الألمان يفكرون بالاستثمار في أفريقيا.. ما الذي تغير؟
أفريقيا لا تلعب إلى حد الآن دورا مهما بالنسبة إلى التجارة الخارجية الألمانية، لكن هذا قد يتغير. ففي 2019 ارتفعت الواردات والصادرات المتبادلة بين ألمانيا ودول أفريقية، والحكومة الألمانية تعتزم دعم المستثمرين في أفريقيا.
“هيا بنا إلى أفريقيا، هناك أسواق المستقبل”، قال قبل أسابيع وزير التنمية الألماني غيرد مولر. هذا النداء موجه إلى الفاعلين في الاقتصاد الألماني. ويريد مولر أن تنشط الشركات أكثر في افريقيا، ويبدو أن تلك الشركات لا تمانع.
في الشهور الخمسة الأولى من العام الجاري ارتفع حجم التجارة مع افريقيا، حسب غرفة التجارة والصناعة الألمانية مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي بنسبة 12.7 في المائة. وأكثر من نصف عدد الشركات الألمانية يعتزم الاستثمار في افريقيا. ويتقاسم هذا الشعور كريستوف كانينغيسر، مدير أعمال نادي افريقيا للاقتصاد الألماني:” نرى اهتماما متزايدا للشركات الألمانية للعمل في افريقيا”.
وفي بعض البلدان الإفريقية سُجل في السنوات الأخيرة نموا اقتصاديا سريعا، فنسب النمو السنوي بنحو 7 في المائة باتت عادية في اثيوبيا وغانا ورواندا أو ساحل العاج. وفي الوقت الذي يطرأ فيه بعض الفتور على عجلة النمو في بعض مناطق العالم الأخرى، فإن هذا يثير جاذبية القارة الجنوبية المجاورة بالنسبة إلى الشركات الألمانية. وإلى حد الآن لا تلعب افريقيا في التجارة الخارجية الألمانية أي دور مهم. ففي عام 2018 استوردت ألمانيا بضاعة بقيمة 22.5 مليار يورو من افريقيا. وهذا يمثل نحو اثنين في المائة من قيمة الواردات الألمانية. وفي المقابل ذهب 1.7 في المائة من الصادرات الألمانية إلى القارة الإفريقية. وفي المجمل وصل حجم التجارة إلى نحو 45 مليار يورو. وللمقارنة فإن حركة التجارة بين ألمانيا وهنغاريا أكبر.
سيارات إلى جنوب افريقيا والنفط من نيجيريا
إلى ذلك فإن التجارة مع المانيا موزعة في القارة الإفريقية بشكل غير متساو. فنصف تلك التجارة تقريبا يخص جنوب افريقيا . وإلى جانب ذلك توجد نيجيريا وبلدان شمال افريقية كشركاء تجاريين محوريين. وهذا التركيز هو حسب كانينغيسر سبب وراء تذبذب أرقام التجارة مع افريقيا. “في حال ضعف جنوب أفريقيا، فإن ذلك يظهر بالطبع بقوة. ونحن نلاحظ بالأحرى نسب نمو ضعيفة في اقتصاديات نيجيريا وجنوب أفريقيا. وفي مجال المغرب العربي كان الوضع جزئيا صعبا، وهذا يترك بالطبع آثارا حتى ولو أن أرقام التجارة في باقي المناطق تتطور بصفة جيدة”.
وبعد نسبة نمو في 2017 تراجعت الصادرات الألمانية إلى افريقيا في 2018 بنحو 11 في المائة. وتصدر ألمانيا إلى الدول الافريقية لاسيما الآلات والسيارات والالكترونيات والمنتجات الكيماوية. وفي المقابل نجد أن النفط والغاز هما أهم الواردات الألمانية ويأتي بعدها المنتجات الزراعية وأجزاء السيارات والمعادن. وماتزال افريقيا في المقام الأول مصدرا للمواد الأولية.
” يجب علينا التطلع إلى الأعلى”
وتعتزم الحكومة الألمانية تحفيز النمو الاقتصادي في افريقيا ليس فقط من أجل منع الناس هناك من الانتقال إلى أوروبا بحثا عن حياة أفضل. وأحيت المستشارة أنغيلا ميركل في 2017 عام افريقيا وجعلت من القارة موضوعا رئيسيا للرئاسة الألمانية لمجموعة العشرين. ومن وزارة التنمية الألمانية صدر في العام نفسه “مشروع مارشال لإفريقيا”. كما وعدت ميركل بإنشاء صندوق بمليار يورو لدعم الاستثمارات في افريقيا وتأمينها، لأن ألمانيا تحتل مكانة متأخرة فيما يخص الاستثمارات المباشرة. فقط واحد في المائة من الاستثمارات الأجنبية الألمانية يذهب حاليا إلى افريقيا. والجزء الأول من الصندوق انطلق وبإمكان الشركات الترشح للحصول على قروض حتى أربعة ملايين يورو للاستثمار في افريقيا.
