سامي كليب:نصرالله: سقطت الخطوط الحمراء
سامي كليب.
أعلن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله اليوم الاثنين كسر الخطوط الحمراء مع إسرائيل، مؤكدا أن المقاومة انتقلت ” من الرد في أرض لبنانية محتلة الى أرض فلسطينية محتلة”. هذا تطور كبير وتحوّل مفصلي في تاريخ الصراع، يعني عمليا سقوط كل الاتفاقيات والقرارات الدولية بما فيها الخط الأزرق الذي رسمته وترعاه الأمم المتحدة اذا ما استمرت اعتداءات إسرائيل.
نصرالله الذي حمّل بنيامين نتنياهو مسؤولية الوصول الى هذا الواقع بسبب قتله أثنين من مهندسي الطيران التابعين لحزب الله في سوريا والاعتداء بطائرتين مسيّرتين على الضاحية الجنوبية، قال ان ” تاريخ ١ أيلول ٢٠١٩ بداية مرحلة جديدة من الوضع عند الحدود لحماية لبنان… وقد ثبّتنا معادلة الردع وقلنا لنتنياهو لم تعد لدينا خطوط حمراء…وإذا اعتديتم فإن كل جنودكم ومستعمراتكم في عمق العمق ستكون ضمن أهداف ردنا”
لم يذكر أمين عام حزب الله ما اذا كان استهداف قواته لناقلة جند إسرائيلية قد أدى الى قتل أو جرح جنود. صحيح أن بيان الحزب الذي أعقب العملية ذكر انها أدت الى ” تدمير آلية عسكرية عند طريق ثكنة أفيفيم وقتل وجرح من فيها” ، لكن المتابعين جميعا كانوا ينتظرون من السيد نصرالله ان يؤكد سقوط قتلى. فهل تعمّد الغموض البناء على عادة الحزب، أم لم يسقط فعلا قتلى، ما دفع إسرائيل لهضم العملية والتمويه عليها بقصف ١٠٠ قذيفة على الجوار اللبناني دون أن تؤدي هي الأخرى لسقوط قتلى او جرحى في الجانب اللبناني.
السيد نصرالله طمأن اللبنانيين على أن الجولة الحالية انتهت، شارحا أهمية توقيت وخلفيات هذه العملية التي نُفِّذت في وضح النهار رغم التهديدات الدولية والإسرائيلية وأبقت إسرائيل والمستوطنات على اعصابها لمدة أسبوع.
هل كلام أمين عام حزب الله سيرفع مستوى الضغط الانتخابي ضد نتنياهو من خلال تقديمه على أنه تسبّب بكسر الخطوط الحمراء وعرّض شعبه للخطر؟ أم ان اقتصار العملية عند هذا الحد ” المقبول” لن يؤثر على الانتخابات خصوصا اذا ما تأكد عدم سقوط قتلى؟
حزب الله لا يُميِّز ضمنيا بين نتنياهو والآخرين، فهو يعتبر أن كل رؤساء إسرائيل أعداء ولم يتعاملوا الا بلغة الحرب والتوسع والعنجهية، لكن المعروف أن نتنياهو أدرك أكثر من غيره حدود الخطر مع حزب الله فلم يُقدم على أي حرب منذ توليه السلطة قبل ١٣ عاما، واقتصرت عملياته على اغتيال بعض المسؤولين العسكريين والاستراتيجيين في الحزب واستهداف مقار له في سوريا يعتبرها قائمة بغية تصنيع وتطوير الصواريخ الاستراتيجية للحزب بتدريب إيراني.
ما أراده إذا حزب الله، هو افهام نتنياهو وكل من خلفه في إسرائيل والغرب، بأن كسره لقواعد الاشتباك في سوريا والضاحية، تم الرد عليه بكسر الخطوط الحمراء، وهذا الى حد ما يُشبه تماما ما فعلته ايران حين احتجزت ناقلة نفط بريطانية مقابل احتجاز ناقلة نفطها في مضيق جبل طارق. فهذا المحور يتصرف من مبدأ العين بالعين والسن بالسن خصوصا بعد ان ارتفع الضغط الاميركي والاعتداءات الإسرائيلية التي امتدت من العراق الى سوريا فلبنان.
يرى المحور أنه حقق تقدما على كل الجبهات، ففي العراق صار الحشد الشعبي رقما صعبا وجزءا من معادلة الصراع مع إسرائيل، وفي سوريا الحرب تستمر في اتجاه رياح المحور وقد جرى خلالها تشكيل خلايا شعبية مقاومة على الأراضي السورية، وفي لبنان ما عاد يُمكن لأي قرار أن يمر دون حزب الله، وفي اليمن الاوضاع تتجه لصالح حلفاء إيران وحزب الله.
وثمة معلومات دقيقة تقول ان الطائرتين المسيّرتين اللتين استهدفتا الضاحية كانتا فعلا في مهمة دقيقة، بحيث تخترق احداهما النوافذ، وتدخل الثانية في عملية تفجير دقيقة لا تترك بصمات خلفها وتبدو على أنها تفجير داخل مقر حزب الله. لذلك ركّز السيد نصرالله على فشلها وتحدث عن اختراق الخطوط الحمراء.
لعل الإشارة مهمة الى ان كل هذا التصعيد يجري فيما تتقدم الوساطة الفرنسية قدما في سياق تخفيض حدة التوتر الايراني الاميركي، والاتفاق مع طهران على مسألة تصدير نفطها او التعويض عنه. كما أنه يجري وسط ارتفاع مستوى الضغوط الاقتصادية الاميركية على حزب الله وحلفائه، وهو الأمر الذي دفع على الأرجح رئيس مجلس النواب نبيه بري الى استعادة خطاب تفعيل المقاومة، خصوصا ان ثمة من راح يسرّب معلومات عن احتمال توسيع أميركا عقوباتها على حلفاء الحزب بعد ان وضعت ثلاثة من النواب اللبنانيين الشيعة على لوائح العقوبات وكذلك مصرف جمال ترست بنك، وربما تضع مصرفا آخر مُقرّبا من برّي على اللائحة نفسها. فالرئيس بري الذي مارس طويلا دورا وسطيا مع كل الدول العربية والغربية لتجنيب لبنان خضات كبيرة بعد انخراط حزب الله في سوريا ودعمه للحوثيين والحشد الشعبي، لن يقبل التلويح الاميركي بتوسيع دائرة العقوبات وتأثيرها الكوارثي على الاقتصاد والسياسة والأمن في لبنان.
في هكذا أوقات من التفاوض، غالبا ما يكون التفاؤل والرغبة بالتقارب، متزامنين مع إبقاء الاصبع على الزناد، ذلك ان التفاوض من موقع القوة أكثر نجاعة من التفاوض من وقع الضعف. ولذلك من الصعب بعد اليوم فصل ما يجري في العراق واليمن وسوريا ولبنان، عما يجري على خط ايران وأميركا، فالمحور يريد التحرك كرجل واحد في هذه الاوقات الحرجة.