عبد الباري عطوان: هل انتهى التصعيد العسكري جنوب لبنان؟
أعلن “حزب الله” في بيانٍ رسميٍّ عصر اليوم قصف آليّة عسكريّة إسرائيليّة قُرب الحُدود اللبنانيّة بثلاثة صواريخ مضادّة للدروع ممّا أدّى إلى تدميرها، وقتل وإصابة جميع من فيها، ولكن القيادة العسكريّة الإسرائيليّة التي اعترفت بحُدوث هذا الهُجوم، أكّدت أنّه لم يتم سُقوط أيّ قتلى أو جرحى، وأنّها أطلقت 100 قذيفة على مصدر إطلاق هذه الصواريخ في المُقابل، لكنّ تقارير صحافيّة إسرائيليّة أكّدت وصول ثلاثة مُصابين إسرائيليين إلى أحد مُستشفيات حيفا.
لا نعرف ما إذا كانت هذه العمليّة، أيّ قصف الآليّة الإسرائيليّة، جاءت في إطار تنفيذ التعهّد الذي التزم به السيّد حسن نصر الله بردٍّ انتقاميٍّ على استشهاد اثنين من كوادره في غارةٍ صاروخيّةٍ إسرائيليّة على أحد مقرّاته في ريف دمشق الجنوبي، واختراق طائرتين مسيّرتين مُفخّختين إسرائيليتين لأجواء لبنان في مُحاولةٍ لتنفيذ عمليّة اغتيال غامضة لأحد قادة “حزب الله”، أم لا، فبينما أعلنت القيادة العسكريّة انتهاء العمليّة والرّد عليها، أكّدت في الوقت نفسه أنّ حالة الطوارئ القُصوى في الجبهة الشماليّة ما زالت مُستمرّةً تحسُّبًا لأيّ طارِئ.
اقرأ المزيد في قسم الاخبار
***
السيّد نصر الله قال في خطابه الأخير شرحًا للرّد الانتقامي “أنّ الأمر ليس ردّ الاعتبار، وإنّما يرتبط بتثبيت مُعادلات، وقواعد اشتباك، وتثبيت موقع الحماية للبلد، وجعل الإسرائيلي يدفع ثمن عُدوانه”، فهل هذه الضّربة “المحدودة” جاءت ترجمةً لهذه التعهّدات؟
مُمكن أن تكون الإجابة بنعم ولا في الوقت نفسه، نعم من حيث أن “حزب الله” أقدم على الرّد وعبر الحُدود اللبنانيّة وقَصف هدفًا عسكريًّا وليس في مزارع شبعا فقط على غِرار ما حدث عاميّ 2014 و2016، وإيصال رسالة قويّة إلى الإسرائيليين بأنّ الحزب لن يقف مكتوف الأيدي تُجاه أيّ عُدوان إسرائيلي على الأراضي اللبنانيّة في المُستقبل يخترق قواعد الاشتباك التي ترسّخت بعد عدوان تموز (يوليو) عام 2006،
و”لا” لأنّ الرّد لم يكُن على قدر التوقّعات من حيثُ الحجم، لاعتقاد الكثيرين أنّه لم يكُن مُؤلمًا بالقدر الكافي للإسرائيليين، ولم يتساو مع طبيعة استهدافهم لقواعد “حزب الله” سواء في سورية أو في الضاحية الجنوبيّة.
مصادر لبنانيّة وعربيّة تحدّثت طِوال الأيّام الأخيرة عن ضغوط، داخليّة وخارجيّة، تعرّض لها “حزب الله”، والسيّد نصر الله شخصيًّا، من أجل عدم الإقدام على رد انتقامي كبير تستغله الحُكومة الإسرائيليّة لشن حرب شاملة على لبنان، خاصّةً بعد تهديدات بنيامين نِتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وتحذيره من ضخامة الرّد الذي يُمكن أن تشنّه قوّاته وصواريخه على لبنان،
ويبدو أنّ السيّد نصر الله أخذ هذه الضّغوط، ولو مُؤقّتًا، بعين الاعتبار، تجنّبًا لاتّهامات لبنانيّة بتهديد أمن لبنان واستقراره للخطر من قبل قوى لبنانيّة مُعادية وتقِف في الخندق الأمريكي، ومُضاعفة أعبائه الاقتصاديّة الضّخمة، وإيصال رسالة بأنّه يُريد حماية لبنان مثلما قال السيّد علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
هُناك نظريّة أُخرى مُتداولة تقول بأنّ الرّد المحدود لـ”حزب الله” اليوم ليس هو الرّد الكبير الذي توعّد به السيّد نصر الله وأثار قلق الإسرائيليين طِوال الأيّام القليلة الماضية، وإنّما هو مُجرّد بالون اختبار أوّلي، ولكن لم يصدر أيّ بيان من “حزب الله” يؤكّد هذه النظريّة أو ينفيها.
***
لا نعتقد أنّ بنيامين نِتنياهو الذي أصدر أوامره، وهو وزير دفاع أيضًا، بإرسال الطائرات الإسرائيليّة المُسيّرة إلى جنوب لبنان، سيخرج رابحًا من هذه المُواجهة المحدودة مع حزب الله حتى الآن، ويُعزّز فُرصه الانتخابيّة بالتّالي، لأنّ “حزب الله” أكّد قُدرته على الرّدع، ولم يتردّد في الرّد على أيّ اختراق لقواعد الاشتباك، ولن يتردّد بتكرار الشّيء نفسه، وربّما على نطاقٍ أوسع، في مُواجهة أيّ عدوان إسرائيلي جديد، مع اعترافنا بأنّ الرّد كان محدودًا وأقل من حجم التوقّعات التي رفع سقفها خِطاب السيّد نصر الله.
نحنُ في انتظار المزيد من المعلومات من جانب “حزب الله” أوّلًا، ومن طرف العدو الإسرائيلي ثانيًا، حول هذا الاشتباك وظروفه من الجوانب كافّة، والاجابة على كُل التساؤلات وعلامات الاستفهام المَطروحة في أوساط الرأي العام العربي بكُل شفافيّة.