وتريد السياسة الألمانية لاسيما تحفيز الشركات الألمانية من الحجم المتوسط. وأعلن كانينغيسر:” بالنسبة إلى الشركات المتوسطة الألمانية لم توجد في السنوات الأخيرة دوافع للاهتمام بشكل ملفت بالأسواق الإفريقية. فهي أسواق متفرقة صغيرة ومعقدة نسبيا ولا توجد معها علاقات تقليدية مثل تلك التي تربطنا مثلا مع جيراننا في فرنسا”. وحتى الصورة السلبية جزئيا المروج لها من قبل الإعلام حول افريقيا لها تأثير. ويرى كانينغيسر فرصا للشركات الألمانية في مجال الطاقات المتجددة والسيارات. وحتى في تكنولوجيا الإعلام والأمن هناك حاجة كبيرة من قبل الحكومات الإفريقية. “إنها مجالات نتمتع فيها كاقتصاد ألماني بسمعة جيدة والدول الإفريقية تتعاون بكل رضى مع شركات ألمانية”. ويطالب كانينغيسر السياسة بمزيد من التأمين المادي بحيث أنه يجب توسيع ضمانات التصدير وحتى مقتطفات الشركات تبقى مرتفعة بالنسبة إلى البلدان الإفريقية.
ليس كل استثمار يخلق مواطن شغل
راينهارد بالم، مدير قسم افريقيا في منظمة الإغاثة الكنسية “الخبز للعالم” يعتبر أن سياسة الدعم تسير جزئيا في الاتجاه الخاطئ، إذ أن الكثير من الأموال تُحول إلى جيوب الشركات الكبرى الأوروبية. ويعتبر بالم أن حتى الشركات الإفريقية يجب أن تحصل على منفذ لوسائل الدعم، بحيث يجب تقوية الاقتصاديات الإقليمية ـ يعني شركات تنتج في افريقيا منتجات للسوق الإفريقية. وإلا فإن ذلك سيكون “دعما اقتصاديا للشركات الألمانية، وليس تقوية الاقتصاد في افريقيا”، كما يقول بالم الذي يعتبر أنه من المهم إقامة صناعة منتجة للمواد الغذائية في افريقيا.
هل يدمر الاتحاد الأوروبي التجارة الداخلية الإفريقية؟
وما سيرفع من القيمة داخل القارة هو إقامة منطقة تجارة حرة افريقية. ومخططات ومفاوضات حول هذا المشروع توجد منذ سنوات. 54 دولة عضو في الاتحاد الإفريقي سبق وأن صادقت على اتفاقية تشمل منطقة تجارة حرة. لكن خبير شؤون إفريقيا، بالم يعتبر أن الاتحاد الأوروبي يعرقل هذا التطور، لأنه يراهن إلى حد الآن على اتفاقيات شراكة مع دول افريقية أو مجموعات دول. وفي إطار ما يُسمى اتفاقيات الشراكة الاقتصادية تلتزم الدول بفتح أسواقها بثمانين في المائة أمام أوروبا. وفي المقابل تحصل الدول الإفريقية على إعفاءات ضريبية كاملة في اتجاه الاتحاد الأوروبي.
والكثير من البلدان الإفريقية ترفض هذه الاتفاقيات، إذ هناك قلق كبير من أن منافسة المنتجات الأوروبية الرخيصة مثلا في قطاع المواد الغذائية تؤدي إلى انهيار الزراعة المحلية. وتوجد اتفاقيات إلى حد الآن مع ناميبيا وافريقيا الجنوبية وغانا وساحل العاج. وينتقد بالم بالقول:” هذه البلدان الإفريقية الغربية تتحمل مستقبلا رغم أنها اتحاد جمركي واحد ضرائب خارجية مختلفة. والجميع يعرف بأن هذا يؤدي إلى نسف مفعول الوحدة الجمركية جزئيا”.
وهذه الضرائب الخارجية المختلفة تنسف مخططات منطقة تجارة حرة إفريقية. “والمستقبل سيكون في التركيز على منطقة تجارة حرة افريقية ودعمها والقيام بكل شيء كي تدب فيها الحياة”، كما أوضح بالم.
جوزفين شولتس/ م.أ.م