هل طارت أحلام الانفصاليين الأكراد مع بولتون؟ الأوطان لاتحمل في الحقائب الديبلوماسية
من العار ان يتحول مشروع أمة الى اوراق في حقيبة ديبلوماسي غريب .. يذهب الديبلوماسي فتذهب الا/ة ومشاريعها معه .. أو يغير اتجاه المشروع فتتغير خلفه الأمة .. ولاندري ماذا في حقيبة بولتون من أوراق الامم والشعوب .. الا ان ماندريه هو انها ذهبت معه الى بيته التقاعدي ليتسلى بها او ليستعملها لأغراض أخرى تفيد المتقاعدين والمقعدين ..
ورغم مايقال عن ساحات نشاط بولتون من كوريا الى ايران فانني لم أكترث بما يفعل في اقصى الشرق او أقصى الغرب .. بل مايفعله في الساحة السورية ومايرتبط بها في ايران .. وأريد ان أدرس تأثير غيابه على الملف السوري رغم ان البدائل لن تكون أفضل ولكن اعادة بناء ماأخذه بولتون لن يكون سهلا .. الذي يبدو ان له في الملف حصة الاسد .. وخاصة الملف الكردي ..
جون بولتون لم يكن مجرد رجل عادي بل هو تيار ضارب في السياسية الأمريكية وهو من مشاهير المجرمين الذين تقوم سياستهم على الاعتداء على الآخرين والايمان بتفوق قيمة البطش والقوة والسطو المسلح على كل القيم الأخلاقية الاخرى للانسانية .. فهو اشترك في السطو على العراق .. ومن مؤيدي عملية السطو على فلسطين ومابعد فلسطين .. وهناك انطباع انه المتحدث باسم اسرائيل في أي ادارة أمريكية ويتصرف كأي مستوطن اسرائيلي .. واذا قلنا ان كوشنر هو رجل اسرائيل في الشأن الفلسطيني فان بولتون هو رجل اسرائيل المتخصص في تدمير اعداء اسرائيل .. وتخريب دول الرفض .. واذا قلنا عبارة “تدمير اعداء اسرائيل” فان هذا يقودنا الى انه تقوية قوى الفوضى والتخريب والجنون والانفصال في الدول المحيطة باسرائيل وتجاهر بالعداء لها .. واذا قلنا “قوى الفوضى والتخريب والانفصال” خطرت في بالنا داعش والنصرة والاكراد الانفصاليون .. فكلهم على اختلاف توجهاتهم وطموحاتهم يشتركون في انهم يدمرون أعداء اسرائيل ويضعفون دول الرفض .. ويجدون ان اسرائيل حليف وشريك وداعم .. ويشتركون ايضا في أنهم قوى انتهازية تنمو في ظل مشاريع أخرى وتتطفل على المجتمعات العريقة الاصيلة والراسخة في الجغرافيا .. فداعش والقاعدة لاتظهران الا حيث تذهب اميريكا للسطو والنهب وافتراس الامم والثروات .. فتحوم حولها قوى التخريب والانفصال وترافقها كما ترافق الغربان والطيور اللاحمة الضواري كي تأكل من الفرائس التي تأكلها الضواري .. وهذه الغربان والطيور ذات مناقير ضعيفة فتأكل العيون والاحشاء الرخوة في الضحية فيما تأكل الضواري اللحم والشحم .. فداعش والنصرة مثلا ظهرتا بعد ان قامت اميريكا في زمن اوباما بتدمير البنى الاجتماعية والأمنية العربية في سورية والعراق .. فبعد سقوط بغداد على يد ضباع المحافظين الجدد دخلت القاعدة العراق لأول مرة لأن الامريكان هم الذين ادخلوا القاعدة وغيرها حتى فتكت بالعراقيين وأكلت لحومهم بالتفجيرات والمذابح ولاتزال .. ومنها خرجت داعش التي دخلت الى سورية بعد ان هيأ لها الامريكان الجو وفتحوا لها ابواب المدن والارياف السورية اثر تفكيك البنى الامنية والاجتماعية في بعض مناطق سورية في مشروع الربيع العربي الذي أشرفت عليه اميريكا في زمن اوباما .. وعندما دحرت القوى المتوحشة الاسلامية بجهود محور المقاومة وتحالفه مع روسيا .. أخرج الاميريكيون من جيبهم المفاجأة الكردية التي حلت محل داعش في نفس الجغرافيا تقريبا وأوكلت لها نفس المهمة والدور .. وهي الانفصال والفصل بين دول الرفض بحاجز بشري صناعي ..
