ألمانيا وأزمة السكن الحادة.. ما مدى مسؤولية اللاجئين عنها؟
يحلو لليمين الشعبوي ومن يقول قوله تحميل المهاجرين واللاجئين مسؤولية أزمة السكن وارتفاع أسعار الإيجارات في ألمانيا. غير أن آراء غالبية الخبراء ونتائج الدراسات تظهر غير ذلك وتكشف أوجه التقصير من جانب الحكومة والولايات.
حتى سنوات ليست ببعيدة كانت مؤسسات السكن في مدن ألمانية مثل برلين تعرض شققها للاستئجار مقابل فترة سماح لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر. يومها كانت عشرات آلاف الشقق والبيوت الرخيصة الخاصة بأصحاب الدخل المحدود والمتوسط فارغة لا تجد من يشتري أو يستأجر. أما اليوم فقد أصبح إيجاد السكن المناسب للدخل الشغل الشاغل لعدد كبير من سكان ألمانيا خلال رحلة بحث مضنية عنه. وتفيد دراسة أعدتها جمعية “هانس بوكلر” القريبة من النقابات العمالية أن هناك نقصا بحدود مليوني مسكن في 77 مدينة ألمانية. وتظهر هذه المشكلة بشكل واضح في مدن كبيرة مثل برلين وميونيخ وكولونيا وشتوتغارت. وعلى سبيل المثال أفادت دراسة أعدها المعهد الاقتصادي الألماني أن المساكن المتاحة في هذه المدن لا تسد الطلب سوى بنسب تتراوح بين 50 إلى 73 بالمائة.
تشعب المشكلة
ولا تكمن المشكلة في نقص المساكن فقط، بل في ارتفاع أسعار المتاح منها بالنسبة للغالبية مقارنة مع الأجور والرواتب. ويدل على ذلك وجود عشرات الشقق الفارغة والفارهة التي تنتظر السياح وممثلي الشركات، لأن أصحاب الدخل المحدود لايستطيعون تحمل تكاليفها. وحتى الذين لديهم سكن، فإن ما لا يقل عن 40 بالمائة منهم يشكون حاليا من الارتفاع المتكرر في بدل الإيجار بشكل لا يتناسب وزيادة دخولهم، وهو الأمر الذي يشكل خطرا على استمرارهم في مساكنهم إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
اللاجئون كبش فداء
عندما تحصل مشكلة، فإن أسهل شيء لتفسير أسبابها لدى الكثيرين يكمن في إيجاد كبش فداء يتم تحميله المسؤولية عنها. وهذا ما يحصل ولو بشكل جزئي على صعيد أزمة السكن في ألمانيا، فاليمين المتطرف ومن يقول قوله، يحمّلون اللاجئين مسؤولية هذه المشكلة وتبعاتها، فأشخاص أمثال جيورج باتسديرسكي/ رئيس الكتلة البرلمانية لحزب البديل اليميني الشعبوي في ولاية برلين لا يبدون الاهتمام بالفرص التي جاءت مع اللاجئين والمهاجرين إلى ألمانيا في مجال العمل والاستثمار والتخفيف من مشكلة الشيخوخة التي يعاني منها المجتمع الألماني، على العكس من ذلك لايرى باتسديرسكي وأمثاله في المهاجرين واللاجئين الذين تدفقوا منذ عام 2015 أكثر من كونهم يتحملون “قسط كبيرا” في مشاكل سكان برلين مدعيا “أن الإيجارات العالية وأزمة السكن ورياض الأطفال المكتظة الخ، كلها بسبب اللاجئين والمهاجرين”.
