارة العمل اللبنانية يقول شاب سوري جامعي مقيم في لبنان ويعمل في مستودع مواد أولية لأحد الأفران الكبرى إن اللاجئين السوريين يفتقدون إلى التضامن والتنظيم فيما بينهم، معتبراً أن تضامن ولو ربع اللاجئين السرويين الذين يعدون رسمياً قرابة مليون ونصف مليون لاجئ يمكن أن يغير الكثير، سواء عبر الاحتجاجات السلمية أو الإضرابات أو حتى عبر سحب المتمولين السوريين أموالهم من المصارف اللبنانية أو مجرد التهديد بسحبها على مثال ما فعل بعض المتمولين الفلسطينيين في خطوة لقيت صدى واسعاً.
ويشرح شادي أن إيقاف ورشات البناء ليومين أو ثلاثة بسبب إضراب أو توقف المخابز الكبرى عن العمل لنصف يوم ممكن أن يؤدي إلى مفعول مؤثر، يمكن أن يؤدي إلى تغيرات حقيقية وبوسائل قانونية ومشروعة، ولا يخفي الشاب السوري خشيته قليلاً من ردود فعل قاسية تجاه خطوة سورية كهذا وإن كان لا يأمل في تحقيق شيءٍ منها لانعدام المقومات التي تسمح بذلك.
من جهته يقول أبو جهاد العامل السوري القديم في واحدة من أشهر سلاسل المخابز في منطقة جبل لبنان وكسروان أن أجور العمال السوريين من ذوي الخبرة كانت تقارب 800 دولار أمريكي، وأحياناً أكثر بقليل، ولكنه يشرح أن أزمة اللجوء السورية أدت إلى تنافس سوري-سوري قام أصحاب المخابز وغيرهم بالإستفادة منه على أساس القاعدة المعروفة أي معادلة العرض والطلب، الأمر الذي أدى في حالات كثيرة إلى انخفاض أجور العمال في ظل عدم وجود قانون يحميها من تجاوزات أرباب العمل، ويستطرد أ،نه لا يتوقع إيجابيات كثيرة في حال تم فرض تسجيل العمال السوريين وشملهم بقانون العمل، إذ قد يتغير الكثير من تطبيق المكتسبات المفترضة في بلد كلبنان مع تغير الوزير ومجيء وزير آخر ينتمي إلى تيار سياسي مختلف.