وكان هناك جدال بين صناع السياسة الامريكيين – بعد اندحار موجة الارهاب الاسلاموي وخسارة الرهان – ان الخروج من سورية صار في صالح اميريكا لان مخاطر البقاء اكبر خاصة اذا قرر محور المقاومة اطلاق عمليات تحرير الشرق السوري ومايحمله هذا القرار من مخاطر تواجه انع القرار الامريكي .. وقد عبّر ترامب عن تلك الرغبة والقناعة ووعد باجراء انسحاب خلال مدة زمنية وجيزة .. بل وحاول ترامب ان يقايض الوجود الامريكي بشيء واحد فقط هو اعادة الامور الى ماكانت عليه قبل عام 2011 بحيث لاتبقى ايران ولا حزب الله في سورية .. ولكن هذا العرض تجاوزه الزمن لأن العرض يمكن قبوله في حال هزيمة محور المقاومة .. في حين ان المحور انتصر وهو الذي يمكن ان يقدم للامريكيين عرضا بالخروج بسلام .. كما ان العودة الى ماقبل عام 2011 خطرة لأن اعادة السيناريو بالغزو الارهابي يمكن ان تتكرر خاصة ان لاشيء تغير في القوى التي تحيط بسورية والتي خدمت المشروع الارهابي .. فاسرائيل بقيت والموساد بقي .. وتركيا اردوغان بقيت بطموحاتها المريضة العثمانية .. وقطر هي قطر والجزيرة والاخوان المسلمون كذلك .. والسعودية بقيت في مكانها .. ودول الغرب لاتزال في جيب اميريكا .. وكلنا نسمع عن مشاريع احياء داعش في الشرق او التلويح ان داعش ينتعش في الشرق من جديد .. ولذلك فان هذا العرض الامريكي بمقايضة الانسحاب لايمكن الا ان يكون خدعة واستراحة لجولة أكثر فتكا .. وعندها سنكون استعادة تمركز الحلفاء مضطربة ولاتلقى تأييدا شعبيا هنا او هناك ..
أمل بولتون وفريقه الذي يمثله كان كبيرا في الاكراد .. اي أن يستخدمهم كورقة تفاوض او حاجز بشري مثلهم مثل الاخوان المسلمين والقاعدة .. وأغبياء الاكراد الانفصاليين كانوا يفكرون بطريقة ساذجة فيها غفلة .. فهم يظنون انه لاخيار امامهم الا الذهاب الى آخر مدى في التحالف مع اميريكا .. فلعل وعسى يصلون الى شيء .. فهي تملك كل أوراق الحل لأي قضية .. اي ان الاكراد اقتبسوا من السادات فكرة ان 99% من ارواق الحل بيد اميريكا .. ولكن حتى اليوم لم تحل اميريكا شيئا لأن 99% من اوراق الحل هي بيد شعوب المنطقة .. لكن الاكراد وضعوا 99% من اوراقهم بيد اميريكا وفي حقيبة بولتون وغيره .. وجعلوا ينتظرون ..