من يتحمل المسؤولية؟
السؤال المطروح هنا هو إلى أي حد تتحمل موجة اللجوء والهجرة منذ عام 2015 المسؤولية؟ مما لا شك فيه أن هذه الموجة التي جاءت بأكثر من مليون لاجئي وخاصة من سوريا في عام 2015 ساهمت في زيادة الضغط على سوق السكن. غير أن هذه المساهمة بقيت محدودة، لأن القسم الأكبر من اللاجئين، أكثر من الثلثين لم يجد الفرص المناسبة التي تسمح بالخروج من أمكنة إيواء اللاجئين إلى سكن مستقل في شقة أو منزل.
وتكمن هذه الفرص في إيجاد عمل أو إعادة التأهيل أو الحصول على حق اللجوء. وإذا ما تم توزيع الباحثين من اللاجئين عن سكن مستقل على مختلف مناطق ألمانيا ومدنها التي يتجاوز عددها 80 مدينة، فإن أحد الاستنتاجات تفيد بأن نسبتهم في سوق الطلب على السكن قليلة مقارنة بالمهاجرين من الأرياف إلى المدن الألمانية أو مع المهاجرين من دول الاتحاد الأوروبي وشرق أوروبا.
ويؤيد هذا الاستنتاج اتفاق غالبية الخبراء ومعاهد البحث والاتحادات المتخصصة في ألمانيا على أن دور اللاجئين ثانوي في مشكلة السكن، لأنها المشكلة بدأت بالظهور منذ عام 2012، أي قبل التدفق الكبير للاجئين عام 2015. وعندما ظهرت حذرت جهات عدة من تفاقمها بسرعة كبيرة، غير أن الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات لم تقم بالخطوات اللازمة لحلها على حد قول بيرند ميسوفيك، مدير القسم القانوني في منظمة “برو آزول”. ومن هذه الخطوات التي كان ينبغي عملها على سبيل المثال بناء مساكن كافية تواكب زيادة الطلب وتوسيع رقعة أراضي البناء في ضواحي المدن وتوفيرها بأسعار مشجعة. وكان من اللازم تقليص الاجراءات البيروقراطية اللازمة للحصول على رخص البناء وإلغاء القوانين العقيمة في هذا الشأن. ويشتكي الكثير من المستثمرين أن فترة انتظارهم للحصول على رخصة البناء تصل سنة ونصف السنة، ما يعني ارتفاع أسعار الأراضي وتراجع الحافز لديهم للبناء.
المشكلة والحل الأكثر واقعية
في ظل استمرار حدة الأزمة ترتفع الأصوات المطالبة بحلها. وقد تجاوز الأمر الجدل في طرح الأفكار والاقتراحات إلى مبادرات شعبية تحاول الضغط على السلطات المحلية والاتحادية بدعم حزبي اليسار والخضر المعارضين. وفي العاصمة برلين طالب المبادرون بتأميم شركات الإسكان التي تمتلك أكثر من 3 آلاف شقة تحتكر تأجيرها وترفع أسعارها دون الالتزام بالضوابط والقوانين. وتوجه لهذه الشركات من أمثال شركة “دويتشه فونن” تهمة استغلال الوضع ومخالفة قانون صدر في عام 2015 لمنع ارتفاع الايجارات الجديدة أكثر من 10 بالمائة مقارنة مع متوسط السعر المألوف في منطقة العقار.
ويرى خبراء كثر أن القانون لم يحد من ارتفاع الأسعار ولم يحل المشكلة شأنه شأن زيادة دعم الحكومة الاتحادية للولايات بأكثر من مليار يورو منذ عام 2015. وعلى ضوء الطلب المتزايد على السكن بسبب الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن والهجرة الأوروبية ومن الدول العربية والعالم الثالث من الواضح أن المشكلة لن تحل إلا بالاسراع في بناء مساكن كافية من قبل الولايات والدولة والقطاع الخاص يكون من بينها نسبة كافية من المساكن الاجتماعية والادخار الرخيص. وفيما عدا ذلك ستتفاقم المشكلة في ظل ازدهار المضاربات في الأسعار وكثرة الشائعات حول من يتحمل المسؤولية.
ابراهيم محمد