المهم أن الأكراد الذين كانوا مدللين عند بولتون سيكتشفون انهم صاروا أيتام بولتون وانهم تركوا لمصير غامض .. لأن خروج بولتون قد يفتح الباب أمام ترامب كي يعيد التذكير بفكرة الانسحاب الفوري من سورية .. خاصة انه يطلق تصريحات الغزل والمودة والتعظيم للشعب الايراني وقيادته .. ويبدو انه مهتم باتفاق مع ايران وليس مع الاكراد .. بل لاشك ان الاكراد سيكونون من ضمن الاشياء الصغيرة والهبات التي سيقدمها ترامب لايران كبوادر حسن نية .. وبالتالي فان الاكرا قد يصبحون من غير جون بولتون أمام قدر صعب .. لكنه سيكون القدر الاصعب منذ فكرة اتشاء حلم كردي لأن الخيانة الانفصالية في العراق وسورية فتحت عيون الدول المتشاطئة على الديموغرافيا الكردية كي تختلف في كل شيء ولكنها ستتفق على تنحية الخطر الانفصالي الكردي .. ومن المؤكد أن مصير الاكراد الانفصاليين في شمال سورية قد تقرره تركيا وسورية في اتفاق “أضنة ثان” .. فاتفاق أضنة الاول كان بعد استئصال تركيا لرأس الحركة الكردية المتمثل في عبدالله اوجالان .. واتفاق أضنة الثاني المستقبلي مع حكومات تركية قادمة سيكون لاستئصال الجسم المسلح الكردي نهائيا خاصة ان الاتراك سيحزمون حقائبهم مع المعارضة السورية المسلحة ويتركون ادلب لأهلها الحقيقيين .. في اشارة الى ان يتقرغ الجيش السوري لشرق الفرات .. وهنا يرى سياسيون أتراك ان الحكومة السورية – بعد ظهور خطر الانفصال الكردي وتحالفه مع اميريكا واسرائيل – قد لاتمانع في طرح تركيا في اعادة توطين المهاجرين السوريين في تركيا في هذه المناطق الشمالية التي يريد اردوغان بناء مستوطنات فيها “لشعبه السوري اللاجئ” لأن خلخلة الديموغرافيا ستجتث الانفصال الكردي من شروشه .. والاتراك يعولون على احتمال غض نظر الحكومة السورية عن هذا التوطين خاصة ان العائدين السوريين لن يكونوا تحت سلطة اردوغان بل الحكومة السورية ولكن تركيا ستأخذ ضمانات امنية روسية انهم لن يتعرضوا لملاحقات امنية في سورية .. رغم ان مؤسسات الدولة السورية ومدارسها ومناهجها هي التي ستدخل الى المنطقة (العازلة) العربية .. وهذا سيكون انجازا دعائيا لاردوغان انه اعاد اللاجئين السوريين وتخلص من كثافتهم في مدن تركيا وهو مطمئن عليهم الآن فيما هو يستعملهم لتمييع الكثافة الكردية السكانية على حدودة بمميع ديموغرافي عربي .. ويردد الساسة الاتراك الذين يروجون للفكرة أن الدولة السورية تدرك ان هذه البيئة معارضة نسبيا فهي خليط من المهزومين في مشروع الثورة السورية .. ولن تتغير قناعاتهم بسرعة والدولة ترغب في ان تمنحهم فرصة المواطنة من جديد بشرط عدم اللجوء للعنف والسلاح.. ولكنها ستضعهم تحت عينيها مباشرة ..
اقرأ أيضا: كيف ستتغير سياسة ترامب تجاه روسيا وإيران وسوريا بعد إقالة جون بولتون؟
منذ هذه اللحظة على الانفصاليين الكرد أن ينتظروا ان يقرع الباب عليهم وهم في حصون اوهامهم .. وان يفتحوا الباب ليتسلموا رسالة شكر من ترامب تنتهي بعبارة (وداعا) .. فحركة ترامب تتجه نحو مكان آخر .. وهو سيدوسهم وهو في طريقه الى المكان الآخر .. ولايبدو انه راغب في أن ينتظر أكثر في الشرق السوري .. واذكر انني كنت ألاحق بفضولي احد المطلعين على ملف شرق الفرات وأحاول ان أجيب على سؤال عن التحضيرات لهذا الملف ولكنني كنت استنتج من كلامه ان اميريكا ستضطر الى تغيير اتجاهها بسرعة .. وكأن أطرافا تحلل النزاعات والصراعات في الادارة الامريكية وقدرت ان زعيم المتطرفين جون بولتون أو زعيم دواعش واشنطن يلقى تذمرا متصاعدا في الادارة .. وقد لاينجح في مساعيه ..
لذلك يمكنني ان اقول ان الشعوب والقادة الذين يضعون أوراقهم واوراق احلامهم في حقائب الديبلوماسيين الأجانب وخاصة الامريكيين فانهم لاتستحقون ان يكون لديهم احلام ولاأوطان .. فوطنهم الذي في حقيبة ديبلوماسي يرحل حيث ترحل الحقيبة وصاحب الحقيبة .. وشرق الفرات وضعه الانفصاليون الكرد في حقيبة جون بولتون .. ولكن بولتون مات .. أما نحن فاننا وضعنا شرق الفرات في عيوننا .. بل ومررنا نهر الفرات في شراييننا .. ولو شرحت أجسادنا لسال منها ماء الفرات .. ولذلك فاننا نستحق كل قطعة في هذا الوطن .. وكل حبة تراب .. وليأخذ الانفصاليون مافي الحقائب .. وكل أوراق العالم التي تحملها الحقائب ..وكل الحبر والوعود .. وكل الحشيش والبرسيم الذي في حقايب الديبلوماسية الاميريكية ..
نارام سرجون